[email protected] ثورات الهامش السوداني أسماء كثيرة لقضية واحدة (11) هارون سليمان قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري 14. اليقظة الثورية : يتطلب العمل العسكري يقظة وحذراً أكثر مما يتطلبه أي عمل ثوري آخر فالمقاتل الذي يستخدم أرقى وسائل العنف للتصدي للعدو يواجه من قبل هذا العدو بأقسى واحدث الأساليب والوسائل القمعية كما أن المقاتل الذي يتعايش مع السلاح دائماً يعرف انه يحمل روحه على كفه حيث أن سلاحه يشكل دليل إدانته بالعداء الدموي للعدو فان وقع في يد العدو نتيجة الإهمال والغفلة فان الإنكار أو المراوغة لن يحققا له الإفلات من قبضة العدو. إن تحقيق الأمن العسكري باليقظة الثورية الدائمة يؤكد المسلكية الثورية في المجال العسكري ويؤمن للعضو إمكانية استمراره بالنضال أولا وانجازه الايجابي للمهمات ثانياً. إن تحقيق الأمن للمقاتل ولمجموعته التي ترتبط به تنظيميا ولمهمته المكلف بها تتطلب منه أن يؤمن أولا بضرورة الأمن واليقظة لانجاز مهامه ثم أن يعرف كيف يحقق هذا الأمن واليقظة ثم كيف يتصرف أثناء التخطيط للمهمة وأثناء تأديتها وبعد ذلك. إن قواعد الأمن ضرورة أساسية للمناضل كي يحقق اليقظة الثورية. إن الأهمية التي يجب أن تعطي للأمن أثناء التخطيط للمهمة تتطلب دراسة كل الأبعاد والاحتمالات ولكن بداية التنفيذ العملي للمهمة تتطلب عدم المبالغة في التعلق بالأمن والحذر لان ذلك قد يكبل الحركة والمرونة ويلجم المفاجأة والشجاعة ويفسد الخطة بكاملها. إن العمل الثوري القتالي هو تعرض للخطر وان كان ضروريا حسابه هذا الخطر ودراسة إمكانية درئه عن المقاتل ولكن لا مناص للمقاتل من المغامرة و الإقدام وروح المخاطرة. إن ابتداء التنفيذ العملي للمهمة يتطلب سيطرة مجموع المسلكيات الثورية الايجابية حركة وإقداما وشجاعة على ساحة القتال مما يفتح للعمل الثوري الجريء طريقة لانجاز المهمة الثورية بأقصى درجات الفعالية. 15. المفاجأة يعتبر القتال الهجومي الشكل الأساسي في حرب العصابات والحروب الثورية ولكي يعطي هذا الشكل من القتال مردودا ايجابيا دائماً،فان إحدى خواصه الأساسية هي امتلاك المفاجأة لكل مهمة يخطط لتنفيذها أولاً والحيطة والحذر لتحاشي الوقوع في مفاجآت العدو ثانيا. إن امتلاك المفاجأة في العمل الثوري المسلح هو امتلاك وتنفيذ لقاعدة أساسية من قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري وتهدف المفاجأة إلى إحداث التفوق على العدو في الزمان والمكان المحددين وذلك بإفقاده لتوازنه وإرباكه وتحطيم روحه المعنوية ولا تتحقق المفاجأة بشكل واحد أو بالاعتماد على عنصر واحد من عناصر القتال فالمفاجأة المركبة أو الكاملة قد تجمع أكثر من عنصر واحد مما يؤكد ليس فقط السيطرة التكتيكية وإنما السيطرة الإستراتيجية أو الأكثر شمولا وقد تعتمد المفاجأة على عنصر الزمان فقط، وذلك يعني الهجوم في وقت لا يتوقع العدو أن يهاجم فيه وبذلك تكون استعداداته الدفاعية في اضعف حالاتها كما أن المفاجأة قد تعتمد على عنصر المكان أو نقطة الهجوم وهي عادة النقطة التي لا يتوقع العدو أن يهاجم منها والتي تكون فيها استعداداته الأمنية ضعيفة ويمكن تحقيق المفاجأة باستخدام سلاح جديد لم يدخل في خطة العدو وتقديره للموقف مما يخلق الارتباك وانهيار الروح المعنوية وقد تتحقق المفاجأة بالهجوم بكثافة بشرية وقوى مادية غير متوقعة كما أن المفاجأة تتحقق في العمليات الهجومية فان المفاجأة الدفاعية المعتادة إذا كانت محكمة ويقظة فإنها تشل القوى المهاجمة وتفقدها توازنها والمفاجأة المضادة تعني اتخاذ كافة احتياطات الأمن لكل احتمالات مفاجآت العدو بالزمان أو المكان أو بالسلاح أو القوى البشرية وذلك باتخاذ كافة الاحتياطات وعدم الشعور بالطمأنينة والأمان لأية موقع مهما كان صعبا حيث أن الحذر يؤتى من مأمنه. إن ابتكار أساليب ووسائل المفاجأة المضادة تفرضها طبيعة كل موقع فهي تتراوح من استخدام التمويه الميداني والاشراك الخداعية إلى استخدام الحواجز الالكترونية والمنبهات الضوئية والصوتية. إن المفاجأة كقاعدة للمسلكية تتطلب من المقاتل الذي يحاول أن يفاجأ العدو من حيث لا يتوقع وبطريقة لم تخطر على باله ومطالب بأن يضع نفسه دائما في مكان العدو ليعرف كيف ومتى وأين يمكن للعدو أن يفاجئه حتى يأخذ كافة الاحتياطات الأمنية اللازمة والتي ترد على العدو مفاجأته بما يحطمها ويحطمه. 16. الحركة والمرونة "الديناميكية": عندما يبدأ الاشتباك بين القوتين المتصارعتين يبدأ كل طرف في تنفيذ خطته سواء الهجومية أو الدفاعية محاولا الانتقال بحركاته إلى المرحلة التالية التي تعطيه زمام المبادرة والسيطرة. إن فقدان القدرة على الحركة والمرونة والديناميكية هو فقدان للمعركة ووقوع في براثن العدو وتحت سيطرته . إن سرعة الحركة هي التي تؤمن إلحاق الضربات بالعدو والإفلات من ضرباته وهي لذلك إحدى القواعد الأساسية للحرب وهي بالتالي مسلكية ثورية يتوجب المحافظة عليها في الحروب الثورية الشعبية كما في الحروب الثورية النظامية،حيث أن امتلاكها يشكل صمام الأمان الحقيقي ضد كل مفاجآت العدو فالمرونة وسرعة الحركة هما السلاح المضاد للمفاجآت ومفهوم الحركة في الحروب النظامية يختلف عن مفهومه في الحروب الشعبية بمراحلها العصابية أو المتحركة ففي الحروب النظامية المتطورة والتي تشترك فيها كل صنوف الأسلحة براً وبحراً وجواً والتي قد تصل خلال فترة زمنية وجيزة إلى مرحلة المعركة الحاسمة، فان الامتلاك الحقيقي لقاعدة الحركة لا يتم إلا إذا امتلكت على المستوى الاستراتيجي الذي يضمن المستويات التكتيكية الأخرى أما في حروب العصابات والتي شعارها اضرب واغتنم واهرب، فان الحركة لا تمتلك إلا تكتيكيا ومع تطور حرب العصابات والدخول في مرحلة الحرب المتحركة والتي يتعدد فيها أشكال القتال والمهمات العسكرية يصبح مبدأ اضرب واهرب مبدأ مركباً كالحركة والمرونة ليصبح اضرب وتحرك لتضرب بشكل آخر وهكذا. إن ممارسة الحرب المتحركة تشتمل على قضايا عديدة مثل الاستطلاع والحكم على الموقف وعقد العزم وتخطيط العمليات العسكرية والتوجيه والتستر وتركيز القوات والتقدم وشد القوات والهجوم والمطاردة والمباغتة والهجوم الموقعي والدفاع الموقعي والاشتباك الفجائي والتراجع والقتال الليلي والعمليات الخاصة وتجنب القوى ومهاجمة الضعيف ومحاصرة العدو بغرض ضرب إمداده والهجوم الكاذب والوقاية من الغارات الجوية والتحرك بين وحدات عديدة للعدو وتخطي وحدات من قوات العدو لمحاربة وحدات أخرى والقتال المتواصل والقتال بدون استناد إلى مؤخرة وضرورة الراحة وتكديس الطاقة ....ويجب أن لا يفهم من الحركة معنى السرعة فقط. إن الحركة الديناميكية التي تؤمن المرونة والتي تهدف إلى الانتقال إلى وضع قتالي أصلح من الوضع الحالي في الزمان والمكان يجب أن توفر فيها صفة السرعة بمفهومها النسبي أي بمعنى السرعة التي تفوق سرعة العدو وتؤمن امتلاك المبادرة وليست السرعة الخاطفة الاستعراضية التي قد تبعثر الجهد والقوة والى جانب السرعة،فان الحركة يجب أن تتم في الوقت الصحيح. إن تأخر الحركة أو تقدمها لحظة واحدة عن الوقت الذي يجب أن تتم فيه قد يفقدها كل ميزاتها مهما توفرت فيها صفة السرعة كما أن اتجاه الحركة وسرية المكان الذي تتجه إليه عن العدو يؤمن امتلاكها للمبادرة وإلا فان حركة في الاتجاه الخاطئ أو نشر أخبار التحرك قد توقع القوة المتحركة في كمين العدو فتفقد كل إمكانية للسيطرة على الموقف وتفشل بذلك الخطة بل قد تكبد القوة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. 17. الذكاء : ليست الأسلحة هي العامل الحاسم في القتال ولكنه الإنسان وليست قدرات الإنسان الجسدية ولياقته البدنية هي أساس قوته في هذا العصر وإنما قدراته العقلية وذكائه وسواء أكانت طبيعة القتال نظامية أو عصابة تكتيكية أو إستراتيجية فان دور العقل واستخدامه بالشكل الصحيح هو الذي يلعب الدور الرئيسي في توجيه المعارك وكلما كان استخدام العقل سليماً كلما كانت النتائج ايجابية والاستخدام السليم للعقل يتوقف على درجة الذكاء التي يتمتع بها الفرد والذكاء بمعناه المبسط، هو القدرة على فهم العلاقات بين الأشخاص والأشياء والأحداث أي القدرة على الربط بين القوى البشرية والقوى المادية وما يتمخض عن هذه الروابط من نتائج أو احتمالات لنتائج في المستقبل ولا يتوقف الذكاء على عوامل الوراثة فحسب وإنما يلعب الإعداد والتدريب والتعليم والاطلاع دورا رئيسياً فالذكاء لا يأتي نتيجة الهام أو قوة خارج إطار معرفة الإنسان. إن مخزون المعلومات التي لدى الفرد في ذاكرته وقدرته على تنسيق هذه المعلومات وترتيبها وتصنيفها،بحيث يستطيع استخدامها بسرعة وفي كل الظروف هو الذي يساعد على تنمية الذكاء. إن كثيرين ممن يحملون قدرات موروثة من الذكاء يضعفونها أو يفقدونها نتيجة تشويش في استخدام تنمية الذكاء. إن كثيرين ممن يحملون قدرات موروثة من المعلومات أو طريقة ترتيبها أو تنسيقها وتعودهم على الخوض في أكثر من موضوع في وقت واحد والتصدي لأكثر من قضية مرة واحدة والانتقال من موضوع لآخر بفوضوية وتبعثر أن مثل هذا التصرف يضعف الذكاء لدى الفرد ويجعله يفقد قدرته على التفكير السليم في الوقت المناسب ويكون مثل هذا التصرف خروجا عن قاعدة هامة من قواعد المسلكية الثورية وتلعب التجربة الذاتية للفرد دوراً هاماً في توجيه تفكيره بسرعة. وكلما ازدادت تجربة الإنسان كلما ازدادت خبراته وقدراته للتصدي الناجح للمشاكل والمعضلات وتزداد الخبرة الذاتية بالاطلاع السليم على خبرات الآخرين خصوصا في المجال العسكري. إن كثيراً من المشاكل التي تواجه المقاتل الفرد أو المجموعة المقاتلة أو الجيوش يمكن أن تتشابه إلى حد ما مع مشاكل واجهها أفراد أو مجموعات أو جيوش وكتبوا تجاربهم وكيف تصدوا لها سواء بالنجاح أو بالفشل. إن معرفة عدد من الحلول المسبقة لمشاكل حصلت أو يمكن أن تحصل وتعويد المقاتل على وضع الاحتمالات وطرق مجابهتها يجعله قادرا على الحل الصحيح السريع ،حتى لو وجه باحتمال خارج عن تقديراته فانه يكون قد تعود على تحمل الفعل وردته مما يساعده على اخذ ردة الفعل المناسبة في الوقت المناسب وهذا ما يمكن أن يسمى في العمل العسكري، لحظة الإلهام أو لمعة الذكاء التي تجعل القائد المجرب يأخذ قراره في لحظة وكأن القرار جاء نتيجة الإلهام مع أن الحقيقة أن القرار جاء نتيجة خبرة سابقة وقدرة عقلية على تمثل القضية المطروحة بسرعة وحلها بسرعة. 18. الشجاعة إذا كان المبدأ الأساسي للحرب هو المحافظة على الذات وإفناء العدو فان غريزة حب البقاء تشكل دافعاً أساسيا من اجل دفع الإنسان للقيام بمهام صعبة. وعندما يتعرض الإنسان للخطر الذي يهدد بقاءه فانه إما أن لا يشعر مطلقا بالخوف وهذه الحالة الشاذة تعتبر حالة مرضية. وإما أن يستسلم كليا للخوف وهذه حالة مرضية أخرى توصف بالجبن وإما أن يواجهه هذا الخوف ويقهره ويتصرف وكأنه غير خائف وهذه هي الشجاعة. والأفراد لا يولدون شجعاناً وإنما يصبحون كذلك عبر توجيه قيم المقومات الأساسية للشجاعة . إن المسلكية الثورية تؤكد على تنمية الشجاعة لدى العضو في الحركة الثورية وهذا يعني أن يصبح العضو مستعدا للتضحية ولمواجهة الخطر في سبيل تحقيق هدف مجد. فالقتال في الحركات الثورية لا يكون في سبيل الموت وإنما في سبيل النصر. إن الفرق بين الشجاعة والتهور هو كالفرق بين من يحتقر الموت ومن يحتقر الحياة وبما أن الحركات الثورية تنطلق أساسا من اجل احترام الحياة ومن اجل خلق الواقع الأفضل والحياة الأفضل فإنها ترفض المسلكية المستسلمة بذعر للخوف.. المسلكية الجبانة.. وكذلك المسلكية العدمية التي تحتقر الحياة. وتنمي الشجاعة لدى أعضاء الحركات الثورية بتعميق المفهوم والإيمان الأيديولوجي لدى العضو والذي يجعله يحس بالقضية العامة ويرتبط بها ويضحي في سبيلها بالقضية الخاصة. والى جانب ذلك، فان بعث وتعميق الروح الوطنية أو القومية لدى العضو تجعله يتوجه بحماس وشجاعة لمواجهة عدوه الوطني أو القومي. إن التقيد بالمسلكيات الثورية في المجالات المختلفة يجعل المناضل أكثر توازنا وقدرة على العطاء الإيجابي ويجعل انضباطه مبعثا لشجاعته ويجعل إخلاصه لمبادئه ولقادته ولرفاقه في السلاح دافعا له لتشبث في ارض المعركة ومواجهة الأخطار دون استسلام للذعر والحركات الثورية تنمي الشجاعة لدى مقاتليها بتعويدهم على مواجهة الخطر ويجعلهم يتعايشون معه كما أن الحركات الثورية تحارب الجبن والجبناء بشدة ولا ترحم المتخاذلين والذين يهربون من ساحة القتال وقد تعاقبهم بالإعدام مما يكرس ويدعم نمو الشجاعة العسكرية لدى العضو الذي لا يكتسب شجاعته فقط من الإحساس بالشرف العسكري التي تجعل المقاتل يشعر بأن الموت أهون من فقدانه وإنما من تأكيد أن بشاعة الرعب من الموت هي اقل بدرجات كبيرة من بشاعة العار.. والعقوبة. لمواجهة الخطر بشجاعة يحتمل أن تؤدي إلى الموت ولكن الهرب من الخطر يؤدي إلى العار والعقوبة والموت. والشجاعة كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري كغيرها من القواعد تتطلب من الأعضاء تطويرا لمفهومها وتدريبا على رفع مستواها وتدعيم مقوماتها حتى تتحول الحركة الثورية إلى كتلة من الأعضاء متراصين مستعدين جميعهم لتقديم التضحيات ومواجهة الأخطار لإيمانهم العميق بحتمية النصر. قالوا قديما: إن العدو وإن أبدى مسالمة : إذا رأى منك يوما غرة وثبا في الحلقات القادمة قواعد المسلكية الثورية للكوادر هارون سليمان [email protected]