مع اقتراب موسم العيد من كل عام تظهر أنواع من التناقضات الغريبة التي تدل على وجود خلل ما في عملية التنظيم الداخلية للأسواق، وغياب الرقابة والمسؤولية بجميع أسواق الولاية، حيث تعم الفوضى والازدحام دون أن يكون هناك ترتيب. ومن المفترض أن تشهد الأسواق انتعاشا واضح الملامح في جميع المجالات مما ينعكس على حركة البيع والشراء، لكن مؤخرا وتقريبا منذ عامين أصبحت الأسواق تشهد تدنيا في عملية البيع نسبة لارتفاع الأسعار غير المبرر في كافة أنواع المعروضات والمستلزمات التي تحتاجها الأسر في كل عيد... (الأخبار) قامت بجولة في بعض أسواق الولاية، وقفت من خلالها على المشكلات الحقيقية التي تؤرق الناس وتشكل هاجسا حقيقيا لكافة الشرائح في المجتمع عبر هذا الاستطلاع مع بعض التجار. سعر نهائي يقول بابكر يوسف صاحب أحد محال الملابس بسوق ستة الحاج يوسف شاكيا: (السوق لا يبشر بالخير فلا توجد حركة بالنهار إطلاقا، وفي الليل بسيطة مقارنة مع العام الماضي، فالركود سيد الموقف، وبالرغم من أن العام الماضي كان يشهد ركودا إلا أن العائد كان مجزيا إلى حد ما ويغطي تكلفة الإيجارات والترحيل والتحميل وغيرها من العمليات التي تحتاجها البضائع حتى تصل إلى الزبون، حيث كانت الأسعار بها نوع من المرونة، أما هذه السنة فالسعر النهائي لأية قطعة يتراوح من 25-50 دون مقايضة، وأحيانا يصل إلى (90) جنيها في بعض ملابس الأطفال، السوق (ميت) وهذا ما جعلنا نفقد الكثير من زبائننا فلا يوجد حل وسط يرضي كل الأطراف خاصة الزبائن).. ويضيف (التوم علي): (غلاء الأسعار وصعوبة التعامل مع الموردين جعل لبعض السلع أسعارا ثابتة لا تقبل النقاش للتقليل من ثمنها، وهذا أوجد نوعا من المعاملة الجافة مع الزبائن. الأعوام السابقة كان السوق يشهد نوعا من الاكتظاظ البسيط مع تبقي أسبوع للعيد، مما جعل العيد موسما يعوضنا عن بقية شهور السنة والتي يكون فيها البيع بالمناسبات، وبالتالي كنا نعتمد على العيد لتغطية أي عجز، أما هذا العام فالسوق يعيش في حالة ركود غير مسبوق في كافة السلع والمستلزمات، ونحن لا نرفع الأسعار فالبضائع غالية من مكانها. السوق يعاني من فوضى كبيرة على جميع المستويات بسبب الرسوم التي تفرضها المحلية وعدم وجود رقابة أو قوانين واضحة تحكم السوق. الناس تشكو من الأسعار ونحن كذلك نكتوي منها، بل نحن متضررون كثيرا من بقاء البضاعة هكذا، لكن لا يوجد بأيدينا شيء ولا ندري أين الحل؟؟؟؟). زبائن متفرجة.. عبد الحليم مصطفى صاحب محل الزهرة للملاءات والستائر يجد أن الركود الذي يعاني منه السوق تتبعه سياسات محددة تهدف إلى تضييق الخناق كما هو حادث الآن واحتكار السوق من قبل التجار الكبار، فلم تمر علينا سنة كهذه، فالسوق لا يشهد حراكا لا نهارا ولا ليلا، وقال إن أغلبية الزبائن أصبحوا يتفرجون ويسألون عن الأسعار أكثر من أن يشتروا، ودائما يطالبون بتنزيل الأسعار لكننا لا نستطيع مجاراتهم، لأن البضائع من مكانها غالية وكل ما نربحه في القطعة جنيها أو جنيهين، وأضاف إن البيع شحيح ولا توجد (رجل) في المحل، وهذا جعلنا نتبع نهجا جديدا بتخفيض أسعار بعض السلع والتنازل عن الربح فيها ووضع تسعيرة موحدة لها.. ويضيف (موسى الأمير) إن حال الملاءات والستائر أفضل بكثير من الملبوسات الجاهزة فنحن يمكن أن نبيع دستة ملاءات في اليوم مع ربح معقول، أما أصحاب محال الملابس الجاهزة سواء كان أطفال أو كبار كما نرى يبيعون ثلاث أو خمس قطع في اليوم بالكثير, الحال (نايم على الآخر) وهذا ما أتاح الفرصة للباعة المتجولين، فلتعويض الخسارة والقدرة على دفع ما علينا من ضرائب وإيجارات وجبايات ورسوم أصبحنا نعتمد على الأولاد السريحة أكثر من البيع في المحل، فالبيع بالقطاعي فتح المجال لانتعاش السوق أكثر بعد أن قارب على الانهيار، وهذه الطريقة ساعدتنا كثيرا وغطت جزءا من الخسارة وفتحت سوقا جديدا، لكن ارتفاع الأسعار ليس منا ولا نعرف أسبابه، ورغم ذلك نحاول مجاراة الواقع، وعلى المسؤولين إيجاد حلول جادة للوضع ومعالجته بأسرع وقت ممكن، فنسبة البيع حتى الآن20% فقط وتبقى أسبوع على العيد، ولو استمر الوضع هكذا لعيد الأضحى (حنقفل محلاتنا). سوق القوقو.. ويضيف عبد الحليم إن الوضع الحالي للسوق وارتفاع الأسعار جعل الناس يتجهون لسوق القوقو (سوق للملابس أعلى سعر للقطعة فيهو 2 جنيه) الناس كلها أصبحت تشتري من هذا السوق و(تقشر)، ولتعويض الخسارة والقدرة على دفع ما علينا من ضرائب وإيجارات وجبايات ورسوم، أصبحنا نتعامل مع الأولاد السريحة وذلك بإعطائهم نصف دستة أو دستة من الفوط وبيعها بالقطاعي، وكذلك الحال في الملابس، وهذه الطريقة ساعدتنا كثيرا في تغطية جزء من الخسارة.. أما الحاجة خير جديد فضيل، رغم أنها تبيع بعضا من المستلزمات البلدية البسيطة التي يحتاجها البعض في شهر رمضان ومع دخول العيد، فإنها تعاني كثيرا من موجة الغلاء التي أثرت كثيرا عليها لتقول: (من الصباح وحتى العصر أتحصل فقط على عشرة جنيهات.. السوق بقى صعب والناس غلبها التسوي والمحلية ما بتخلي زول في حالو). أخيراً.. على ما يبدو أن الزوبعة التي كانت تسبق دخول العيد عند كل عام في طريقها للاحتضار، حيث لم يعد الناس يقوون على مواجهة أعاصير الغلاء التي باتت تهب في جميع النواحي دون أن تضع اعتبارا للفوارق الطبقية، فالسوق لم يعد مكانا يتوجه له لإكمال النواقص داخل أي بيت إلا عند الضرورة القصوى (أكل وشرب) لغلائه الطارد، ليبقى عيد بلا فرحة أو جديد، والحكومة تتفرج على الارتفاع الجنوني غير المبرر لكل شيء... لكن إلى متى؟؟