الخاتم محمد المهدي دروس التاريخ القريب تؤكد بيقين الواقع المعايش أن الرصاص الأرعن في مقابل الحجر الأعزل واليد المرفوعة لن يلد إلا مزيداً من الدم.. والدم لا يلد أقحواناً ورياحين.. لن يلد إلا مزيداً من الدم ..ومزيد الدم لن يلد عمراً جديداً للحاكمين. نسى هؤلاء أن سواد الشعب السوداني الذي تطأه الذخيرة أُجبر أغلب شبابه على التدريب العسكري الإلزامي نسى هؤلاء أو أسقطوا من حسابهم أن الكثرة المحروسة بالغضب تغلب الرصاص.. طاحونة الدم في ليبيا، بقتلاها الستون ألفاً وينيفون، ابتدرت هكذا.. غاضبون من رصاص القذافي في بنغازي استغلبوا بكثرتهم على بنادق نقطة شرطة في ركن قصي، هرسوهم بالهتاف وطاردوهم بالحجارة، وغنموا سلاحاً أو اثنين، ثم انفتلوا إلى مخزن سلاح وذخيرة في الركن القصي الآخر من المدينة، فأمطروه برصاص ما غنموا من سلاح، واستباحوا ما كنز الحزبيون وجيشهم.. بين ليلة وضحاها، انتقلوا من تعريف "مدنيين" إلى تصنيف "مسلحين".. ثم سقطت بنغازي كلها بيد الغاضبين، ودارت طاحونة الدم في ليبيا لعامين مريرين، ولم يسكن صريرها إلى يومنا هذا. نسى حاكمو الخرطوم أو تناسوا أن بشاعات سورية وكيماوي الأسد، والمئة ألف ممن انزهقت أرواحهم، وغول الموت اللحظي، كلها كانت محض هتافات في شوارع درعا.. لأشهر ست طوال كان الهتاف يرهق متسلطي دمشق فيردعونه بالرصاص، ومزيد من الرصاص.. ثم انشق عسكري واحد، بسلاحه.. وآخاه ثانٍ، بسلاحه أيضاً.. ثم ثالث فرابع، والسلاح قاسمهم المشترك.. وبين غمضة الطاغين في دمشق وانتباهة الجيرة القلقة، كانت هناك "معارضة مسلحة" تحمي "الثورة" بسلاحها المنشق وبمزيد من الرصاص.. ذلك كله في بلاد لا تعدو أصولها العرقية ما تعد اليد الواحدة من القبائل والطوائف، وتمسك لحمتها وحدة اللغة والثقافة والدين، وآصرة الدم الثخينة. معادلة تبدو مفزعة إن قايستها بمعطيات السودان الراهنة.. أكثر من خمسمئة وستون قبيلة، تنحدر من ثمان مجموعات عرقية، وتتحدث نيفاً وخمسين بعد المئة من اللغات، وتدين بأديان سماوية وغير سماوية (والأخيرة قل عديدها بعد انفصال الجنوب)، ويخالط تاريخها القَبَلي والعرقي حزازات وعنصرية غذتها سياسات الحكومة الراهنة عن سابق تعمد واختيار، وجيران لهم مطامع جيوسياسية قديمة، ومصالح جديدة.. قلبي على البلد الأسمر وأهله..