أشار المزارع عوض أحمد علي، بإشفاق إلى إحدى أشجار الفاكهة في بستانه، ثم إلى حفيده ذي الثلاث سنوات الذي يمرح أمامه، وقال بصوت متهدج يغالب انفعالاته : إنه لا يفرق أبداً بينهما في الرعاية والاهتمام وأنهما يتقاسمان ما ينفقه من مال مثلما يتساويان في حبه وعنايته . وبأسى شديد أضاف المزارع المشهور بعوض الريف، في مدينته أرقو بمحلية البرقيق بالولاية الشمالية، أنه يخشى اليوم الذي لا يستطيع فيه أن يجد المال اللازم لري وسقيا أشجار الفاكهة المختلفة ببستانه، كما كان يكابد ذلك حوالي الثلاثة عقود ونيف من الزمن . ويملك عوض الريف بستاناً تبلغ مساحته وفقاً لما ذكره حوالى (107) فداناً يضم أشجار متنوعة من الفواكه أهمها المانجو والقريب فروت والبرتقال والليمون وبعض أنواع الموالح الأخرى. كما دفعه حبه للزراعة والبستنة إلى جلب أصناف مختلفة من خارج البلاد منها الرمان وأشجار الزيتون . وقال إنه مثله مثل جميع المزارعين في الولاية الشمالية قبل أن يتمتع بعضهم بخدمات الكهرباء كان يسقي بستانه بسحب المياه بواسطة الطلمبات من النيل، لكن ارتفاع أسعار الجازولين خلال موسمين متتاليين جعل زراعته تكلفه فوق ما يطيق . ويشتري المزارع عوض، برميل الجازولين بقيمة (310) جنيها زائداً (60) جنيهاً ثمناً للزيت اللازم له، وبما أن بستانه يحتاج إلى برميلين من الخليط في الأسبوع فإن تكلفة الري في الأيام السبعة فقط تبلغ (750) جنيهاً بدون تكلفة صيانة وابوره، الذي وصفه بأنه أثري وقديم جداً ويحتاج باستمرار إلى قطع غيار جديدة تكلفه بدورها مبالغ باهظة، بحسب قوله . وأبدى انزعاجه من عدم قدرته على مواصلة هذا السعي المرهق، مع ارتفاع أسعار الجازولين وعدم وصول خدمات الكهرباء إلى منطقته، على الرغم من إكماله لإجراءات توصيل هذه الخدمة عبر البنك الزراعي والسلطات المحلية وإدارة الكهرباء . ولشدة ما يقاسي الأمرين في هذا الوضع، ذكر أنه حاول أن يقوم بتوصيل خطوط الكهرباء على نفقته الخاصة سبقا للزمن، كما قال له ذلك - ما دام متعجلا - مدير الكهرباء في المنطقة، ولكنه وجد تكلفة ذلك تربو على (60) ألفاً من الجنيهات . والحالة التي يعاني منها عوض الريف، تعبر عن الكثير من حالات مزارعي الولاية الشمالية من دنقلا وحتى حلفا. الذين ما يزالون ينتظرون كهربة مشاريعهم الزراعية بعد عامين من وعد السلطات الحكومية لهم بذلك عقب اكتمال تأسيس سد مروي. وهدف سد مروي، إلى المساعدة في عمليات الري الانسيابي بادخال طلمبات الري العاملة بالكهرباء والتي تزيد قوتها بمقدار ثلاثة أضعاف قوة طلمبات الديزل المستخدمة حاليا وتعمل بوقود الجازولين والمرتفعة القيمة والمتواضعة الانتاج مما يعني بالتالي زيادة المساحات المزروعة . وتبلغ الطاقة الكلية لكهرباء سد مروي 1250 ميقاوات خصص منها للولاية الشمالية 500 ميقاوات . يتم نقل هذه الكهرباء عبر شبكة من الخطوط يبلغ اجمالي أطوالها حوالي 1745 كلم ، وستربط مع سبع محطات فرعية ، تشمل خطين من المحطة بمروي الي الخرطوم بطول 350 كلم لكل خط وبجهد 500 كيلو فولت، وخط اخر من مروي الي عطبرة بطول 240 كلم وجهد 500ك مع محطة فرعية في عطبرة ومنها خط آخر يربط بين عطبرة وبورتسودان بطول 455 كلم وجهد 220 ك ف ، وخط ثالث من مروي الي دنقلا بطول 310 كلم وجهد 220 ك ف مع ثلاث محطات في كل من مروي والدبة ودنقلا. وزير التخطيط العمراني والأسكان والمرافق العامة بالولاية المهندس عمر محمد احمد نور، ذكر انه من المخطط أن تتم كهربة جميع المشاريع الزراعية بالولاية كلها خلال عامين كحد أقصى. مبينا أن هناك لجنة فنية مسئولة عن متابعة تنفيذ كهربة هذه المشاريع تقوم بأستمرار بدراسة وتقييم خيارات التمويل. وقد أنجزت العديد من الاتفاقيات مع شركات متخصصة لتوزيع وتركيب خطوط الكهرباء في جميع محليات الولاية الخمس . معتمد محلية البرقيق جعفر عبد المجيد عثمان ذكر (لسونا) أنه تم التخطيط لكهربة هذه المشاريع في المنطقة، على مرحلتين بعد وصول خطوط الضغط العالي إليها، الأول منها استهدفت إيصال الكهرباء إلى (393) وابوراً، بدأت في 20/1/2011 على أن تنتهي في 15/10/2011. وقد تم تنفيذها بنسبة (50%). المرحلة الثانية استهدفت (3) آلاف وابور ستبدأ في 15/11/2011 وتستمر لمدة سنة. وقد تم فرز العطاءات وتم تحديد الشركات المنفذة حيث سيتم البدء بمشاريع المساحات الكبيرة . وأكد أن خطوط كهرباء الضغط العالي قد وصلت إلى جميع المنطقة وتبقى توزيع خطوط كل من الضغط المتوسط والمنخفض . قائلا أن سلطات المحلية والولاية يسعيان لتوفير حل سريع وعاجل، لمسألة ارتفاع أسعار الجازولين، بعد قرار الحكومة الاتحادية رفع الدعم عنه العام الماضي،والذي كبد المزارعين معاناة جمة . معتمد محلية دنقلا، د.الفاتح حسين، ذكر، أنه تم الفراغ من كهربة حوالي (70%) من المشاريع الزراعية الكبيرة أي (20) ألف فما فوق وحوالي(60%) من المشاريع المتوسطة (7 ألف فدان فما فوق). كما تمت كهربة (193) مشروعاًُ صغيراً من جملة (488) مشروعاً . وبين أن خطوط كهرباء الضغط العالي قد تم توصيلها لكل المحلية ولم يتبق إلا خطوط الضغط المتوسط والمنخفض. مبينا إن تكلفة توصيل هذه الخطوط للمشروع الواحد تبلغ (11) ألف جنيها، تدفع الحكومة منها (5) آلاف جنيها والمزارع (6) آلاف جنيها، تقسط على (3) سنوات. مشيرا إلى أن عدم توفر الموارد المالية يشكل "المعوق الأساسي" في تأخر اكتمال توصيل هذه الخطوط إلى المستفيدين منها. محلية دلقو التي تعد أطول محلية في الولاية الشمالية حيث يبلغ طولها 123 كيلو متر لم تصلها حتى خطوط الضغط المرتفع وبالتالي فأن المشاريع الزراعية بها لم تكهرب بعد ومع أرتفاع تكلفة الجازولين فأن أغلب مزارعيها تركوا حقولهم وبدءوا التنقيب عن الذهب كما ذكر مدير مكتب المعتمد بالمحلية، الصديق حسن السيد . أما محلية حلفا فأن الوضع بها يبدو مختلفا نوعا ما، حيث شيدت المحلية العديد من خطوط الضغط المتوسط والمنخفض بها لكن لم تصلها بعد شبكة خطوط الضغط المرتفع كما ذكر ذلك معتمدها أبو بكر محمد عثمان .