المدينة عندنا لا تعترف بحدود الريف معها والضهاري..وهذا يبهجني جزيلا..فالمزارع تباشر وجودها في حواف أطراف المدينة و"غابة السلك" وبالتمام عند ملتقى قبلة الريف الضكر مع المدينة العروس..القبلة التي تنشبك في أيار مايو مع الرشاش ولا تنفك إلا في تشرين الأول أكتوبر..مفرخة حمل الشهور الممطرة والدرت..محاصيل..عصافير..فراشات..وأماني العاشقين..فأخرج بعد غربتي منفردا لأرى جمال الطبيعة الضائع ..فيباغتني فورا "اب دقيق" يطارد "أم دقيق" وهي الفراشات طبعا..كنت أخمن نية الأول..وحماس التانية..وما بينهما من لغة تفضحهما..بنوع الرقصات الفالس..فمرة ينحدران إلى العشب الواطئ جدا..ثم يقلعان ثانية إلى الرحاب الأعلى..فتسمح له بالوصول إليها ولمسها برقة ثم تنحرف يمينا أو يسارا فيما يشبه حركة لاعب وسط من فريق برشلونة الكاتلوني..ولا يباليان بوجودي كعملاق حُشري في تلك العصاري.. ثم تلى ذلك غزو منهمر من سيل الفراشات المهاجرة..ترفرف في لونها الحليبي..بأجنحةٍ من نعومة..وما كدت أغادر دهشتي حتى توحشت عصفورة..وكانت تطارد جرادة شابة هذه المرة..فيهبطان معا..ويقلعان معا..كلاهما يطلب حب الحياة..ولكن هنا تقدير الجائع وهناك تقدير الخائف..وما بينهما الصدفة والحظ..وأنا أتابع وحشية العصفور ووداعة الجرادة الغزال..وعندما استطاعت الجرادة أن تناور بطريقة بارعة وتهبط اضطراريا ثم تقلع فورا ثم تنجو بهبوطها في كومة من قش..فرحت..وواصلت طريقي للقاء شلوبة وصحبه الشلوبات على حد وصف صديقتي..الذين تكدسوا في بيت ست النفل..وأرسلوا لاستقبالي.. في بيت ست النفل..صمت أنا ليحكي شلوبة حكاياته التي كان "يصرّها" لي في طرف توبه كما "تصّر" الحبوبات البلحات والفولايات والحلاوات ماركة "دائما على بالي" لعيال البنين والبنات..والتي أكتبها بلسانه وعلى مسئولية القارئ في تفسيره ما يقرأ.. الغابة شاهدت الحدث..واحتفظت بالسر..وبحيرة العصافير التي كانت مياهها ساكنة لم تكن تعرف حجم الفاجعة..الرحلة الصباحية في يوم الجمعة الثامن من أغسطس إلى تلك البحيرة..كانت رحلة الزوجة الأخيرة..معظم الناس توجسوا من السحابات الشاردة..فاقنعوا أطفالهم بعدم المطالبة بالرحلة إلى هناك "وأكل الاقاشي".................................... ثم جاني كلام وتوقفت هنا..وانشغلت بنفسي "حكاً حكا"!!! ديباجة الحديس: ليس الجمال وحده "كتاّل" فالحرف اصدق أنباءً كالسيف..حرفك..ثم علينا أن لا نعتقل الحب خوفا..بمبررات..فالحب يتدفق لآخر قطرة من "نَفس"..