[email protected] جلس ابراهيم على قوز رمل يحاصره مع الاحتياج الفقر اللعين ، يتحداه بغطرسة واستفزازمعلن ، يطارده باستحكامه المطبق على رقبته ، فلايكاد يتنفس الصعداء، استلقى على ظهره كانما يحاول ان يسترخى من عناء رحلة طويلة ، ويستعيد بعضا من توازنه ، ويلملم شتات نفسه المبعثرة بين الرجاء والمستحيل ....يملاء خياشيمه من اوكسجين قريته ، التى طالما احبها وادمنها عشقا حتى بعد ان ضاق به الحال ، ففيها مصدر رزقه الزراعة على ارضه التى يكاد يحتضنها بالفة ومودة، وطالما اعطته من غير حساب ، عندما كانت البركة تغمر الارجاء ، والاسواق ملك الجميع... قبل ان يعطيه الحظ وجهه الاخر لسنوات خلت.... اصبح بيع الخسارة يجره فى درب الديون والسلف (والخيل تقلب والشكر لحماد.)..، كم من اللوارى ملاءها ابراهيم بانتاج ارضه الطيبة ...قاصدا الخرطوم للبيع ، وقبل ان يصل اللورى العاصمة عليه ان يدفع رسوم قبانة رسوم محليات طابور من رسوم واخرى لا تسمى رسوما انما تسهيل وغصبا عن عينك، فعليه ان يدفع وبدون نقاش ، وتصل محاصيله الاسواق لتباع بالخسارة فكيف للارض ان تشبع كل تلك النفوس الجشعة ممثلة فى جبايات الحكومة التى بدلا من مساعدته يدفع بدل الصاع صاعين، من الرسوم وما يزيد عن ارباحه بكثير، فيعود من العاصمة بخفى حنين ، وقد زادت ديونه وهمومه ، وتضخمت حسرته وقلت احلامه ، وتوارت اماله، فى اتمام زواجه الذى قد طال امد انتظاره... وهكذا تخنقه الاشباح و تحاصره وتدور حوله ومعه، وهى لا تبارح خواطره المكلومة، وهو يحاول جاهدا بخيالاته ان يهرب بعيدا متسللا من واقعه البائس ، كالذى يضمد جراحات مزمنة تابى الا ان تنزف من جديد ... فاطمة خطيبته الجميلة... امتزجت محبته لها مع هواء قريته فيكاد يستنشقها عبيرا...مع كل شهيق لتسكن اعماقه فى زمن الفقر المتمكن فلا سبيل لنيل الاوطار ، الا بعد مشقة واستماتة ،هذا اذا قدر لاحد ان يكمل نصف دينه ...مع انحدار الحال، وضيق ذات اليد، مع قلة المال واتساع المسافة بين الواقع والامال... فقد طال على الحب عمر الصبر....فمل التسويف وعاف الانتظار ....وفاطمة ترسم المستقبل احلاما وامالا وردية تنام وتستيقظ معها وعليها ، وقلبها المفعم بمحبة خطيبها ابراهيم ...يقتات من المجهول الخوف ...ومن الايام ضياع الامانى... تتقلب على جمر الاحتمالات ... تغالبها اشواقها المكبوتة .... لعرسها المرتقب وتوقظها كوابيس الظنون متى سيتم العديل والزين وتفتح لها الافراح ابوبها العصية، والشباب على قطار الزمن لا يعرف التوقف، الا فى محطات الترقب ،ولا يقبل الا الانطلاق لاختصار المسافات النضرة الثمينة ، والابتعاد عن نقطة البداية ..حيث الشباب المترع المترف بالثمرات اليانعات فالعمرلا يطيق الانتظار... والصبر يمضى خصما من عطاء الانوثة ودلالها ، وروعة غنجها وحلو صباها ونشوة احلامها ....وهى تتخطى الثلاثين ولم تنكث عهد حبها لابراهيم ، رغم ما يعتلج فى صدرها من وساوس والم ، متى يستطيع حبيبها لم الشمل فى بيت بسيط ،غنى بالتفاؤل ثرى بالمحبة ...واسع بالفرح والابتهاج... متى...متى يافاطمة متى..وتجاوبها عيونها الواسعة التى تضيق بها الدموع..... ( ونتابع القصة)