قناة فرانس (24) كانت موفقة جدا عندما أعلنت خبر وفاة هوجو شافيز قائلة (شافيز يخسر معركته الأخيرة مع السرطان)، فالرجل حياته كانت كلها معارك حتى معركته مع السرطان اعتبرها معركة سياسية لأن السياسة حياته كلها. كيف لا وهو محاط بالنفوذ الأمريكي من كل جوانب بلاده فأمريكا الجنوبية بالنسبة لواشنطن حديقة خلفية تفعل بها ما تشاء ومتى تشاء وكيف تشاء، فإن استطاع كاسترو في يوم ما الإفلات من سور تلك الحديقة الحديدي وبمساعدة سوفيتية مقدرة (معركة خليج الخنازير 1962) مع سماحة محسوبة من جون كنيدي، فيجب أن لا تنجب أمريكا اللاتينية كاسترو آخر. استطاع السياسي المثقف اليساري سلفادور اليندي وعن طريق انتخابات ليبرالية كاملة الدسم أن يفوز في انتخابات شيلي في منتصف عقد السبيعنات من القرن الماضي وقبل أن يبدأ في تنفيذ سياسته الاشتراكية جن جنون أمريكا فما كان منها إلا أن فرتقت التجربة اللبيرالية ودعمت الجنرال بيونشيه فكان دكتاتورا حقق أرقاما قياسية في الطغيان ولم يكتف بقهر شعبه بل كان مساندا لكل حكومات القهر والطغيان في أمريكا الجنوبية فأصبحت شيلي على عهده رأس حربة للإمبريالية الامريكية. العقيد هو جو شافيز ظهر بفكر اشتراكي مكتمل الأركان وكان خطه بسيطا وواضحا وهو أن الدولة في فنزويلا يجب أن تقدم أساسيات الحياة من مأكل ومشرب وتعليم وصحة ومأوى مجانا لأنها قادرة بحكم أنها دولة بترولية، فمن غير المعقول أن تكون الشركات الأمريكية محتكرة للبترول والسوق والشعب يموت من الجوع والفقر والمرض، وبكارزيميته استطاع أن يحشد جماهيرالشعب خلفه وفي انتخابات ليبرالية لا فيها شق ولا طق استطاع أن يصبح رئيسا لفنزويلا وينفذ برنامجه ويكمل دورته ثم دورة ثانية، ثم يعدل الدستور في استفتاء أنظف من صحن الصيني ليعطي نفسه ولاية ثالثة فلم يخزله شعبه، ولكن ليته لم يفعل فقد كان يمكن أن يسند الأمر لخليفة له ويظل هو حكيما ومرجعا لبرنامجه، وهكذا دوما غلطة الشاطر بألف. سياسته الخارجية هي الأخرى كانت قائمة على مبدأ واحد وهو (انظر أين تقف أمريكا واتخذ الموقف المضاد لها) رحم الله صلاح أحمد إبراهيم الذي قال ذات العبارة لسياسي سوداني (مافي داعي لذكر الاسم)، وتنفيذا لسياسته تلك جاب شافيز كل الدنيا بحثا عن الذين "تكجنهم" أمريكا، فكان صديقا للقذافي والأسد ونجاد، رغم أنه يختلف معهم اختلافا كاملا في سياسته الداخلية، فهو رئيس منتخب في انتخابات ليست مرجوجة او مخجوجة ولم يكن حزبه هو الحزب الوحيد أو الحزب الغالب، إنما ليبرالية تعددية على قفا من يشيل. سعى لجعل الأوبك صاحبة القرار في سوق النفط العالمي فزار السعودية وقطر والكويت والإمارات. أصبحت فنزويلا في عهده دولة لها مكانة في الخريطة الدولية فالنجاح الخارجي ما هو إلا امتداد للنجاح الداخلي وأي سياسة خارجية موفقة محتاجة لشعب يقف خلفها وهذا أمر بديهي. برحيله تكون صفحة من صفحات الحكام أصحاب الكاريزيما قد انتهت، ومهما قلنا إن الأفراد دورهم محدود في صناعة التاريخ وإن الظروف الموضوعية هي التي تتحكم في صيرورة التاريخ، إلا أن دور الفرد لا يمكن تجاهله. الفرد الذي يقرأ الواقع جيدا ثم يهضمه ويعيد إنتاجه ويجعل الناس يلتفون حوله ويتبعونه بحب فيكون التغيير. إن شافيز اختصر لفنزويلا نصف قرن من الزمان على أقل تقدير، لذلك يكون مكان تقدير من كل الشعوب المحبة للسلام والعدل والمساواة. السوداني