امينة النقاش أنجز «الربيع العربي» تحولا نوعيا لم يعد بالإمكان التراجع عنه في دول المنطقة العربية، تمثل في إدراك الشعوب العربية انها اصبحت طرفا فاعلا في المعادلة السياسية، وانها لديها الإرادة الي تمنحها القوة علي المبادرة والحركة لإحداث التغير، وانها لم تعد خائفة من النتائج التي تترتب علي حركتها التي اسفرت عن إسقاط الهيبة عن الانظمة السلطوية، ومساءلة أخطاء رموزها قضائيا، كما خلقت وجدانا عربيا مشتركا اصبحت الكلمة فيه بحكم ثورة الاتصالات، قادرة علي العبور من بلد الي آخر بسهولة، مما جعل من العصي علي اي سلطة سياسية ان تنفرد بقمع شعوبها مهما فعلت، وهي تظن انها بعيدة عن الافتضاح والمساءلة، كما بعث هذا التحول بنهر من التطلعات التنموية الواسعة، التي تجعل كل ديمقراطية سياسية تنشأ دون ان يصحبها حرية اجتماعية خطرا جسيما علي دول المنطقة.. هذا ما قاله السيد «الصادق المهدي» زعيم حزب الامة السوداني في إفطار العمل الذي دعا اليه الدكتور «صديق عفيفي» رئيس حكومة الظل الوفدية وشارك فيه نخبة من ممثلي الاحزاب والقوي السياسية يوم الاثنين الماضي كجزء من سلسلة لقاءات تستهدف دعم العلاقات المصرية - السودانية والبحث عن حلول لمشاكل التي تعترضها. وفي هذا اللقاء قدم الصادق المهدي شرحا وافيا للاوضاع السياسية في السودان ومقترحات للخروج من الازمة الخطيرة الناجمة عنها تجنبا للاحتراب الاهلي، ورؤيته لحل الازمة الراهنة في قضية مياه النيل. في حديثه عن قضية المياه كشف «الصادق المهدي» انه كتب كتابه عن مياه النيل «الوعد والوعيد» بعد مقابلة له مع الرئيس السابق «حسني مبارك» عام 1997 تطرق الحديث فيها الي قضية المياه، فقال له مبارك: «إن مياه النيل هي حياة مصر، ومن يمد يده عليها سوف نقطعها»، مستنتجا ان السياسات في مصر والسودان فيما يتعلق بملف المياه فد اتسمت بالاستعلاء وصنعت الفوضي في حوض النيل ومنحت دول المنبع شعورا بأننا في دول المصب نعقد اتفاقات ثنائية ترعي مصالحنا دون النظر الي مصالحهم، وفيما يتعلق بسد النهضة الذي شرعت اثيوبيا في بنائه منذ ابريل عام 2011 والذي سوف يؤثر بالسلب علي حجم تدفق المياه في بحيرة السد العالي وحجم توليد الكهرباء منها، اكد الصادق المهدي أنه لا بديل عن اتفاقيات للتعاون والتكامل التنموي مع اثيوبيا لزيادة ايجابيات مشروع سد النهضة، واحتواء السلبيات الناجمة عنه، والعمل دون تحول دولة جنوب السودان من دولة صديقة الي دولة عدو، وسرعة الاتفاق علي إنجاز قناتي جونقلي الاولي والثانية بما يمكنه من توفير نحو عشرين مليار متر مكعب من المياه. من بين الاسرار التي كشفها السيد «الصادق المهدي» في حديثه انه التقي في عام 1998 بالمهندس «حسب الله الكفراوي» الذي كان قد تولي وزارة الاسكان علي امتداد نحو 16 عاما في الفترة من 1977 وحتي 1993وفي هذا اللقاء قال له «الكفراوي» ان الاستقطاب بين التيار العلماني والتيار الاسلامي في مصر قد بلغ اشده وانه يقترح عليه كمفكر إسلامي معتدل ان يأت الي مصر ويشكل حزبا اسلاميا يفصل بين هذين الاستقطابين، وفي هذا السياق حذر المهدي من الاستقطاب الحاد الجاري في دول الربيع العربي بين العلمانيين والاسلاميين، داعيا الي التوصل الي مشروع سياسي مشترك بينهما قبل ان يحدث الانفجار وتتوالي الازمات التي تحدث الان في السودان والتي تم فيه تدمير وطن بأكمله باسم تطبيق الشريعة، وبتجاهل تام للتعدد الثقافي والعرقي والديني الذي يميز التركيبة السودانية. كان اصرار نظام الانقاذ علي تطبيق الشريعة الاسلامية احد الاسباب المهمة الي ادت الي انفصال الجنوب واعلان دولته المستقلة في التاسع من يوليو 2011، وبعد الانفصال أعلن الرئيس السوداني عمر البشير انه لم يعد يوجد بعد الآن ما يسمي بالتعدد الثقافي، لان هذا كان مبررا فقط لتعطيل شرع الله، في تجاهل تام للصراعات المسلحة التي تمتد الآن من غرب السودان الي شرقه وجنوبه ووسطه، في هذا الاطار ذكر الصادق المهدي ان كل المناطق المهمشة في السودان تحمل السلاح الآن وكلها تهدف إلي إسقاط النظام، الذي بدد منذ عام 1999 نحو خمسين مليار دولار من عوائد النفط تسربت في الفساد المالي والاداري، وفي الانفاق الباهظ علي الامن، فضلا عن اهمال المشاريع الزراعية والتنموية مما ساعد علي زيادة الاحتجاجات الشعبية التي تطالب برحيل النظام. ويري المهدي ان الضغوط الدولية والداخلية المفروضة علي النظام السوداني تفرض عمليات التغيير الذي يمكن ان يأتي بسيناريو ثوري يسقط النظام بالقوة، او عبر انتفاضة شعبية، او بتسوية علي طريقة جنوب افريقيا، يصبح حزب المؤتمر الوطني الحاكم طرفا بها، لاسيما مع تصاعد الجهر بضرورات التغيير من بين قيادات في داخله، وهو السيناريو الذي يتحمس له حزب الامة، ويقدم من خلاله دعوة لمؤتمر قومي للسلام يتم الاتفاق فيه علي كل القضايا الوطنية ويفضي الي تكوين آلية انتقالية قومية تعد لانتخابات حرة ونزيهة، لأن البديل هو الفوضي التي يمكن ان تحول السودان إلي مكان مثالي للقاعدة، ليصبح بذلك هو افغانستان المنطقة. ما لم يقله الصادق المهدي إن دولة جنوب افريقيا لم يكن بها صراع بين الاحزاب والقوي في الحكم او في المعارضة حول تطبيق الشريعة الاسلامية، وان نموذجها نجح، لانه نظام علماني يقف علي مسافة واحدة من كل الاديان ويفصل بين الديني والسياسي، ولا مكان فيه لدولة مدنية ذات مرجعية دينية!