ترك رحيل الفنان محمد عثمان وردي لوعة لدى محبيه ومتابعيه الذين يثنون على عبقريته الفنية وإنسانيته ووطنيته، ويعتبر النقاد أن حقبة جميلة من الفن السوداني قد أغلقت برحيله، فيما أشار شعراء وملحنون وزملاء مهنته إلى وجهه الآخر الذي يضج بالإنسانية وحب الوطن وأهله. ونعى اتحاد الكتاب السودانيين الفنان الراحل، معتبرا أنه لم يكن مطربا عملاقا فحسب، بل هو واحد من أكبر المؤسسات الثقافية الوطنية وأعمقها أثرا في تشكيل وعي الجماهير، بما أنجزه من مشاريع غنائية وموسيقية شكلت بنضجها وجدان السواد الأعظم من أبناء الشعب السوداني. ويصف الاتحاد في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه وردي بهرم الفن وحامل رايته ولوائه، "بما يمثله من إرث متعاظم من الأعمال الخالدة التي ستبقى ما بقي الوجود". مجدد ومجد أما الاتحاد العام للصحفيين السودانيين فيصف الراحل بعملاق الفن والأدب والإبداع، وأكد أنه كان شعلة فنية متقدة، "وكان على الدوام رمزا شامخا في سماء الإبداع، بتغنيه بالوطن والإنسان والطبيعة عبر ألحان خالدة وأشعار جميلة هفت إليها القلوب". وقال في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه إن الفنان الراحل محمد عثمان وردي برهن عبر مسيرته الإبداعية الطويلة على أن السودان أرض للجمال والخير وشعراؤه وفنانوه الأقدر على غرس القيم الجمالية من خلال فن يذكى الوجدان ويطرب القلوب. أما الناقد الفني أنس العاقب فاعتبر الراحل أحد أربعة مجددين لأغنية السودان الحديث، مشيرا إلى أنه في قامة الراحلين من رواد الأغنية السودانية، كالفنان خليل فرح وإبراهيم الكاشف وعثمان حسين. ذخيرة إبداعية وقال للجزيرة نت إن وردي تجاوز كل هؤلاء لامتلاكه الذخيرة الإبداعية الكبرى بحكم منطقته الحضارية -أرض النوبة- التي شكلت ثقافته الجامعة، ولونت إبداعه بمختلف الأنماط الحديثة، مشيرا إلى أنه غير المقدمة الموسيقية في الأغنية النمطية الكلاسيكية، إضافة إلى أنه اشتهر بالجمل الموسيقية الثرة والممتدة، والقدرة على الإضافة وابتكار النغمات داخل اللحن. وأكد أنه تجاوز الآخرين باختياره أنماط شعر مختلفة وغنائه بالنوبية واستخدامه إيقاعات الشمال السوداني والإيقاعات الأفريقية، منبها لتأثيره الإيجابي على الأغنية السودانية بتحويله لها من خفيفة راقصة إلى حلقة إبداعية متكاملة. وقال العاقب إن وردي مزج حب الوطن مع حب المحبوبة، كما في أغنية باناديها، مشيرا إلى اهتمامه الكبير بالأغنية الوطنية -كما في الأكتوبريات- "ما جعل الحب قضية جماعية وطنية جمالية أدت إلى سجنه مرات عديدة". مدرسة خاصة أما زميله الفنان حمد الريح فيقول للجزيرة نت إن لوردي مدرسته الخاصة ما جعله علما في عالم الغناء، مشيرا إلى أنه امتلك موهبة طبيعية يصعب تكرارها. واعتبر الشاعر مبارك بشير أن سيرة الراحل هي جزء من سيرة السودان الحديث، "إذ لا يمكن الحديث عن السودان المعاصر بعيدا عن وردي"، مشيرا إلى إنجازه مشروعا فنيا سودانيا ملتحما مع الحركة الوطنية. وقال إنه استطاع التعبير عن السودان في كل مراحله بتغنيه للثورة والسلام وأفراح السودانيين وآلامهم، مستثمرا ما يملكه من موهبة كبيرة. ويرى في حديثه للجزيرة نت أن رحيل وردي يشكل حزن أمة كاملة، "لأنه استطاع تفجير ينابيع الفرح وقت الحزن"، واصفا رحيله بالفاجعة الكبرى. وكان فنان السودان الأول -كما يطلق عليه- قد شيع إلى مثواه الأخير مساء الأحد بعد وفاته إثر وعكة ألمت به، في جنازة مهيبة حضرها آلاف السودانيين، بعد مسيرة حافلة ناهزت 60عاما، قدم خلالها نحو 300 أغنية.