في الفترة الأخيرة صاحب كثير من الأنشطة العامة تركيز على (الإعلان) في حد ذاته دون التركيز على المشروع أو الفكرة، ليس ذلك فحسب بل تجد في كثير من الأحايين (عجلة) نحو الإعلان، كما لو أنه غاية وليس وسيلة. وتذخر الذاكرة العامة بمجموعة من الحملات والمبادرات السياسية والإجتماعية التي تحمل بين طياتها بوادر ل (تغيير الآخر)، غير أنها تحمل في ذات الوقت بوادر (هلاكها الذاتي)، حتى اصبح السعي نحو الإعلان في حد ذاته هدفاً يتسم به كثير من رواد العمل الجماهيري، فكثير ما يُعلن عن أشياء ما تزال بعد في طور النضج، دون أن يتكلف القائمين عليها مهام مراجعتها لغوياً، ناهيك عن الجوانب النظرية والعملية، وما (الفجر الجديد) ببعيد عن الأذهان. صاحب مؤخراً ما سمي ب (إعلان حكومة الظل) الكثير من أوجه النقد الحاد من جهة، والتأييد الموغل من جهة أخرى بإختلاف طرق التعبير، مما يعكس التعامل الشائع مع كمية المبادارات التي إنتظمت في الآونة الأخيرة ، ليس لعدم قيمتها أو مدى أثرها في دفع الحراك السياسي خطوة نحو الأمام، بل لأنه وبكل أسف تكرر كل مبادرة جديدة نفس أخطاء السابقة. ويمكن تلخيص ملاحظاتنا حول ما صاحب (مبادرة الظل) في الآتي: الفكرة بين المثالي و الممكن: في الأوضاع الديمقراطية من الطبيعي أن تتجه (الحكومة المنتخبة) او المعارضة التي خاضت الإنتخابات لشكيل (حكومة ظل)، بهدف مراقبة الأداء الحكومي، وفي هذه الحالة تكون الحكومة الحقيقية، و (حكومة الظل) قد إستمدتا شرعيتهما من الناخب. بما يختلف تماماً مع الحالة السودانية حيث الديكتاتورية وحكومة الحزب والرئيس الواحد؛ و لما لم يكن ذلك ممكناً، وعلى الرغم من أن الفكرة ما زالت مجدية فما الذي يمنع القائمين عليها من توسيع دائرة المشاركة؟ والذي لا يعني المفهوم المُستهلك في إحضار ممثلين من فئات سياسية وإجتماعية مختلفة ليُشكلوا معاً الحكومة فقط، ولكن ايضاً بإشراك الجمهور في الفلسفة والمعايير والأسس التي يُفترض أن تقوم عليها الفكرة من قبل وليس من بعد. فلسفة ومعايير التعيين/ الإختيار : من الأوجب تقديم مبررات لبعض الأشياء مثل مدى أهمية (وزارات) دون غيرها، ولماذا التركيز على مناطق جغرافية بعينها مع إهمال، أو تجاهل، أو إرجاء (الولايات) أو الأقاليم الأخرى، ومعايير التوزير (الفوقي)، وإمكانية التواصل مع (شريحة معينة من الناس) خلال الإنترنت، أو بالعمل اليومي التحتي المباشر عبر طرق أفضل ! وفي ظل أزمات البلاد، هل ستُختار (الوزارات) وفقاً لمتطلبات ومعايير النظام الحالي مثل مسؤوليات ووزارات (الكهرباء السدود)، (الإرشاد والأوقاف)، (الآثار والسياحة والحياة البرية)، (مجلس الوزراء)، (السلطة الإنتقالية)، (مساعدو الرئيس الستة ومستشاريه الثمانية)...الخ؟ أم ستُحلل مشاكل البلاد أولاً، ثم يأتي (التوزير) بناءاً على ذلك، وما إستحداث (وزارة للسلام) الا خطوة في الإتجاه الصحيح، إلا أن إهمال أو إرجاء وزارات مثل (الزراعة)، (الثقافة)، (العدل)، أو حتى (الخارجية) يدفع بالكثير من الشكوك ليس فقط في مستقبل إستمرار (حكومة الظل) بشكلها الذي اُفترضت به، ولكن ايضاً يثير الشكوك حول نُضج التحليل السياسي والإقتصادي الذي نتجت عنه التركيز على تلك (الوزارات). و الناظر في معايير إختيار الوزراء -بالنظرة الموضوعية دون غيرها- يجد أن الأختيار أهمل معايير أخرى كالجغرافية والطبقية والإثنية، بل وقع في ذات أخطاء الحكومات المتعاقبة،! ولعل أفضلها تخصيص وزارة (الرعاية الإجتماعية) للنساء! مهام ما بعد المؤتمر الصحفي: في ظل كل هذا الغموض وعدم نُضج الفكره، و(غَبَاشها) لدى العديد من الناس (حتى للمنتظمين في متابعة الشأن السياسي) كان من المتوقع من (حُكومة الظل) أن تقدم إجابات لتلك الأسئله البديهيه.. وتوضيح الخطوات القادمة بشكل أفضل...والأخذ بعين الإعتبار ما أثير من إنتقادات بدلاً عن حالة التجاهل السائدة والتي لا تُجدي شيئاً، مع الخوض بموضوعية في مدى صحة، وخطأ، الفكرة/ الطريقة. على اي حال، بين من يراها (حَرَكة، وفي الحَرَكة بَرَكَه)، بإعتبارها مساهمة في مشروع التغيير، وبين من ينظر اليها ك (وَهْمه ساي) لكونها خارجة عن أولويات المرحلة، يظل ما يُكتب عنها جدير بالمتابعة، وما عرْضُنا هذا إلا محاولة للمساهمة في النظر لهذه التجربة الوليدة لعل ذلك يساعد في تلافي بعض أخطاءها او يدفع بمبادرات تليها. [email protected]