بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم أحمد عمر و زمرته،،حيطة "تتمطى" و تفلّع في قفى الزول البناها!
نشر في سودانيات يوم 14 - 11 - 2013

في العام 1992 حينما كان الطالب حينها خالد حسن يلملم في حاجياته في داخلية كلية الطب جامعة وارسو ميمماً شطر الوطن، أصابتنا نحن زملائه و السناير عليه حينها ( كنا في السنة الثالثة بينما كان هو في السنة الأولى) هاء السكت فسكتنا على حد تعبير الراوئي بشرى الفاضل، السبب أن وزارة التربية و التعليم و العلاقات الثقافية قررت حينها إن الطلاب في السنين الأوائل في أوروبا الشرقية يجب أن يعودوا لإستكمال دراستهم في السودان، و وسيلة الضغط هي إيقاف تحويلات الطلاب للنفقات الدراسية و تكاليف الدراسة بالدولار عبر العلاقات الثقافية، و كانت تكلفة دراسة الطب في بولندا حينها 5000 دولار سنويا تتضمن السكن و الإعاشة لطلاب القبول الخاص، مع زميلنا خالد طالت القرارات حوالي 10- 15 طالبا أذكر منهم الأخ الياس طالب كلية الهندسة و الأخ إسماعيل آدم طالب الطب، المسألة كانت أكبر من قدرتنا على الإستيعاب حينها و كانت ضربة في مقتل لإتحاد الطلاب في بولندا حينها حيث كان عددنا حوالي 124 طالبا و كان عدد الطلاب المرجّعين قسرياً يمثل أكثر من 10 % من عضوية الإتحاد.
قرارات الإرجاع شملت أعداداً ضخمة من الطلاب خاصة من رومانيا و روسيا حيث كان عدد الطلاب السودانيين هناك بالآلاف، و قد كانت إرهاصات القرارات الوزارية تصلنا في شكل إشاعات و أخبار متفرقة حيث علمنا أنه هناك طائرات مستأجرة لإعادة الطلاب من روسيا مثلا، و لم نتحقق من ذلك بطريقة رسمية حيث لم تكن للسودان سفارة في جمهورية بولندا و ذلك من حسن حظنا فأينما كانت هناك سفارة سودانية كانت هناك تعقيدات و إشكالات للطلاب حسب ما كنا نعرفه من زملائنا في الدول التي كانت بها سفارات، وتحولت السفارات في عهد الإنقاذ إلى ثكنات أمنية همها التضييق و إختراق و إبتزاز الطلاب. و كانت القرارات الوزارية تضمن نظرياً لهؤلاء مواصلة الدراسة في نفس الكليات التي يدرسونها و لكن في جامعات سودانية مختلفة، و قد علمنا لاحقاً من زميلنا خالد الذي عاد أدراجه بعد تجربة مؤلمة لمدة سنة إلى بولندا لمواصلة دراسته عبر نفقته الخاصة و بمساعدة أسرته، عن ضعف الإمكانيات الفظيع الذي واجهه في السنة التي درس فيها في جامعة أمدرمان الإسلامية و كيف إن الجامعة و غيرها من الجامعات التي أفتتحت حديثا آنذاك لم تكن مزودة بالمعامل و لا القاعات الدراسية الكافية لإستيعاب العدد الكبير من الطلاب السودانيين الذين أتوا من عدة بلدان و كان عددهم بالمئات.
قبل عدة أعوام قرأت كتابا أصدرته رابطة الأكاديميين السودانيين و كان عبارة عن دراسات قدمت في " مدوالات مؤتمر واقع و مستقبل التعليم العالي في السودان" و الذي عقد في الفترة بين 1- 5 أغسطس 1998، و قد قام بتحرير الكتاب د. محمد الأمين التوم، و الكتاب موسوعة حقيقية و قراءة إلزامية لكل من يرغب في فهم السياسات التعليمية و حجم الدمار الذي لحق بالتعليم العالي في السودان منذ استيلاء الجبهة الإسلامية على الحكم في 30 يونيو 1989، طبع الكتاب في ورق من القطاع المتوسط و به 476 صفحة من الدراسات باللغة العربية، و به 164 صفحة من الدراسات باللغة الانجليزية، و كتب فيها جهابذة من الأساتذة الجامعيين منهم على سبيل المثال لا الحصر، عادل مصطفى أحمد حول التعريب و إسلامية المعرفة، و مهدي محمد عقيد جبرائيل حول النصوص و الأحكام المتعلقة بالتعليم العالي، و إنشراح محمد أحمد حول سياسات التعليم و انعكاساتها على الجندر.
إلا أن الجزء الأخطر في الكتاب من وجهة نظري و الذي أرغب في تناوله في هذا المقال هو الدراسة التي قدمها الأستاذ على عبد الله عباس بعنوان المرتكزات السياسية و الأيديولوجية لتوجهات و سياسات الجبهة الإسلامية القومية في مجال التعليم العالي، و تقع الدراسة بين ص 71 و 139 من الكتاب، يقدم الأستاذ علي إضاءات عميقة حول علاقة حركات الإسلام السياسي بالتعليم في العالم العربي، حيث دلل على إهتمام الحركات الإسلامية بالتعليم بإشتراط الحركات الإسلامية في الأردن إبان مشاركتها في حكومة 1991 الائتلافية بضرورة منحها وزارة التربية و التعليم، و لا يفوتني هنا أن أذكر أن التجمع الوطني الديمقراطي كان غاضباً من منحه منصب وزارة التعليم العالي معتبرا إياها إستخفافا به إبان المصالحة مع حكومة الجبهة الإسلامية و قد إستلم حينها الفريق عبد الرحمن سعيد على مضض من التجمع ذلك المنصب، و الجدير بالذكر إن أية وزارة منحت لأي جهة غير المؤتمر الوطني كان وزير الدولة من الإسلاميين أكبر قوة و نفوذاً من الوزير و لكن المثل المضروب هنا يبين استراتيجية نظرة الحركات الاسلامية لمسألة التعليم و إستهزاء الآخرين به و عدم وعيهم لأهميته كالتجمع الوطني الديمقراطي حينها.
يسبر الكاتب غور إهتمام الإسلاميين بالتعليم مذكراً إن حسن البنا، آية الله الخميني و حسن الترابي و راشد الغنوشي من تونس و الشيخ عباسي مدني من الجزائر عملوا جميعا في حقل التعليم، حيث أدركوا بالتجربة المباشرة مدى أهمية مؤسسات التعليم النظامي بوصفها نائبة عن المجتمع في تربية الفرد و تعليمه، و قد إنتبه الشيخ حسن البنا لأهمية التربية و التعليم في تشكيل الوعي لدي الجيل الناشئ فابتدع أخطر وسائل الحركات الإسلامية في إعادة تشكيل الفرد ألا و هي بناء الحركات بترتيب هرمي تكون أصغر وحدة فيه هي الأسرة و أفرادها هم الإخوان الذين يشكلون للعضو الجديد منظومة بديلة لأسرته الحقيقية و بذلك تكون الأسرة الإخوانية هي المنظومة التي يدين إليها بالولاء و تكتسب هذه الصيغة أهمية كبيرة إذا ما نظرنا إليها في حالة الطلاب الذين يقيمون في الأقسام الداخلية في المؤسسات التعليمية المختلفة، و أبعادا ضخمة في الولاء إذا ما أخذنا نظرية تكفير المجتمع التي تأسس عليها فكر الجماعة، فتكون أسرة الجماعة هي الحضن الآمن للفرد في مجتمع كافر.
من الأسباب الأخرى التي أوردها الكاتب لإهتمام هذه الجماعات بالتعليم هي طبيعة المجتمعات التي نشأت فيها فالولاءات فيها إما طائفية أو قبلية و ذلك يجعل من الصعب الوصول إلى الفرد و تجنيده للجماعة في محيطه الإجتماعي، لذا أصبحت المؤسسات التعليمية هي الساحات التي تجند فيها هذه الحركات عضويتها، أيضا الطبيعة النخبوية الصفوية لحركات الإسلام السياسي جعلتهم أيضا يولون أقصى الإهتمام للطلاب الجامعيين نسبة لأنهم سيكونون قادة المجتمع في المستقبل خاصة في السودان، و قد عبر الترابي عن ذلك بجلاء في كتابه الحركة الإسلامية حيث قال " ثم إن القطاع الصفوي الحديث كان يعد إعدادا لقيادة المجتمع في وجهة حياته و حركته السياسية و الوطنية، و كان دور عامة الشعب في تحديد مصائره محدودا، فحيث كانت القيادات الإدارية و الحضارية و الوطنية زين للجماعة أن تركز دعوتها و تعول لمستقبلها مستغنية عن حشد الجماهير العاطلة عن التأثير" و لعل هذه النظرة المتعالية تجاه الشعب هي التي صبغت تنظيمه و أبناءه أمثال نافع و علي عثمان في الغطرسة تجاه الشعب السوداني. و لكن تركيز الأسلاميين السودانيين على الطلاب فاق كل الحركات الإسلامية الأخرى لأن الطبيعة الطائفية القابضة في السودان جعلت دور العلم هي المكان الأفضل لتجنيد العضوية لها، بينما نجح حسن البنا في تكوين حزب جماهيري معتمداً على كاريزميته القيادية في بلد كمصر هذا بالطبع بجانب النشاط المحموم للتجنيد في المؤسسات التعليمية.
يمضي الكاتب في تحليل الإستراتيجية التي تبناها الإخوان في أسلمة المجتمع على طريقتهم من القمة بعد التحالف مع نظام مايو بعد ان فشلوا في إزاحته بالقوة في حركة 1976، فآثروا التحالف معه لتمرير أجندتهم و كان جزءاً من التحالف ضمان حياد الجامعات التي كانت تحركاتها الطلابية تؤرق النظام كما أكد د. منصور خالد، فاطلق النميري يد الجبهة الاسلامية القومية في الجامعات لاخضاعها، و مارست كوادرها أبشع أنواع الإبتزاز و كان لهم نجاحاً كبيراً في السيطرة على جامعة أمدرمان الإسلامية ر غم معارضة الإسلاميين المستقلين لهذا الإتجاه، إلا أن الجبهة الإسلامية كانت أكثر تنظيماً فتمكنت من فرض هيبتها بالمساعدات المالية السخية آنذاك من المملكة العربية السعودية، أما جامعة الخرطوم فقد كانت قلعة حصينة للإستنارةو العمل الاكاديمي المنضبط، حتى نجحوا في أكبر إختراق لها حيث أقنعوا إدارة الجامعة بالحاجة لانشاء قسم للدراسات الإسلامية في كلية الآداب بعد أن تكفلت المملكة العربية السعودية بتمويله و المسجد التابع له، و وضعوا على رأسه أحد غلاة الإسلاميين و هو د. إبراهيم أحمد عمر الذي لم يكن من المتخصصين في الدراسات الأسلامية إذ إن تخصصه في فلسفة العلوم و لكن تعيينه كان مسألة سياسية و مضى المذكور يسابق الزمن في تفعيل حصان طروادته مسانداً بنظام مايو و منظومته الإخوانية فتم في وقت وجيز خلافاً لما هو معروف في جامعة الخرطوم تعيين عدد كبير من مساعدي التدريس في القسم و إبتعاث الكثير منهم إلى المملكة المتحدة لدراسة مختلف ضروب المعرفة التي تقع في تخصص كليات أخرى مثل قسما العلوم السياسية و الإقتصاد في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم، فقرر قسم الدراسات الإسلامية دون مشاورة الجامعة تدريس الإقتصاد الإسلامي و العلوم السياسية دون إذن من الجامعة و في تغول واضح على كلياتها الأخرى معتمدا على الدعم المالي الكبير من قبل السلطة. أي ببساطة بدايات أسلمة المعرفة وفقاً لنموذج الإسلام السياسي.
يتطرق الكاتب أيضا و بتوسع كبير عن دور الجبهة الإسلامية القومية في السيطرة على المركز الإسلامي الإفريقي - الذي كان ممولاً بسخاء من قبل دول الخليج لدعم النشاط الدعوي في إفريقيا - و توجيهه لخدمة مصالحها الإستراتيجية في إختراق القوات النظامية، فبعد أن تسنم قيادته أحد الإكاديميين الإسلاميين، قام المركز الذي أصبح جامعة إفريقيا العالمية لاحقاً، بعمل دبلوم للدعوة و الدراسات الإسلامية مستهدفا ضباط القوات المسلحة حيث إستقبل أول دفعة في العام 1982 مكونة من ثلاثين ضابطا، و إستمر الدبلوم عاما كاملا تم تفريغ هؤلاء الضباط فيه تفريغا تاماً و تُوِجَ التخريج بإبتعاث الضباط (الطلاب) إلى العمرة و برفقتهم خمسة من العاملين بالمركز، كان المنهج الذي درسوه يضم مقررين أساسيين يدلان على الطبيعة الأيديولوجية لهذا الدبلوم و هما " الدين و السياسة"، و " الدين و الدولة" و كان يقوم بتدريس هذين المقررين إثنان من أكاديميي الجبهة الإسلامية العاملين بالمركز. و بعد التخرج طلب من الضباط الانخراط في النشاط الدعوي في الوحدات العسكرية خلال شهر رمضان و كان كل 5 من الخريجين ومعهم إثنان أو ثلاثة من العاملين بالمركز يقومون بتقديم توعية دينية للضباط و الجنود بعد صلاة التروايح بينما يقوم عاملوا المركز بتقييم أداء الضباط و قد غطت هذه النشاطات كل الوحدات في السودان باستثناء الجنوب. و نجح الإخوان من خلالها في تجنيد ضباط من القوات المسلحة أصبحوا فيما بعد قوتها الضاربة في انقلاب 30 يونيو 1989 سيء الذكر.
كُلِلَ هذا العمل الدؤوب بنجاح كبير حيث تولت الجبهة الإسلامية السلطة بشكل كامل عبر انقلابها العسكري المذكور آنفا، و بدأت في التوسع اللا محدود في مشروعها في الإجهاز على التعليم، وتحويله إلى آلة لتفريخ الكودار و المتطرفين من كل نوع، و أوكلت هذه المسئولية مرة أخرى لأحد غلاة المتشددين و الذي أنجح حصان طروادة إختراق جامعة الخرطوم الآنف الذكر ألا و هو د. إبراهيم أحمد عمر و الذي تولى منصب الامين العام للمجلس القومي للتعليم العالي و بعد ذلك منصب وزير التعليم العالي و عاث في هذه المناصب فسادا ممنهجاً حقق نتائج و سياسة حزبه لكنها كانت في الوقت نفسه وبالاً على التعليم في السودان.
بعد تولي المذكور المناصب أعلاها تم وضع سياسات الجبهة الإسلامية موقع التنفيذ، مثل انشاء العديد من الجامعات الحكومية دون تمويل كافي، و السماح للقطاع الخاص في الإستثمار في مجال التعليم العالي دون تحديد الأسس و الضوابط، و لعل أخطر سياستين، هما إستبدال قوانين الجامعات بقوانين جديدة تتيح للنظام ممثلا في وزير التعليم العالي فرض هيمنته على الجامعات و المعاهد العليا، و الأخطر منه هو إنشاء صندوق دعم الطلاب بعد أن تم إيقاف السكن و الإعاشة عبر الجامعات، و أصبح الصندوق الذي تضعافت ميزانيته في فترة وجيزة حتى صارت أكبر من ميزانية وزارة التربية و التعليم و الصحة مجتمعتين عبارة عن آلية الجبهة الإسلامية في الترغيب و الترهيب للطلاب بمزايا السكن و الأعاشة، و الجدير بالذكر إن هذا الصندوق ظل إلى وقت قريب بعيداً عن صلاحيات المراجع العام للدولة مع أن ميزانيته تجاوزت عدة وزارات مجتمعة.
يمضي الكاتب في تقديم بعض الإحصائيات المخيفة عن سياسات التوسع في التعليم العالي، حيث زاد عدد الطلاب في الجامعات الحكومية من 10 ألف طالب في العام 1990-1991 إلى 122 ألف طالب في العام الدراسي 1994-1995 و حدث هذا التوسع في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الفاقد من أعضاء هيئة التدريس في ثلاثة جامعات قديمة نتيجة الفصل التعسفي أو الهجرة 55% من مجموع الأساتذة في هذه الجامعات و تفصيل النقص كالآتي: 41,9% من أساتذة جامعة الخرطوم 52,1% في جامعة السودان، 72% في جامعة جوبا. أيضا صاحبت هذه الزيادات في أعداد الطلاب انخفاضا مريعا في الميزانية القومية للتعليم حيث انخفضت من 19,2% في عام 1986-1987 إلى 3,9% في العام 1990-1991 من الميزانية العامة. و الجدير بالذكر أن الوزير الانقاذي للتعليم د. عبد الوهاب عبد الرحيم قدم صورة قاتمة للتعليم حيث قال إن الميزانية المجازة للتعليم في العام 1996 بلغت 40,8 مليار جنيه تمثل 24% فقط من إحتياجات الجامعات.
هذا جزء يسير مما ذكر في دراسة الأستاذ علي عبد الله عباس يوضح أن سياسات الجبهة الإسلامية في التعليم كانت في الأساس موجهة نحو تحطيم البيئة التعليمية و إضعاف الجامعات و تحويلها إلى ماكينات انتاج كوادر إخوانية لرفد الدولة بالمهوسيين و أنصاف المتعلمين، أيضا في انتهاج سياسة تعريب غير مدروسة كانت وخيمة العواقب، و أيضا في إستهداف أساتذة الجامعات و دفعهم إلى الهجرة حيث ذكر الكاتب أنه و في فترة النقص الحاد الذي نتج عن تهجير الأساتذة إستقدمت الحكومة أساتذة جامعيين سوريين للمضي قدما في سياسة التعريب و تم منح هؤلاء مرتبات حوالي 1000 دولار شهريا بينما كانت رواتب رصفائهم من السودانيين لا تصل إلى 100 دولار شهريا.
المؤسف أن الذي أشرف على وضع هذه السياسات الفظيعة و التي تضمنت إلغاء مجانية التعليم هم أفراد تمتعوا بكل ميزات التعليم المجاني و درسوا على حساب دافع الضرائب السوداني من مزارعين و عمال و مغتربين حتى تحصلوا على درجات الدكتوراة و الأستاذية مثل إبراهيم أحمد عمر و زمرته، و كان رد جميلهم للشعب الذي أتاح لهم داخليات جامعة الخرطوم مجانا بوجباتها الثلاث، أن حرموا أبنائه من هذه الحقوق و ركلوا السلم الذي إعتلوا به مناصبهم الحالية حتى لا يتاح لغيرهم الصعود. لكن حتى سياساتهم الخرقاء التي أريد بها خلق جيش من الموالين لهم، خلقت أضعاف هذا الجيش من المعارضين من الطلاب و الخريجين العاطلين عن العمل و الذين كانوا نواة ثورة سبتمبر الأخيرة، و لكن ستبقى آثار سياسة الترابي و إبراهيم احمد عمر و زمرتهما في تدهور نوعية التعليم لسنوات عديدة قادمة مذكرة هذا الشعب بفداحة الجرائم التي أرتكبت بحقه خلال هذه الحقبة المظلمة من تاريخه و هنا يحضرني قول الشاعر صلاح أحمد إبراهيم،
حتبقى فينا سنين آثار فعلتك شوف البسامحك مين.
أمجد إبراهيم سلمان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.