الخرطوم - عماد حسن: أعفى الرئيس السوداني عمر البشير، أمس الاثنين، جميع مستشاريه التسعة، الذين يمثلون حزب “المؤتمر الوطني" الحاكم وأحزاب الحكومة العريضة، وذلك فى إطار حزمة الإجراءات والتدابير الاقتصادية، فيما تولى بنفسه مهمة توضيح ما يجري في بلاده، بعد تسعة أيام من الاحتجاجات والتظاهرات على قراراته “التقشفية" . ومع استخدام البشير عبارات حاسمة موحية إلى جهات الاختصاص لإعادة الأمور إلى نصابها، إلا أن تداعيات الأحداث لا تزال متسارعة رغم الهدوء النسبي الذي طغى على اليوم العاشر للتظاهرات . وألمحت مصادر معارضة إلى أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، وأشارت إلى أن القيادات رأت تخطي عفوية التظاهرات وعشوائيتها في بعض الأحيان، إلى تنظيمها، مؤكدة أن النصف الأخير من الاسبوع الجاري لن يكون كسابقه . ويتوقع مراقبون إما تسارعاً لوتيرة الاحتجاجات وتطورها إلى ما يشبه “الربيع العربي"، وإما تراجعها وتراخي الحماس وانصراف الناس إلى مشاغلهم والطلاب إلى دراستهم، بعد القبضة الأمنية العنيفة التي واجهتهم، بيد أن كثيرين يؤكدون أن المشاهد الأولى ل “ربيع السودان" أطلت برأسها محققة هزيمة لكل الرهانات على أن البلاد بمنأى عما يدور في محيطيها العربي والإقليمي . ويرى مراقبون، في تقليل الرئيس عمر البشير من الاحتجاجات التي شهدتها مدن متفرقة في العاصمة والولايات غضباً على الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، “ممارسة سياسية"، أو “عدم إحاطة" بما يدور في الشارع، على الرغم من أن البشير أكد أنه طاف بنفسه على سيارة مكشوفة على شوارع الخرطوم وتابع ما يدور، وخلص إلى أن الشعب لم يستجب لمن أسماهم “شذاذ الأفاق وفقاقيع ستزول" . فيما رجحت مصادر “ممارسة السياسة" مستندة إلى أن البشير كان يتحدث أمام طلاب “مجاهدين" ينتمون للحزب الحاكم، بلغة بعيدة عن الدبلوماسية، ومقصودة في توقيتها، وهو يؤكد في وقت متأخر من ليلة الأحد الاثنين، أن التخريب والتدمير تصرفات لا تشبه السودانيين مؤكدا أن الشارع لم يتجاوب مع المحتجين وقال “ديل شوية محرشين، والمحرش “المحرّض" لا يقاتل والذين يحرقون إطارات السيارات تعاملنا معهم بالمؤسسات" . ووجه بفتح معسكرات التدريب وعدم الاستكانة “لأن التآمر على البلاد لا يزال مستمراً" . ويأتي حديث الرئيس البشير، بعد تسعة أيام من قراراته، رافضاً للاحتجاجات المناهضة ومستبعداً ربيعاً عربياً، وهو يقول “إنهم يقولون إن الاجراءات الاقتصادية فرصة للربيع العربي ولكن السودان شهد بالفعل الربيع العربي عدة مرات" . وأكد وزير المالية علي محمود أن الحكومة لن تعود عن قرارها إلغاء الدعم تدريجياً عن المحروقات . وقال في مؤتمر صحافي “لن نعود عن قرارنا إلغاء الدعم مهما حصل" . وأضاف “إذا ارتفع سعر النفط في الأسواق الدولية فإننا سنزيده في السودان" . وعلى رغم صدور مطبوعة عربية، بخط موحٍ (على خطى المخلوعين . . “البشير" للمتظاهرين: إنها مؤامرة)، إلا أن البشير كان قد أكد أن شعبه عندما يثور يخرج كله للشارع وليس بضعة محرضين يحرقون إطارات السيارة، لايتحركون بمحض إرادتهم بل بناء على تعليمات يتلقونها من حركات متمردة ومدعومة من جهات معادية للبلاد . ومع إقرار البشير بوجود أزمة اقتصادية، الا أنه قال “إن حكومته لا تملك ما تخشى عليه وأنها لا تخجل من تشخيص مشكلاتها، مبدياً قناعته بأن الملك لله تعالى يعطيه من يشاء وينزعه ممن يشاء . وأضاف “لا نخاف أن يقلعونا من الحكم، لا أمريكا ولا غيرها لأن الحكم من عند الله والسعيد من يموت ميتة مجيهة" . ويرى محللون أن حديث البشير يتسق مع كارزمته الشخصية، أكثر من حقيقة السياسات التي يطبقها طاقمه الحكومي . ولم يغفل البشير في غمرة الحديث الحماسي، عن الاشارة إلى محادثات أديس أبابا، التي طغت عليها أحداث الخرطوم، وهو يؤكد أن الوفد الحكومي المفاوض حول المسائل العالقة بعد استقلال الجنوب “لن يقدم أي تنازل للجنوب"، “مشيراً إلى أن التنازل في الماضي كان بدواعي الوحدة والسلام" . وبدت الخرطوم، أمس، غداة خطاب البشير، هادئة على غير عادتها خلال الأسبوع الماضي ومطلع الحالي، حيث شهدت تظاهرات وحرائق ومصادمات مع الشرطة ورصاصاً مطاطياً وحقيقاً، وهراوات وغازا مسيلا للدموع، إلا أن الأحداث لم تسجل إزهاق أرواح . ويشير مراقبون إلى ان ادعاءات مثل"ضبط السلطات لعناصر أجنبية من دول مجاورة شاركت في الاحتجاجات الأخيرة “لن تصمد طويلا، وتنفي نفسها"، خاصة عند اضافة المسؤولين لعبارة “أنه تم إطلاق سراح الذين ثبت عدم مشاركتهم في التخريب بالضمان الشخصي وتقديم المتورطين إلى المحاكم المختصة لتعديهم على ممتلكات الدولة والأفراد بالتخريب" .