لم يترك انفصال جنوب السودان مجالا إلا وكانت له فيه بصمة واضحة قد يطول بقاؤها أو يقصر. ويبدو أن بعض أبناء الولاياتالجنوبية الذين شدوا رحالهم نحو دولتهم الجديدة قد رأوا ألا يرافقهم فيها الجنيه السوداني، مما دفعهم إلى البحث عن عملات أجنبية أخرى كالدولار الأميركي وغيره من العملات الصعبة لمواجهة حياتهم الجديدة. لكن ذلك لم يكن إلا على حساب سعر صرف الجنيه في السوق الموازي (الأسود) بدرجة لم تشهدها من قبل، مما دفع خبراء ومحللين اقتصاديين إلى تحذير البنك المركزي السوداني لوضع تدابير جديدة للحد من الظاهرة. وتراجع الجنيه السوداني مؤخرا في السوق السوداء، حيث بلغ سعر الدولار نحو 3.5 جنيهات مقابل السعر الرسمي المحدد ب2.737، بينما بلغ سعر اليورو نحو 4.5 جنيهات مقارنة بسعره الرسمي عند 3.899 جنيهات، فيما بلغ سعر الجنيه الإسترليني نحو 5.2 جنيهات سودانية مقابل 4.385 جنيهات سودانية بالسعر الرسمي. ورغم تحذير محافظ بنك السودان (البنك المركزي) السابق صابر محمد الحسن من الظلال الخطيرة على اقتصاد السودان الشمالي، فإن ذلك لم يشفع للجنيه السوداني من الانخفاض أمام العملات الصعبة للقوة الكبيرة التي يمثلها الطلب عليها. جهود غير كافية غير أن الحسن اعتبر في تصريحات صحفية عدم كفاية جهود الحكومة وحدها لمعالجة الأوضاع، مشيرا إلى حاجة البلاد لدعم المجتمع الدولي. وحذر من أن الانفصال سيمثل صدمة داخلية، تشبه الصدمة التي نتجت عن الأزمة المالية العالمية، مع الفرق أن الأولى مؤقتة والثانية مستدامة للاقتصاد، وانخفاضا مفاجئا في عائدات البلاد من العملة الصعبة. في المقابل أعلن محافظ البنك المركزي محمد خير الزبير عن إجراءات مالية احترازية سيتخذها الجهاز المصرفي خاصة بتداعيات انفصال الجنوب. وقال إن المنشورات الخاصة بها ستصدر قريبا. إن الطلب غير الطبيعي على العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار، أدي إلى ارتفاع سعره مقابل الجنية السوداني في السوق السوداء، رابطا ذلك بقرب انفصال الجنوب. أن السودان يمر بتحولات غاية في الأهمية، مما جعل المودعين يسعون للاحتفاظ بالعملات الصعبة خوفا من أي تطورات أمنية بسبب تلك التحولات، أن الطلب غير المبرر شكل ضغطا من الصعب إيجاد سيولة لتغطيته، أنه "سيناريو ظل يتكرر بين فينة وأخرى". أن النفط الذي سيفقده السودان لصالح الجنوب سيكون مرهقا للخزينة العامة في ظل ضعف الصادر من البدائل المطروحة. إن قوة الجنيه من قوة الاقتصاد، ويتضح ان الانفصال ادي لخلل اقتصادي جعل الجنيه متدهورا أمام الدولار والعملات الأخرى على اعتبار أن الركود التضخمي اكتسح كل القطاعات الاقتصادية. أن الأسباب الحقيقية لتراجع الجنيه أمام الدولار تعود إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلى وارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، خاصة أن السودان أضحى يعتمد على الغذاء المستورد بصورة أساسية. أن المشكلة الكبرى هي أن السودان بعد التاسع من يوليو/تموز الجاري سيفقد أكثر من 70% من عائدات النفط "وأن الحكومة من جانبها لم تتحسب لهذا اليوم ولم تتخذ أي تحوطات كافية لمواجهته". أن انهيار الجنيه يعني انهيار الدخل القومي الذي سينعكس بدوره سلبا على الميزانية العامة للدولة.