في إطار ربط جوانب علم الآثار النظرية بالعملية درج قسم الآثار جامعة النيلين على إجراء حفريات تدريبية لطلاب السنة الرابعة بمنطقة السبلوقة شمال الخرطوم برفقة الأستاذ/ أحمد حامد نصر والأستاذة/ رحاب شمبول والأستاذ/ عبد القادر الخزين وكانت الرحلة العلمية بهدف تأهيل الطلاب على مراحل البحث عن الآثار وتنقيبها وتوثيقها بالمناهج المتفق عليها عالمياً وبناءً على فرضيات علمية للمساهة في كشف العمق الثقافي للسودان القديم. بعد إجراء مسوحات أولية تم اختيار منطقة مرتفعة عن محيطها تظهر عليها آثار صناعات للفخار والأدوات الحجرية وهي عبارة عن تل مرتفع (يسمى الرتيج) يقع على وادي أب جداد بالقرب من منصبه في النيل على الضفة الشرقية واستمرت أعمال الحفر فيه لمدة ثمانية أيام. وهذه المنطقة من المناطق التي أشارت إليها أعمال هيئة الآثار وبعض الدارسين. أسفرت الحفريات عن كم هائل من المخلفات الأثرية لمستوطنة عاش أصحابها لآلاف السنين في هذه المنطقة مستغلين بيئة النهر مع الصحراء. حيث أكد الأستاذ أحمد حامد أن بقايا صناعات الفخار التي تم الكشف عنها معظمها من صناعات فخار الفترة المتأخرة من ما قبل التاريخ بناءً على التواريخ النسبية تلك الفترة المصطلح عليها بثقافة الخرطوم الباكرة وثقافة الشهيناب والتي وجدت آثارها في الموقع متكونة من الفخار ذو الزخارف الزاهية من خطوط مموجة وزخارف هندسية رائعة مع تعدد في أشكال الأواني ودرجات الحريق التي حوت ألوان متباينة ووجدت بعض نماذج الأدوات التي استخدمت في تلميع وزخرفة الفخار وهذا يظهر مدى تطور صناعة الفخار في المنطقة في الفترة ما بين (6000 3000) قبل الميلاد، لا سيما وأن الآثار الأخرى أظهرت أن هذه المجموعة السكانية صنعت آلات حجرية حادة من صخور منطقة السبلوقة شكلت منها سكاكين وفؤوس ومسننات ورؤوس سهام من الحجر لاعتمادهم على الصيد البري والنهري كما صنعوا بعض الأدوات من العظم واستقروا في المنقطة لمدى زمني طويل حيث وجدت ثلاثة مقابر في الموقع كان الشخص يدفن في حفرة شبه دائرية على وضع قرفصائي وتم تزيين الجسد ببعض الخرز المصنوع من قشر بيض النعام والحجارة ورافت المتوفي بعض شقف الأواني الفخارية وأدوات رحي الذرة والسحن مما يدل على اعتقادهم بحياة ما بعد الموت. هذا وقد أكدت الأستاذة رحاب أن تعدد البقايا العظمية في الموقع دل على التغير البيئي ووفرة الموارد الطبيعية في المنطقة في ذلك الزمن. وتعتبر مثل هذه المستوطنات هي المجموعات التي مثلت حضارات ما قبل التاريخ في السودان الأوسط في شكل معسكرات صيادين تحولت إلى قرى رعوية وفيما بعد قرى تطورت إلى قرى زراعية ودلت آثارهم على وجود علاقات تبادل ثقافي فيما بينهم وبين تلك المجموعات التي عاشت في منطقة الخرطوم وشندي مكونة نسيج ثقافي مترامي الأطرافي واستمرارية في غير الثقافي من مرحلة إلى أخرى وهي تلك المجموعات التي عملت على تكوين حضارة كوشية في السودان الشمالي ويبدو أن التقلبات البيئية هي ما زحفت بها شمالاً. وقد أكد الأستاذ أحمد استمرار العمل في المواسم اللاحقة في هذا الموقع لتدريب الطلاب مع إسقاط نتائج العمل الآثاري على بعض القضايا التي ما زالت عالقة في سودان ما قبل التاريخ والشكر موصول لإدارة كلية الآداب وإدارة جامعة النيلين في توفيق أوضاع العمل الميداني والشكر للهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية لاتاحة فرصة التدريب ولسكان المنطقة في تعاونهم والحفاظ على موروثهم الثقافي لأن مثل هذه الآثار تمثل الجذور السودانية وإهمالها وعدم المحافظة عليها يعني طمس الهوية السودانية ومراعاتها تعني الدفع بمسيرة العلم وتوفير فرص أوسع للسياحة بكل أنواعها في السودان ذو الثراء التاريخي.