الخرطوم /10/10/2011/سونا تصيب الاضطرابات النفسية حوالي 12% من سكان العالم ، فهناك شخص من بين كل أربعة أشخاص مريض نفسيا أي ما يقارب 450 مليون شخص في العالم وتشكل الاضطرابات النفسية عبئاً ثقيلاً علي الأفراد والأسر والمجتمعات وتبرز الحاجة إلي الموارد الاقتصادية و البشرية والاجتماعية لتوفير العلاج الفعال للمصابين حيث تعتبر الصحة النفسية جزء أساسي من الصحة العامة و ينص دستور منظمة الصحة العالمية على أنّ "الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز". ومن أهمّ آثار هذا التعريف أن شرح الصحة النفسية يتجاوز مفهوم انعدام الاضطرابات أو حالات العجز النفسية . وقد درج العالم للاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر الذي يصادف اليوم لإذكاء الوعي العام بقضايا الصحة النفسية وتنتظم احتفالات هذا العام تحت شعار( الاستثمار في الصحة النفسية :النقلة الكبرى) بهدف تحسين الصحة النفسية وتقليص الأعباء التي تخلفها حيث تفتقر معظم دول العالم للعمود الفقري لرعاية الصحة النفسية من الاختصاصين فمتوسط عدد أطباء الصحة النفسية في الدول المنخفضة الدخل لايتعدي وجود طبيب اختصاصي مقابل 100 ألف شخص وتمثل مراكز التدريب للرعاية النفسية نسبة 59% فقط في كل دول العالم وتفتقر نسبة 30% من هذه الدول إلي الميزانية المخصصة لرعاية الصحة العقلية ومن أصل 101 دولة في العالم تستفيد من الميزانية في هذا المجال ينفق 25% منها أقل من 1% من الميزانية الإجمالية علي الصحة النفسية . وتشير تقارير الصحة النفسية الدولية إلي أن استحكام الضغوط الاجتماعية والاقتصادية من المخاطر التي تحدق بالصحة النفسية للأفراد والمجتمعات بالإضافة إلي أن أكثر البيانات وضوحاً في هذا الصدد ما يتعلق بمؤشرات الفقر و انخفاض مستويات التعليم وهناك علاقة بين تدني مستوى الصحة النفسية وعوامل التحوّل الاجتماعي السريع، وظروف العمل المجهدة، والتمييز القائم على نوع الجنس، والاستبعاد الاجتماعي، وأنماط الحياة غير الصحية، ومخاطر العنف واعتلال الصحة البدنية، وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أنّ هناك عوامل نفسية وعوامل أخرى محدّدة لها صلة بشخصية الفرد تجعل الأفراد عرضة للاضطرابات النفسية منها العوامل البيولوجية التي تسبّب تلك الاضطرابات و العوامل الجينية واختلال توازن المواد الكيميائية في الدماغ. وبرغم تطور السودان في التخصصات الطبية المختلفة إلا أن الصحة النفسية لم تجد حظها في التطور والتقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويؤكد بروفسور عبد الرحمن أحمد عثمان اختصاصي الإرشاد النفسي إن مجال الطب النفسي دخل إلى السودان موازياً لدخول الطب العضوي والتمريض متمثلاً في تطبيقه بواسطة الكوادر السودانية إلا أنه لم يواكب تطور بقية التخصصات الطبية، ويعزي ذلك لتدني الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، والاحتياج للدراسات البحثية في هذا المجال تحديداً والتي تحتاج إلى التمويل المستمر، والدعم المخطط له وفقاً لحاجة المجتمع وطبيعة الأمراض التي تنتشر فيه ويضيف بأن دول العالم الأول تولي اهتماماً كبيراً لمواطنيها وتضع بند الصحة النفسية هذا من أوائل البنود في ميزانية الدولة مشيراً إلي أن نظرة المجتمع السوداني للمرض النفسي والوصمة التي تلازم المريض تجاه العلاج تنم عن الأمية وعدم وعي المجتمع بأهمية الصحة النفسية بالإضافة إلي استغلال هذه الظاهرة المرضية غالباً من قبل المعالجين التقليديين للتكسب المادي وإدعائهم العلاج وتحقيق الشفاء، وتوجيههم لأسرة المريض بعدم اللجوء إلى العلاج الطبي. ويشير بروفسور عبد الرحمن إلي غياب المفهوم الإيجابي للصحة النفسية وقصور أو غياب مفهوم الصحة النفسية المجتمعية والطب النفسي المجتمعي في السودان وعدم وجودها ضمن مكوّنات برامج الرعاية الصحية الأساسية بالإضافة إلي نقص الإحصاءات الرسمية والأبحاث العلمية في مجال الصحة النفسية والاضطرابات النفسية و النقص الواضح في مجال الإرشاد النفسي المبني على المدرسة وأنشطة التوعية النفسية داخل المدارس حيث أن غالبية الأنشطة المنفذة تتركز حول مكافحة الإدمان . ويضيف بأن خدمة الإرشاد النفسي تتضح أهميتها وقيمتها في أنها تمثل الحصن الوقائي الذي يحول دون انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية والذهنية، والتي لم تجد الاهتمام من الجهات التنفيذية بالمستوى المطلوب في السودان مشيرا إلي أن أكبر مشكلة تواجه الصحة النفسية بالبلاد هي الافتقار إلى التكامل والتضامن بين التخصصات المختلفة لأجل مواجهة مشكلة ضعف مستوى الخدمة النفسية والتوعية بأهمية العلاج، مثل تخصص الطب النفسي، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والطب الباطني والوبائي، وكذلك دور الإعلام والمؤسسات التعليمية. ويستطرد بروفسور عبد الرحمن بأنه على الرغم من انتشار المشكلات والاضطرابات النفسية والظروف الصعبة السائدة والمتزايدة، إلا أن الكثير من العوامل الحامية تتوافر في المجتمع السوداني فالروابط العائلية والاجتماعية إلى جانب بعض الطقوس السائدة، والمناسبات المجتمعية، ودور الدين والإيمان، تشكّل جميعها عوامل حماية ودعم ينبغي عدم غضّ النظر عنها في السودان . ب ع