جوبا (جنوب السودان) - شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تم استبدال المجتمع الصاخب الذي كان ذات يوم يعج بالآلاف على مشارف جوبا، عاصمة جنوب السودان، بمجموعات من الناس المحتشدة تحت الأشجار والمحاطين بأنقاض متراكمة للمنازل التي كانوا يقطنونها. فلوري روكوي هو مجتمع محلي مؤلف من الناس المصابين بالجذام، قام المصريون والإنجليز بإنشائه في العام 1948 حيث كانوا يحكمون السودان في ذلك الحين، ولكن في شهر يناير/ كانون الثاني شاهد المرضى، وأجيال من الأطفال الذين ولدوا ونشأوا هنا، منازلهم وهي تتهدم كجزء من برنامج حكومي سيخرج ثلاثة أرباع السكان من تلك الأرض. وقال جوزيف واني الذي يعمل ممرضاً في هذا المجتمع، وعالج آخرين مثله مصابين بالجذام لسنوات إن الحكومة اتخذت هذا القرار لأن جوبا ستصبح مدينة وليس قرية. فقد خصصت الحكومة قطعة أرض لنحو 220 من أصل 290 من المصابين بالجذام، ولكن واني يقول إن هناك حاجة إلى 750 قطعة أرض أخرى على الأقل لأطفالهم والمئات من الناس الذين يعانون من الفقر المدقع. وأضاف واني أنه «حتى الآن مازال هناك من ينتظر ويبيت في الخارج على رغم هطول الأمطار». هذا ويقوم فتيان الكشافة بإعادة إعمار منازل تعود لنحو 47 شخصاً غير قادرين على إعمار منازلهم بأنفسهم لشدة الجذام لديهم. ولكن حتى الآن تم بناء منزلين فقط بينما هناك 15 خيمة مؤقتة فقط. وفي السياق نفسه، قال توماس ويدايا؛ أحد المصابين بالجذام الذين وصلوا هنا في الخمسينيات: «أنام الآن في العراء وأنا أعاني حقاً ولكن على الأقل لديّ قطعة أرض. إنما ما يؤلمني فعلاً هو وضع الآخرين الذين لا قطعة أرض لهم». وقد أقر وكيل وزارة الإسكان والتخطيط، ألكايا أليجو بأن توزيع قطع الأرض كان «بطيئاً جداً» ولكنه أوضح أن المشاكل ناتجة عن الأبناء الأصحاء للأشخاص المصابين بالجذام الذين يستولون على الأرض بشكل غير قانوني. وتُعتبر جوبا إحدى المدن الأسرع نمواً في إفريقيا، وهناك ضغط إضافي عليها بسبب تدفق مئات الآلاف من الناس الذين فروا من السودان والدول الأخرى، حيث يرون في جوبا أفضل مكان للإقامة من أجل الحصول على عمل. فبالنسبة لأسونتا جوان - التي تركها أبواها هنا وهي طفلة صغيرة وليست لديها أوراق هوية لتسجل من أجل الحصول على قطعة أرض - يبدو المستقبل خارج الملجأ الآمن كئيباً. وقالت جوان: «لقد نشأت هنا وفعلت كل شيء في حياتي هنا. لقد شاهدنا عملية تدمير المنازل ولا ندري أين سيأخذوننا. فقد تمّ بناء المنزل الذي عشت فيه لي خصيصاً. والآن لا أدري ماذا أفعل... نحتاج إلى شيء ما لحمايتنا من المطر... ولكي نسترد أرضنا نحتاج إلى المال. بعض الناس استردوا أرضهم بالفعل ولكن ليس لدينا المال لإعادة شرائها». السطو عادت قوات الحركة الجنوبية التي تحولت إلى الجيش الوطني من الأدغال في العام 2005، بعد 22 عاماً على بقائها هناك. وقامت بإنشاء ثكنات لها مقابل لوري روكوي، مستخدمةً الأرض التي كان يستخدمها هذا المجتمع لزراعة المحاصيل الغذائية الخاصة به. وتقول الحكومة إن مناطق أخرى - تشمل البحيرة التي استخدمها السكان المصابون بالجذام لصيد السمك - تنتمي إلى مجموعات عرقية أخرى عادت إلى العاصمة في وقت السلم. وبالإضافة إلى اختفاء الأراضي الزراعية، فقد انخفضت المساعدات الحكومية والتبرعات المنتظمة القادمة من وكالات الإغاثة بعد اتفاقية السلام ثم انقطعت نهائياً في العام 2009. وأضاف ويدايا في السياق نفسه أن «اعتادت الحكومة تقديم الغذاء لنا، وتوقفت عن ذلك الآن. وما من أحد ليساعدنا على وقف معاناتنا. لقد تم السطو على الأرض التي كنا نستخدمها لزراعة المحاصيل الغذائية، ونحن نعاني الآن من نقص في الغذاء والملابس والبطانيات». من جهته، قال القس ناسونا الذي وصل والداه إلى هنا في العام 1955، إن العديد من الذين عاشوا هنا لسنوات طويلة يفتقرون إلى الأوراق الرسمية للمطالبة بحقوقهم، لذلك يقومون بالمغادرة. وأضاف «سبق أن غادر بعضهم بسبب الصعوبات التي واجهتهم». وفي الوقت نفسه، ظهرت وجوه جديدة فيما يعرف الآن بالعقارات الممتازة. فقال ويدايا: «يدعي بعض الناس أن المنطقة كانت لأجدادهم قبل أن يتمكن المصابون بالجذام من الحضور إلى هنا. إنهم ياتون ويطالبون ببعض من الأراضي، لذا يتم إعطاء قطع الأرض لهؤلاء الجدد وللأشخاص الذين يحضرون من القرى المجاورة». من جهة أخرى، مازالت مجموعة من وكالات الإغاثة المسيحية تحاول دعم هذا المجتمع المؤلف من المصابين بالجذام. وقالت عاملة الإغاثة المخضرمة لوري براين إن الناس لا يملكون ما يجب استخدامه في إعادة البناء وليس لديهم المال، كما أنهم غير قادرين على زراعة الخضار لأن لا أرض لهم. ظروف صحية سيئة وقد حذرت براين قائلةً: «لدينا أشخاص مصابون بالهزال الشديد، ومن الصعب جداً أن يحصلوا على المياه. فهذا يجعلهم يعانون من المزيد من الأمراض والمزيد من الضعف والنحافة، ما يؤدي إلى المزيد من المشاكل الصحية أو حتى إلى وفاتهم». ويخشى منسق الحكومة لمرض الجذام والدرن في مستشفى جوبا التعليمي، جيمس واني، من أنه من الممكن أن يصاب المجتمع بالمزيد من الضعف جراء الأمراض الناتجة عن سوء حالة المأوى والصرف الصحي مثل الملاريا والتهابات الجهاز التنفسي. وقال إن 1437 من أصل 10.000 مصاب بالجذام تسجّلوا في الولاية الاستوائية الوسطى العام الماضي من أجل الحصول على العلاج. وقال واني إنه يتم جلب الناس إلى هنا من الولايات التسع الأخرى من أجل العلاج والدعم: «الناس لا يعرفون أن الجذام مرض معدٍ يمكن علاجه. كل ما يعرفونه أن الجذام هو لعنة». وقال إنهم غالباً ما يشاركون في حملات التوعية، ويتم علاجهم خلال فترة تتراوح ما بين 6 و18 شهراً، اعتماداً على شدة المرض وكثافة العلاج. وهو يخشى من أنه سيكون من الصعب الوصول إلى المصابين الآخرين الذين لم يتسجلوا بعد للحصول على العلاج، في حال لم يبقوا في لوري روكوي. وقد أضاف أن «لديهم الآن 220 مصاباً بالجذام يحملون الوثائق، فماذا عن الباقين؟ هذا ما نتحدث عنه». وقال جوزيف واني؛ أحد قادة المجتمع إنه «منذ العام 2009 لم يحدث شيء لنا هنا. لم يساعدنا أحد، فلم نعتمد على المساعدات سوى للعلاج من الأمراض الأخرى ولكن ليس من الجذام». وأضاف أن «الحوادث في صفوف المصابين بالجذام أمر شائع، وخاصة أثناء الطهي والقيام بالمهمات، لأن جلدهم قد مات وبالتالي لا يشعرون بألم النار أو الأدوات الحادة». ويخشى القس ناسونا من أنه من دون المساعدة من الممكن أن يتشرد العديد من الناس الضعفاء في شوارع المدينة التي أصبحت كبيرة بالنسبة لهم. وأوضح أن «ثمة أشخاصاً لديهم أبناء يمكنهم المساعدة، ولكن هناك أشخاصاً ليس لديهم أحد وأحياناً يمكنهم المغامرة بالدخول إلى المدينة طالبين المساعدة، ويصبحون من المتسولين».