تعتبر الحضاره مكون لكل تطور وإنجاز إنساني وهي نظام اجتماعي يعين الإنسان على اثراء ثقافته وعاداته، من الموارد الاقتصادية، والنظم السياحية والتقاليد الاجتماعية ومتابعة تطورات العلوم الثقافية . والحضارة في السودان بدأت قبل الميلاد وهي حضارة عريقة وراقية ، وتدل عليها الآثار المنتشرة في السودان كالأهرامات ، وآثار كرمة القديمة، وحضارة مروي ، والمصورات والنقعة، ومتحف بيت الخليفة بامدرمان والمتحف السوداني القومي. وأوضح الدكتور على احمد قسم السيد أستاذ التاريخ القديم بجامعة الخرطوم إن حضارة كرمة تعد من أقدم وارقي الحضارات الإفريقية، والتي تتمتع بدرجه عالية من الثراء انعكس في المعدات القيمة التي وجدت مدفونة مع ملوكها في القبور المعروفة باسم الدفوفة الشرقية ، واضاف ان أقدم اسم اطلق على كرمة هو اسم "يام" في عهد المملكة المصرية القديمة قبل حوالى 4,500 سنه فى نصوص "حرخوف" حاكم صعيد مصر والذي حضر اليها بغرض التبادل التجاري ، وفى عهد المملكة المصريه المتوسطة تشير النقوش الى المنطقة باسم"كوش" والتى كانت على درجه كبيرة من القوة مكنتها من الوقوف في وجه القوات المصرية الغازية ومنعتها من التقدم جنوبا ، وفى نهاية المملكة المصرية المتوسطة بلغت دولة كرمة "كوش" قمة مجدها وقوتها وتقدمت شمالا وضمت اليها النوبة السفلى لتبلغ حدودها منطقة "اسوان" واقام ملوكها علاقات دبلوماسية مع ملوك "الهكسوس الدلتا" . وفي عهد المملكة المصرية الحديثة وضعت نهاية مملكه كرمة عام 1530 على يد تحتمس الاول. واشار الدكتور قسم السيد ان الحفريات التي اجريت على حضارة كرمة كشفت اثار الحضارة الراقية والتى تميزت بالصناعات الجيدة من الفخار الذي صنع بعناية فائقة والذي تميز بلونه الاحمر المصقول الذي صنع في غاية الروعة والجمال ، كما تميزوا في صناعة الاسلحه خاصة الخناجر والصناعات العاجية . وقال أستاذ التاريخ ان اقدم الدراسات الاثريه التي اجريت على موقع حضارة كرمة هي التى قام بها عالم الآثار الامريكي جورج رايزتل وكان ذلك عام 1916 والتي شكلت الاساس لكل الدراسات الاثرية اللاحقة . واضاف ان الآثار المكتشفة من البعثات الاجنبية العامله في التنقيب من اثار حضارة كرمة تم جمعها وحفظها في متحف حضارة كرمة او متحف"الفراعنه السود" في مدينة كرمة بالولاية الشمالية. وفي ذات السياق اوضح الاستاذ عبدالماجد محمود مدير متحف حضارة كرمة ، ان المتحف جزء من مجمع شامل لم يكتمل بعد وتم افتتاح المتحف عام 2008 م بالتعاون مع الهيئة القومية للاثار والبعثة السويسرية التي عملت لمدة 44 عاما ، واشار الي ان المتحف صمم على الطريقة النوبيه ويحتوي على عرض تسلسلي تاريخي للاثار منذ العصر الحجري القديم الى الفترة المسيحية والاسلاميه . واوضح مدير المتحف الاقبال المتزايد من الزوار المحليين خاصة في الفترة الصيفية والاجازات وتزايد اقبال السياح الاجانب في فترة الشتاء ، مبينا ان المنطقة ستكون منطقه جذب سياحي خاصة بعد افتتاح الطريق الدولى المصري. ونادى مدير المتحف بتوفير الدعم لاكتمال المجمع الذي يحتوي على فندق واستراحة ومكتبة وخدمات حتى يقوم المتحف بدوره كاملا كعامل جذب سياحي للمنطقه ويوفر الخدمات للسياح والزائرين ، ونوه الى ضرورة ايصال المجمع بطريق مسفلت يربط بالشارع الرئيسي وذلك لسهولة الوصول اليه ، مناشدا الاعلام بتسليط الاضواء للمناطق الاثرية الهامة بالسودان داخليا وخارجيا . وعن مجهودات الحكومة في مجال الآثار والسياحة أكد وزير السياحة المهندس محمد عبدالكريم الهدي ان وزارته في سبيل تنشيط الجانب السياحي ليكون داعما للاقتصاد الوطني ، موضحا حرص وزارته للمحافظة على الاثار بوضع الضوابط التى تحاسب المتسببين في اتلافها . مطالبا وسائل الاعلام المختلفة والمهتميين بالقطاع السياحى التعريف بحضارة السودان للعالم الخارجي والجواذب السياحية التى يتمتع بها ,مبينا ان هذا العام سيكون هنالك نهضة كبيرة للمنتديات والانشطة السياحية بهدف استقطاب المشاركين بقطاع السياحة على نطاق العالم والتعريف بالحضارة السودانيه .كما أكد وزير المعادن كمال عبد اللطيف حرص وزارته على الحفاظ على الاثار مشيراً الي ان عمليات الحفريات وضعت لها قوانين وسياسات بحيث لا تتعدى على الاثار لما ثمثله من الموارد الاقتصادية الهامة ، بل ان بعض الدول تعتمد عليها اعتماد كلي فى دعم اقتصادها القومي ، منوها بان السودان يعتبر من الدول الغنية جدا بمواردها السياحية، ودعا للاهتمام بالبنيات التحتية لهذه الموارد للاستفادة منها لتشكل عامل دفع اقتصادى للدولة . مما يجدر ذكره ان كرمة تقع على الضفة الشرقية للنيل وعلى بعد حوالي 40كلم شمال دنقلا حاضرة الولاية الشمالية و جنوب الشلال الثالث فيما يُعرف بحوض كرمة .وتعتبر كرمة منبع الحضارة الإنسانية حيث قامت أقدم واعظم الحضارات في المنطقة ويعتبر مصدر اعتزاز لأهل السودان جميعا حيث المعالم الاثرية (الدفوفة الغربية والدفوفة الشرقية والمدافن الشرقية واخيرا المتحف الذي استقطب السياح من داخل وخارج السوان ومتحف حضارة كرمة والذي تم افتتاحه بواسطة الرئيس عمر البشير سنة 2008 وخُصص في هذا المتحف حيز كبير لتماثيل الملوك السبعة بجانب تماثيل آنلاماني والملك آسبلتا ( كان من أقوى الملوك الذين حكموا المنطقة)كما يشتمل المتحف على لوح الاسم الملكي لشباكا في بداية الأسرة الخامسة والعشرين وآخر للملك نفيربيري من مملكة مروي كما يشتمل المتحف على قطع من الواح معابد آخناتون وصور تمثل الإله آتون بجانب فخار كرمة والعديد من التحف الاثرية .كرمة الحالية مدينة وقرية في آن واحد تجمع ما بين مظاهر المدينة وأصالة الريف مع نسيج إجتماعي رائع حيث مكونات المجتمع من الوان الطيف السوداني منطقة غنية ثقافيا وحضاريا . ن ف