تعتبر النزاعات من أهم وأكبر مصدر من مصادر انتهاكات حقوق الإنسان ، فالنزاع يقود الي العنف والي حالة من الفوضى قد تقود إلي انهيار أركان الدولة الأمر الذي يعني غياب القانون وانتشار دولة الغاب وانتهاكات حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية إضافة إلي تدمير البنية التحتية وتعرض الأطفال الي مآلات نفسية وانحرافية يصعب معالجتها وبنظرة فاحصة علي المسرح الدولي السياسي والاجتماعي يكاد المرء يصل إلي حقيقة مخيفة هي أن الأصل في العلاقات الدولية الحرب والاختصام وليس السلام والوئام . ويحزن المرء حينما يري ان معظم هذه النزاعات والحروب تجري بين المسلمين وفي ديارهم وقد تكون من فعلهم او بتدخلات أجنية غالباً ما تأتي تحت مظلة تطبيق حقوق الإنسان والإسلام في تحذيره من النزاعات استخدام عبارات حاسمة وقاطعة لمنع وقوعها لعلمه بفداحة تأثير النزاعات علي حقوق الإنسان ولم يكف الإسلام بهذا بل وضع أسس راسخة لاحتواء النزاع لو حدث حتى ولو استدعي ذلك استخدام القوة دون بغى .ويمضي الإسلام في محو آثار النزاع بعد وقوعه حتى تعود السكينة والطمأنينة لكافة الأطراف . يستعرض هذا البحث او التقرير مفهوم النزاعات وتطورها وتأثيراتها علي حقوق الإنسان ويبحث في منهج الإسلام في محاصرة النزاعات ومعالجتها. ويستخدم مصطلح النزاع في الأدبيات السياسية والعلمية والاجتماعية بمعانٍ ومضامين عديدة مثلاً تضارب المصالح ، صراع الحضارات ، صراع الثقافات ، نزاع مسلح ، نزاع حدودي ، فالنزاع وضعية يقع فيها المتنازعون إلي تحقيق أهداف متعارضة فالنزاع كلمة تتداخل في معناها مع التنافس والتفرق . وقدم الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل الوزير بوزارة الاستثمار في مؤتمر النزاعات الذي عقد بقاعة الصداقة بالخرطوم في يونيو المنصرم ورقة بعنوان أثر النزاعات علي حقوق الإنسان ومنهج الإسلام في معالجتها تناول فيها تاريخ النزاعات وأسباب النزاعات وحقوق الإنسان وأثر النزاعات عليها وحقوق الإنسان في الإسلام والآثار النفسية للنزاعات المسلحة علي الطفل ومنهج الإسلام في معالجة النزاعات ومراحل معالجته . وفى ورقته اضاف الدكتور مصطفىانه من خلال ما تواتر من أخبار وما جاء في القرآن الكريم يشير الى إن تاريخ النزاعات مرتبط تماماً بنشأة البشرية ووجودها فهو ليس بالتاريخ الذي يمكن تسجيله بعام أو قرن معين وإنما يرجع إلي بداية الخلق البشري ابتدءا بصراع الإنسان مع الشيطان من أجل الاستخلاف في الأرض وهو الصراع الأزلي والذي لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة الدنيا مبينا بانه تأتي مرحلة النزاع الثانية بين الإنسان وأخيه الإنسان ويوردها القرآن الكريم في أسلوب بديع في شكل حوار تنائي بين ابني آدم عليه السلام هابيل وقابيل وهي تصور أول نزاع بشري إذ قدم احدهما قربانا فكان الغضب ثم النزاع والذي أفضي لأول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية لتتوالي النزاعات والصراعات بين الأنبياء وأممهم وشعوبهم ثم بين الأمم فيما بينها والأديان وهو صراع متجدد إلي يومنا هذا بين الثقافات والحضارات والأيدلوجيات والأعراف ليستمر مسلسل النزاع إلي أن يرث الله الأرض وما عليها . وقد تأخذ هذه النزاعات صوراً وأشكالاً متعددة وفق ما تتفق عليه العقلية البشرية التي تتولي صناعة النزاع وإدارته ، ويختلف النزاع في أسلوبه من نزاع هادئ معتدل إلي نزاع عنيف وقاسٍ . أما عن أسباب النزاعات اوضح الدكتوربانه قد تتعدد مصادر النزاع والصراع بتعدد الثقافات والأثينيات والديانات في المجتمع الواحد وكذلك تتعدد بتعدد مصادر الكسب ومصادر الطاقة والمياه والاقتصاد وكذلك تباين الطبقات في المجتمع كما لها أيضاً سبب رئيسي وهو تقاطع وتداخل المصالح بين المجتمعات خاصة القوية منها مما يؤدي إلي قيام حروب طاحنة تؤدي بحياة الملايين من البشر في سبيل تحقيق مكاسب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو عسكرية كما يكون للأيدلوجية والأفكار دور كبير في النزاع واحترام الصراع . وعن حقوق الإنسان وأثر النزاعات عليها قالت الورقة تتمثل حقوق الإنسان في مجموعة من الحقوق تتمثل في حقه في الحياة وعدم إخضاعه للتعذيب أو الحط من كرامته وعدم استرقاقه والاعتراف بحقه في الحرية والتعبير عن رأيه بحيث لا تتعارض مع حرية الآخرين ووفق ما ينظمه القانون . وحق كل إنسان وكل مواطن في الأمن علي شخصه وماله وأهله وعدم حبسه أو توقيفه إلا بالقانون وحق كل إنسان في الملكية الخاصة وحقه في حرية التنقل واختيار مكان إقامته في داخل حدود دولته ومغادرتها والعودة إليها متي ما شاء ، وحق كل مواطن في المساواة أمام القانون . وله أيضاً حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تتمثل في حقه في العمل والعيش الكريم وتوفير الحماية الاجتماعية له وحقه في الرعاية الصحية والغذاء المكافئ والتأمين الاجتماعي وفي السكن وحقه في التعليم والثقافة وحقه في المشاركة في اختيار من يحكمه وفي الطريقة التي يحكم بها ومن البيئة السياسية التي يعيش فيها . هذه الحقوق تم التعبير عنها في العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأممالمتحدة عام 1948 غير أن الإسلام سبق هذه المواثيق والاتفاقيات بقرون عديدة منذ بعث الله تعالي رسوله (ص) بالإسلام ، حيث جعل من أهم أهدافه تحرير الإنسان ورفع شأنه وتوفير أسباب العزة والكرامة والشرف له امتداداً لتكريم الله تعالي لهذا الإنسان الذي أعلن تكريمه وتفضيله . وحينما تحدث الرسول (ص) للأمة في حجة الوداع مبينا قائمة من السياسات ألكبري التي تتأسس عليها الأمة وأراد الرسول(ص) أن يقول كلمته الأخيرة لأمته في لحظة الوداع تم بتركها هي وإبداعاتها وابتكاراتها وجعل من القضايا ألكبري التي ستواجه الأمة حرمة الدماء حرمة المال حرمة الأعراض . وقد اهتم المفكرون المسلمون بتوضيح حرص الإسلام علي الفرد والمجتمع وضمان حقوقه التي بينها الإسلام يوضح في نصوصه وأصوله الشرعية من الكتاب والسنة وصدر ت في ذلك إعلانات ومواثيق منها الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام والتي تتضمن بعض الأمور منها الأمور التالية: - الحقوق الأولية ( حق الحياة، حق الكرامة ،حق المساواة وحق الحرية ) - حقوق الأسرة (حقوق الزوجين التي منها حقوق المرأة وحقوق الوالدين وحقوق الأولاد التي منها حق الطفولة) - حق التعليم والتربية - حق الملكية ويرتبط له حق العمل والضمان الاجتماعي - حق المواطنة ( حق الانتماء والجنسية ، حق التنقل واللجوء ) فقد كرم الإسلام الإنسان جنيناُ في بطن أمه وطفلاً وشاباً وكهلاً ذكرا وأنثي وأمر بصيانة دمه ان يسفك وصيانة عرضه أن ينتهك وصيانة ماله ان يغتصب ونسبه أن يبدل ووطنه إن يخرج منه أو يزاحم عليه هادفاً إلي تكوين المجتمع الإسلامي الفاضل الذي يقوم علي وحدة الأصل . كما جاء في كتاب الأستاذ عبدالله سلامة رؤية الإسلامي لحقوق الإنسان واصفاً دين الإسلام وإقبال العديد من الحقوق التي تتجسد في هذا الدين فأن دين محمد (ص) حامي الدمار حارس الذمم والأعراض دين الكرامة والشرف ، دين الأمانة والعفاف والمروة والبطولة . كل هذه الحقوق تتأثر بدرجات مختلفة بالنزاعات وبتوقف مدي التأثير وحجمه بطبيعة النزاع وحجمه فالنزاع قد يكون ين اثنين أو مجموعتين أو قبيلتين ، نزاع داخلي في داخل الدولة أو نزاع خارجي مع دولة أخري . ويمتد العنف القائم علي النوع الاجتماعي في كثير من الأحيان الي مرحلة ما بعد النزاع فمن الشائع إن تبدأ موجة جديدة من العنف المنزلي في أعقاب النزاع كمحاولة من الرجال للتعامل مع صدمات الحرب التي لم يستطيعوا معالجتها أما بالنسبة للأطفال في مناطق النزاعات فتبشر تقارير الأممالمتحدة إلي إن الأطفال من أكثر الفئات تأثراً بالنزاعات فتنتهك حقوقهم في التعليم والصحة وغيرها من الحقوق . تشير هذه التقارير إلي أن الأطفال الذين يعيشون في البلدان الفقيرة المتأثرة بالنزاعات يواجهون مصاعب ضخمة تحول دون التحاقهم بالتعليم الابتدائي ولذلك نجد 28 مليون طفل ممن هم في سن المدارس الابتدائية غير مقيدين بالدراسة إلي ما يساوي 42% من مجموعة الأطفال الذين يعيشون في البلدان الفقيرة المتأثرة بالنزاعات المسلحة معرضون بمقدار الضعف للوفاة قبل بلوغهم الخامسة من العمر مقارنة بنظرائهم في بلدان فقيرة أخري. أما الآثار النفسية للنزاعات المسلحة علي الطفل فتصبح الآثار النفسية للنزاعات المسلحة علي الكفل عن فقدان المقومات الأساسية لعيشه في مجتمعه في ظروف تضمن له التوافق النفسي ومستوي الصحة النفسية المطلوبة وذلك بسبب التهويد أو القتل وفقدان معالم الحياة الاجتماعية التي يتشبث بها الإنسان لتجديد ذاته وتحديث هويته وبناءً عليه فإن الآثار النفيسة الناتجة عن النزاعات المسلحة هي الاضطرابات النفسية التي تصيبه مثل حالات القلق والهذيان والاضطرابات الذهنية والانفعالية ، ويمكن أيضا إن يتم التعرض للقصور الجسدية أو العقلية أو كليهما مهما كان العمر والمستوي العقلي فالطفل يفقد والديه ومدرسته ورفاقه كذلك الصدمات والتوترات النفسية واضطرابات التوتر الحاد وتوتر ما بعد الصدمة وغيرها من الحالات النفسية . إن ما يمكن أن يمارس من عنف تجاه الأطفال إثناء النزاعات المسلحة يمكن أن يكون كفيلاً بتعديل اتجاه مجتمع كامل نحو الزيادة في العنف بين إفراده . فلابد من إيجاد مراكز للإرشاد والدعم النفسي والاجتماعي للأطفال إضافة إلي توفير المؤسسات التربوية والتعليمية والصحية التي تعمل علي إيجاد جو مساعد للنمو السليم للطفل ، إن الطفل هو الخاسر المشترك في النزاعات المسلحة لدي طرفي النزاع ومن المهم لنا التنبيه لذلك والعمل التخفيف من آثار النزاعات قدر الإمكان عن أطفالنا الذين سيرثون المستقبل . + منهج الإسلام في معالجة النزاعات : أهتم الإسلام أيما اهتمام بالسلام والاستقرار والطمأنينة فبالإسلام ينعم الإنسان بحقوق كاملة دون انتهاكات وتناول القرآن الكريم موضوع السلام في كثير من المواقع وحذر من النزاع والخصام والصراع فالنزاع هو نقيض السلام وحض الإسلام علي السلام فقد حذر وأنذر من النزاع وإذا حدث النزاع عمل علي احتوائه وخضوعه . أما بخصوص مراحل معالجة الإسلام للنزاع فقد بين الدكتور مصطفى فى ورقته بان لديه عدة مراحل أولاً : التحذير والعمل علي منع حدوث النزاع فإن النهي عن التنازع يقتضي الأمر بمنع أسباب التنازع وموجهاته من شقاق واختلاف واختراق والمرحلة التي تلي التحذير هي مرحلة الاحتواء والصلح وهذه تأتي بعد حدوث النزاع وأول خطوات هذه المرحلة هي الحض علي العفو والصلح وإصلاح ذات البين مما يطلق عليه حديثاً المساعي الحميدة والوساطة والخطوة التي تلبي هذه المساعي الحميدة والوساطة والخطوة التي تلي هذه هي التحكيم بين المتخاصمين ثم التراضي . أ/ا المرحلة الثالثة فهي مرحلة فض النزاع باستخدام القوة وذلك حتى لا يستفحل النزاع وينتشر . والمرحلة الرابعة بعد احتواء النزاع وخضعه ما يسمي اليوم بمرحلة تثبيت السلام أو مرحلة صناعة السلام وهي تعتمد في الأساس علي إعادة بناء الثقة بين الأطراف المختلفة والنظر في جذور النزاع وأسبابه وإيجاد المعالجة الناجعة له بما في ذلك رد الحقوق لأهلها والعمل علي بث روح العفو والتسامح والإخوة بين أفراد المجتمع .