اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفخيخ الاسلام بصكوك الغفران..القرضاوي وأوهام ظل الاله
نشر في سودانيات يوم 27 - 03 - 2012

أعتقد ان من المغالطات المطروحة هذه الأيام هي سؤال مامدى تأثير الاسلام في اتجاه الربيع العربي.. لأن أكثر الأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي في اتجاه مغاير تماما ألا وهو: ماتأثير الربيع العربي على الاسلام نفسه؟ وماهو دور يوسف القرضاوي وأمثاله في الأزمة الاسلامية التي بدأت تطل على الاسلاميين وقد لاتنتهي؟ .. فالاسلام كعقيدة كبيرة لايمكن أن يبقى بمنأى عن التأثيرات السلبية للربيع العربي التي سيكون التيار الاسلامي أول ضحاياها وقتلاها
سأحاول في هذا المقال الابتعاد ماأمكنني عن التعقيدات العلمية لكن من الضروري الاطلاع على الفكر الناهض والأبحاث الجديدة كي نفهم البعد الفكري في أزماتنا الاجتماعية .. أريد أن نذهب جميعا في هذه المقالة في قراءة واعية لعمق الأزمة التي تسبب بها اسلاميو الثورات العربية وقادتهم الذين قادوا جمهورهم الى السلطة في بعض الدول ويحاولون ذلك جاهدين في سورية .. لكن هذه القيادات الحالية أيضا تقود العقيدة الاسلامية كلها في درب الانتحار الذاتي اذا لم تنهض حركة اصلاحية ضمن هذه التيارات الاسلامية الكبرى لتعلن ثورة على توجه القيادات الدينية المنتشرة في الساحة ...لأن من يحتاج الى اصلاح جذري وربيع هو التيار الاسلامي نفسه .. قبل اصلاح الأنظمة السياسية ..
هذا القلق المشروع هو ماتفرضه علينا نظرية ومصطلح "الميمي" أي (وحدة المعلومات الثقافية) التي وضع أسسها عام 1976 الباحث البريطاني الشهير "كلينتون ريتشارد دوكينز" .. وقبل الانعطاف نحو الأزمة الاسلامية الكبرى دعونا نمر بسرعة على آراء دوكينز المثيرة..رغم مافي العرض من لغة علمية سنحاول تبسيطها ماأمكن ..
يعتقد دوكينز أن نظرية تشارلز دارون في تطور الأنواع والاصطفاء الطبيعي ليست مقتصرة على الأحياء البيولوجية بل ان الأفكار والمعتقدات تخضع في تطورها الى نفس عملية التطور والارتقاء باعتماد فكرة التنوع والاصطفاء والانتخاب الطبيعي والتنافس وتطوير الأنواع .. وبحسب دوكينز فان الأفكار والمعتقدات والفنون وطرق اللباس وانشاء الأبنية والتصميم العمراني كلها مثل الكائنات الحية يمكن أن تنقرض أو يمكن أن تنمو وتتطور وتنجو وتحيا .. أي قد تتعرض لطفرات اما نحو الأسوأ او نحو الأفضل .. وفيما تكون الطفرات في عالم الأحياء في المورثات (الجينات) نتيجة تعرض لحدث بيولوجي أو كيميائي كبير، فان الطفرات على الأفكار والعقائد تنتج عند التعرض للأحداث الاجتماعية والسياسية الكبيرة .. فعندها اما أن تنجو الأفكار وتنهض وتقفز نحو مرحلة جديدة ولون جديد وفروع فكرية جديدة أو تعاني النكوص والتراجع والاندحار مخلية السبيل لأفكار أخرى مغايرة ..انه قانون الانتخاب الطبيعي واصطفاء
الأفكار..الميمي
ومن المدهش أنه في كل خلية بيولوجية حية هناك برنامج وراثي يشرف على الانتحار الذاتي للخلية عند مرحلة عمرية معينة.. يشبه هذا البرنامج الديناميت أوالقنبلة الموقوتة البيولوجية فتنطلق بسببه عملية الشيخوخة البشرية أو تصفرّ أوراق الشجرفي الخريف وتسقط (تسمى عملية الانتحار الخلوي الابوتوسيز وتشرف عليها مايسمى الميتوكوندريات) ..
وكذلك فان الثقافات تخضع لنفس مصير البيولوجيا الخلوية .. أي أن في كل فكرة اجتماعية أو دين أو عقيدة أوعرف أو ايديولوجيا، هناك قنبلة موقوتة ولغم تتسبب ملامسته بانفجار الفكرة والعقيدة مالم يتمكن العقلاء والمفكرون من ابطال مفعول القنبلة الايديولوجية فتزدهر الحياة في العقيدة أو الدين أو الفكرة ..وهكذا تتوالى الثقافات وتتنوع وتتهجن .. أو تنقرض
الامثلة على ذلك واسعة جدا لكن ربما كان خير مثال على ذلك الحدث والهزة الفكرية التي تنتج الطفرة الفكرية هي اهتزاز الكنيسة الكاثوليكية بسبب قضية صكوك الغفران التي أثارت المصلح الديني "مارتن لوثير" وأنصاره على سلطة الكنيسة وسلطة البابا ليون العاشر .. فتسبب ذلك في انفجار القنبلة الموقوتة الايديولجية التي نسفت جانبا من العقلية المسيحية الكاثوليكية وأدت لظهور نوع عقائدي مسيحي جديد ..هو البروتستانتية..
وانفجار الفتنة الاسلامية بعيد وفاة الرسول الكريم بثلاثة عقود بسبب نزاع على الخلافة يمثل انفجارا وطفرة في العقيدة الاسلامية أنتجت التشيع والفرق الكبرى دون أن تقتل الدين الجديد .. وكذلك كان النكوص والانحدار التطوري من نصيب النظرية الشيوعية التي لم تطور نفسها فتعرضت لعوامل الانقراض مثل الديناصورات..فيما لاتزال الرأسمالية قادرة على التأقلم والتعامل مع متغيرات التطور البشري بسبب تطويرها الذاتي لأفكارها وتنقلها واصطفائها للقيم التي تفيد بقاءها ..بما فيها الأفكار الاشتراكية ..
اذا ماعرضنا الوضع السوري على نظرية "الميمي" فاننا نرى أن حزب البعث قد امتنع عن عملية التطور واطلاق الطفرات الايجابية فسقط من الدستور السوري أمام أول هزة .. لكن مؤسسة الحكم في سورية لم تسقط .. أما الثورة السورية فانها وحسب المصطلح الميمي لم تتمكن من النجاة بعد أقل من عام على اقلاعها وهي في مرحلتها الجنينية وتعرضت لنكسات كثيرة وتفكك وانخلاع الأشرعة والسبب هو تفعيل برنامج الانتحار الذاتي الذي انطلق صاعقه لغياب قيادة قوية وعاقلة للثورة تمنع أي عبث بآليات التفجير الذاتي التي تفضي الى الانتحار والانقراض ..رغم وجود برهان غليون كباحث اجتماعي يعرف ويسمع بنظرية دوكينز ..حتما
لكن القضية الأكثر اثارة للجدل هي مصير كل الربيع الاسلامي والاسلام السياسي بعد تلكؤه في سورية .. فسيكون من الغباء أن تعتقد التيارات الاسلامية أنها انتصرت وأن المرحلة القادمة قد استتبت لها وأن الألغام العقائدية لن تمس .. بل ستتحمل القيادات الاخوانية والدينية الرئيسية مسؤولية التصدع والفالق الفكري في الجسم الاسلامي - الاسلامي الذي بدأنا نرى شقوقه ان لم تحاول تشخيص المشكلة ومعالجتها لأن انكشاف أطر المشروع الاسلامي الاخواني وأفكاره بسرعة في الربيع العربي ومدى تشابكه مع المؤسسات الغربية وتساقط شعاراته الجهادية كلها دفعة واحدة في سبيل السلطة لاستبدالها بجهاد من نوع التناحر الداخلي (في مصر وسورية وليبيا وتونس) تسبب في أزمة ايديولوجية عويصة وصدمة كهربائية عنيفة .. قد تطلق عملية الانتحار الذاتي للفكر الاسلامي السياسي وهو يواجه الأعاصير الفكرية الكبرى في العالم .. أو أنه سيلقى مصير الكنيسة الكاثوليكية بظهور البروتستانية الاسلامية المتمردة عليه.. الانشطار سيكون أفقيا وسيصيب كل المذاهب الاسلامية بلا استثناء وان بدرجات مختلفة لكن المذهب السني سيكون الأكثر تعرضا للاهتزاز في الربيع الاسلامي الناهض ..
كان لتعثر الربيع الاسلامي في مرحلته السورية السبب في اصطدامه بمواجهة أخلاقية صاخبة مع ذاته ودافعا لطرح أزمة اسلامية داخلية مرتدة بدأت تفرض على الفكر الاسلامي مواجهة حادة مع نفسه على غير العادة وعلى غير مايتوقعه أحد .. وستكون هذه المواجهة سببا في اتجاهه نحو انتاج طفرة اسلامية مختلفة تساهم في عملية الانشطار الفكري الاسلامي والاصطفاء الطبيعي للاسلاميات المتصارعة .. التي ستفرز اما اسلاما مريضا يتآكل ويتغير لونه وملامحه فيهرم ويشيخ ويجلس على كرسي متحرك اذا ماهيمن عليه الاسلام النفطي ، وما يترتب على ذلك من النكوص الفكري النهائي للتيار الاسلامي ونهاية المرحلة السياسية الاسلامية بسرعة غير متوقعة .. أو أن الصراع الداخلي العقائدي داخل الايديولوجيات الاسلامية السياسية بفعل تخبطات اسلاميي الربيع العربي سيتمكن من اطلاق طفرة ايجابية نابضة بالتجدد والحياة فتتخلص من عملية النكوص العقلي والتردي نحو الانتحار الذاتي .. بالتخلص من قيادات ومفكري هذه المرحلة وتجاوزهم..
بداية الأزمة الاسلامية العميقة كان من المفترض أن تتسبب بها أحداث سبتمبر .. لكن يبدو أن أحداث سبتمبر العاصفة قد طغى غبارها على الأزمة الاسلامية الحقيقية فبدت القضية أزمة اسلامية غربية .. لكن أحداث سبتمبر بذرت البذرة لتلك الأزمة الاسلامية - الاسلامية وجاء وقت الوضع في مابعد حصاد موسم الربيع العربي..
مايحدث في العالم العربي ليس أمرا هينا بل سيكون أشبه بمرحلة انكسار الكنيسة في أوروبة ومرحلة صكوك الغفران .. فالجسم العربي المحموم والمتعرق في فراش التعب والحمى منذ عدة سنوات دخل في مرحلة من الاضطراب الجسدي والنفسي وعانى من تقيؤ المراحل السابقة ..القيء خالطه الدم ..ثم وجدنا أن هذا العالم العربي نهض ليسير على قدميه وهو محموم ويهذي بالربيع العربي الاسلامي الأخضر..
من ينظر الى المرحلة الحالية يعتقد ان الموجة الاسلامية طاغية وانها لن تتوقف .. لكن الانعراج في المسار الذي تحقق بتماسك المرحلة السورية قد تسبب بحادث اصطدام لهذا الربيع العربي مع قوة نابذة جعلت عملية الاصلاح السياسي أقل ضرورة بكثير من عملية الاصلاح الديني .. وكان لاندفاعة الاسلاميين الشرسة نحو السلطة في الربيع العربي وتجاه الحكم في سورية سببا في انكشاف عيوب هائلة وثغرات مفجعة خطرة جدا على التيار الاسلامي نفسه .. هذا التيار الذي يرزح تحت وطاة المغالاة الاسلامية والذي انتهكه كل عابر دين .. وتحول الى معمل لانتاج الفتاوى غير الطبيعية والاسلاميات "الاسرائيلية" المعلّبة بمواصفات تجارية .. فعبرت اليه كل الفتاوى القاتلة ..
العقدة السورية تسببت في ظهور حاجة ملحّة داخل اسلامية للاصلاح الديني وبشكل عاجل قبل الاصلاح السياسي .. والتردد في عملية الاصلاح الديني سيخرب على أي خطوة نحو الاصلاح السياسي ..ولايبدو حصيفا التركيز على اصلاح دستور والغاء مواد واضافة مواد واطلاق انتخابات حرة وممارسة ديمقراطية ..ولن يفيد تغيير نظام حكم هنا أو هناك مالم يتم ايقاف القوة الطافرة في دم وجينات القوى الاسلامية التي ستتسبب في كوارث قد لاتنتهي الا بعد قرن من الزمان باسلام لايشبه شيئا ..
الحديث مع الاسلاميين العقلاء بدأ ياخذ طابعا آخر وهو القلق المتزايد من الرحلة الاسلامية الجديدة وقادتها المغامرين وظهور مايشبه مامرت به أوروبة ابان فترة البابا ليون العاشر وقضية صكوك الغفران .. صكوك الغفران التي دشن عهدها الشيخ يوسف القرضاوي وتبعه لفيف من الاسلاميين الذين انتشروا في مساجد السعودية ومصر وتونس وليبيا حيث تسابق العريفي مع اللحيدان مع العرعور مع شيخ الأزهر ومرشد الاخوان في الافتاء بالشأن السوري بل ووصل الامر بمعظمهم الى اهدار دم الرئيس الأسد .. حتى أن عمرو خالد الوديع الذي كان محسوبا على المعتدلين واسلام ذوي الياقات البيضاء وربطات العنق والاتيكيت ولم يقل كلمة سوء بحق الاسرائيليين ولا بحق رسوم كاريكاتير النبي ..عمرو خالد الذي دعا الى الحوار مع الأعداء والخصوم وسافر الى الدانمارك للقاء المعتدين وحوارهم .. هذا الوديع انضم الى الجوقة الدينية وافتتح دعوة حثيثة للدعاء لنصرة ثوار سورية وللدعاء باهلاك الرئيس بشار الأسد للانتقام منه دون تبين ودون أن يكلف نفسه عناء السفر الى سورية والبحث عن مدى صحة الادعاءات بمسؤولية الرئيس عن قتل الأبرياء مثلما تجشم عناء السفر الى الدانمارك لحوار الرسامين الدانماركيين في الفنادق الفخمة .. واجتهد لتبرئة نواياهم !!
مايطلقه رجال الدين في هذه المرحلة بزعامة القرضاوي وفريق الاسلاميين "الفضائيين" الجدد فاق مايسمى بقضية صكوك الغفران المسيحية لأن القرضاوي ومجموعته المتطرفة صارت تتصرف وكأنها تقف على أبواب السماء وبوابات الجنة والجحيم لتعطي صكوك الغفران لمن يقتل الزعيم القذافي أو من يقتل الرئيس الأسد أو من يواليه .. وتعطي أحكام الموت من بعيد ودون محاكمات على مجموعات بشرية كاملة .. وتصدر صكوك الموت ..
سيخطئ كثيرا من يعتقد أن القضية ستنتهي هنا لأن هذا الاستيلاء على عملية منح الموت والحياة والجنة والنار بعملية الافتاء واصدار الصكوك القاتلة أوالغافرة (باسم فتوى) لم يعد مجرد خلاف في الرأي والاجتهاد بل صار تراكما للأزمات المحشوة بالمتفجرات الاجتماعية ..فاعادة تأسيس فتاوى القتل بهذه الغزارة سيؤسس لسهولة انفراط العقد الاجتماعي في المجتمعات الاسلامية .. وسيؤسس لمرحلة التراشق بالفتاوى والتكفير والموت والتحصن بصكوك الغفران .. وبدل ان يحاط الملوك والأمراء بأجهزة استخبارات لحمايتهم وللتآمر على خصومهم من حكام الجوار سيكون لكل واحد مجموعة افتاء ضاربة تصدر أحكام الاعدام الشرعي على المواطنين المعارضين وعلى الخصوم .. وستتكاثر المجموعات التي تصدر الفتاوى المضادة بحيث يتحول المجتمع كله الى مجموعات كل منها يمسك بصكوك غفرانه ويمارس العنف وهو مرتاح أنه آمن من غضب الله ..
مانراه اليوم من تسابق على اهدار الدماء والحث على الموت سيطلق حركة داخلية من قلب الموجات الاسلامية تطالب اما بالمزيد من العنف لتطهير المجتمعات الاسلامية من كل "الشرور" لأن هذه المجموعات الهائجة التي أطلقها القرضاوي لايمكن اعادتها الى الحظائر .. واما أن تطالب مجموعات أخرى بالرحمة بهذه المجتمعات وتتذمر من أن يمسك أشخاص بشر يخطئون ويصيبون بقضية الحياة والموت مهما علت مراتبهم العلمية والروحية .. خاصة أن كل من يصدر الفتاوى ويشن الهجمات المتواصلة على الموقف السوري الرسمي يتسبب بالحرج لكل من يسمعه بسبب ثغرة أخلاقية هائلة لايمكن معها اعلان البراءة من المذاق السياسي الدنيوي لصاحب الفتوى .. الثغرات الأخلاقية لم يعد التغاضي عنها سهلا وميسورا وسهل الهضم ..
فالقرضاوي لم يتفوه بكلمة ذات شأن بشأن قاعدة العيديد ولابشأن فساد الأسر الحاكمة الأميرية والملكية في الخليج والسعودية .. ولو كان تعرض بصراحة الى أي من هذه الأشياء لكان لفتاواه قيمة دينية محصنة بالنزاهة واللامجاملة .. وعلاوة على ذلك صارت عمليات وثقافة الافتاء التي ينشرها مزواجة مطلاقة تتكاثر بلا ضوابط وقد ضلت الطريق وصارت مهنة من لامهنة له .. ولم تعد لها ايقاعات قرآنية بل اسرائيلية بلا نقاش .. ولاتخضع أية فتوى لمراجعة من قبل خبراء شرعيين للاجماع عليها أو من قبل برلمان شرعي منتخب يقرها بعد اخضاعها لنقاش مديد مطول مسنود بأسانيد الفقه .. كما أن توجيه الخطاب الديني العائم الى مجموعات دينية بسيطة تحمل السلاح هو ذروة اللامبالاة ...فالقرضاوي أو غيره يلقي الفتوى فتتلقفها مجموعات هائجة بلا ضوابط .. لتنتج لنا مشهدا مقززا ومنفرا مثل مشهد اعتقال الرئيس القذافي وتعذيبه واعدامه (حتى ولو كان بتعليمات أمريكية) ومشاهد العنف في العراق سابقا وفي سوريا حاليا .. يحدث ذلك دون كلمة نصيحة واحدة من المراجع الدينية الاسلامية .. باحترام الأسير وبالرحمة في الموت ..
نفس الخطيئة ارتكبتها المراجع الشيعية بعدم ادانة توقيت اعدام الرئيس العراقي يوم العيد وهمجية تصويره لحظة موته وبعد موته .. موقف تشف دفعت ثمنه هذه المراجع وطوائفها في نمو شعور طافر متوتر لدى بعض الجمهور السني بكراهية مفرطة للشيعة.. كراهية بنت عليها القوى الغربية كل استثمارها في الربيع العربي والاسلامي لانشاء هلال سني لمواجهة ايران تحديدا نيابة عن الغرب ..تجلى ذلك بوضوح في الأزمة السورية التي دأب قادة الثورة فيها على تطمين اسرائيل واطلاق الوعيد والتهديد ضد ايران وحزب الله مستندين الى جمهور يرى في تبديل العدو ارضاء لغرائزه الطافرة حديثا ..
والغريب أن عملية اعدام وقتل النفس هي اسهل عملية في الفكر الاسلامي الجديد "الفضائي" الذي أنتجه الربيع العربي و"القرضاوية" بدل أن تكون هي أصعب عملية بعد الانتصار "الثوري" على استهتار الانظمة القمعية بأرواح الناس ..وكان أهم درس يجب تلقينه للجمهور هو أن القتل الذي عانى منه المجتمع في ظل الديكتاتوريات عمل رهيب لايجوز الا في اطار قانون ومحاكمات عادلة ويجب فيه الخشوع والرحمة .. ومايؤلم أنه ربما يخضع قانون مروري أو رفع سعر سلعة غذائية لنقاشات المختصين والبرلمانيين والاقتصاديين العرب أو تحظى المداولات حول محتويات مائدة عشاء في قمة خليجية لنقاشات أطول من أية فتوى لها علاقة بأرواح آخرين وحياة أفراد ومجموعات بشرية .. وهذه الطريقة في الافتاء بدت محاولة للسطو على كرسي الرسول نفسه الذي كان يقرر قضايا كبيرة جدا مستندا الى موقعه الروحي الديني القيادي للاسلام والى أنه "لاينطق عن الهوى ..ان هو الا وحي يوحى" .. حتى عندما قال بحق ثلاثة من المشركين عند دخول مكة " اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة" ..
وانفراد القرضاوي واللحيدان والعريفي وعمرو خالد وغيرهم بقيادة الفتاوى واستيلادها هو استيلاء على كرسي الرسول ومافوضه الله كما صار يتردد في كثير من المواقع الاسلامية التي بدأت تطل برأسها ..لأن مايقوله هؤلاء لايمكن أن يكون "وحيا يوحى" ..حتى لايناقش..في زمن لم يعد وعاظ السلاطين يقتصر وعظهم على جمهور قليل لايناقش بل تنال مواعظهم أسماع عشرات الملايين في لحظات وهم يرقبون الفضاء..
وتتبلور بشكل جلي موجات تتنامى بسرعة لتعلن مرحلة التمرد .. بدأت هذه الموجات بالرد على القرضاوي وفريقه وبعضها أخذ شكلا متميزا وثوريا متمردا في تصريحات الشيخ صلاح الدين أبو عرفة من المسجد الأقصى الذي لم يتردد في تسمية القرضاوي بمسيلمة الكذاب .. وبعضها بدأ يتململ ويطلب بتهذيب من القرضاوي التراجع أو اعادة النظر فيما يقول .. وهذه الدعوات تمهد لولادة تيار اصلاحي قوي ينتظر ظهور مارتن لوثير "مسلم" يرد على احتكار المرجعيات الاسلامية لقضايا الافتاء وطريقة "القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يوقع على صكوك الغفران للقتلة .. تذمر بدأ يعلن تمرده على المدارس التقليدية الاسلامية التي همشته .. وربما يتسبب في ظهور حركة اسلامية كبرى تطيح بالمراجع الاسلامية الكبرى من الأزهر الضعيف الى الحرم المكي المغيب ..
الربيع العربي انطلق كمشروع سياسي لكن ماتبين أنه بحاجة ماسة للاصلاح هو التيار الديني الاسلامي السياسي الذي لم يتمكن من تجنب الفوضى العقائدية ولم يتكمن من ادانة نفسه عندما يخطئ ..وهذا تيار قدم الثقافة الاسلامية على أنها ثقافة عنف وأن مواليه هم مجموعات من القتلة المحترفين والانتحاريين المجانين ..لم تصدر أية فتوى ولا أي موقف من تفجيرات دمشق وحلب التي يفترض انها تعيش مخاض ثورة وتحرير ..وبرغم ادعاءات المعارضة السورية ودون أي دليل تورط النظام الحاكم، فانه لم توجد مؤسسة دينية اسلامية من مؤسسات الربيع العربي من اتحاد علماء المسلمين الى الأزهر الى الحرم المكي قالت مرة واحدة ان هذه العمليات التي تصيب المدنيين ومن أية جهة لاتنتمي الى الاسلام ولا الى الثورة ..وتركت الجميع يعتقد أن الدولة فعلتها ...ولكن لماذا لاتدينها هذه المؤسسات وتوصي بحرمتها ان لم تكن متعاطفة وراعية ومؤيدة لها؟
الثورة البروتستانية أو الطفرة الفكرية التطورية بحسب دوكينز استغرقت سنوات في زمنها لتنتشر لكن في زمن كهذا فان الطفرة الفكرية الاسلامية قد تندلع بسرعة وتنتشر ويكون لانتشارها ثمن باهظ يتمثل في صراع اسلامي- اسلامي وربما داخل الطوائف ذاتها .. لأن الاسلام الذي تولته "القرضاوية" والدعاة الفضائيون الجدد لن يرضي تيارا ناهضا لايبارك هذه المجموعة .. والفضل في ذلك يرجع الى ماظهر من عار لحق بالاسلاميين في الربيع العربي وبالذات الفضيحة التي ظهرت في ثورة سورية ...فضيحة مجلجلة جعلت الجميع يتساءل ...من يستحق الاصلاح؟ ..الانظمة السياسية أم التيارات الاسلامية؟ ...أم قادة الحركات الدينية وعملية الافتاء بالموت والقتل الرهيبة؟!! ..
أخيرا أنوّه الى أن آخر ماكتبه دوكينز هو كتاب شهير اسمه "وهم الاله" .. أحدث ضجة كبيرة واعتراضات كثيرة وهو كتاب الحادي بامتياز وتوّجه صاحبه بحملة في العالم وعلى جدران وباصات لندن بشعار "لاتقلق ..حتما لاوجود للاله" ..اضطر لتعديله بعد الانتقادات ليصبح " لاتقلق ..غالبا لاوجود للاله" .. سيضاهيه كتاب قادم من رحم الربيع العربي سيكتبه اصلاحيون اسلاميون ثائرون اسمه "وهم الاسلام السياسي" ..وسيعلقون المناشير على حيطان الرياض وجدة والأزهر وقصر القرضاوي في قطر .. وجدران مكتب الأبله منصف المرزوقي .. وجدران مكتب مصطفى عبد الجليل .. المناشير ستقول "لاتقلق .. حتما لاوجود للاسلام السياسي" .. ولن يطالب بتعديله أحد ..لأن مايحدث هو تفخيخ الاسلام .. بصكوك الغفران..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.