اطلق الخبير محمد الخولى وهو من طليعة محللي الاتجاهات الجيوسياسية على المستوى الدولي. وهو من مواليد نيودلهيبالهند،صيحة تحذير تحت عنوان المياه والسلام والحرب وجاءت صيحة التحذير من منظور الدرس والتحليل العلمي، بشأن ما قد ينتظر العالم خلال عقود مقبلة من هذا القرن الجديد، من أزمات تتصل بالمياه من حيث توافرها وارتفاع معدلات استخدامها، فضلاً عن تفاقم عنصر الشحّة أو الندرة في مجال الموارد المائية. وحرص الخولى على تأكيد البديهية التاريخية والعملية التي تنطلق من المبدأ السماوي الكريم: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) ومن ثم توقع تزايد الحاجة إلى المياه الصالحة للاستخدام مع تزايد حجم سكان كوكب الأرض، وهو ما قد يؤدي، في تصوّره إلى ما يصفه بأنه الصراعات الهيدروليكية التي تدور بداهة حول الموارد المائية في كثير من مناطق العالم، يستوي في ذلك عدة قارات بقدر ما تستوي أيضاً دول نامية ودول متقدمة، توشك في مجموعها على مواجهة تلك الأزمات في توافر مصادر المياه.وهو ما يدفع إلى تصنيف الماء في المراحل الزمنية غير البعيدة على أنه الذهب الأزرق، أسوة بما سبق من تصنيف البترول على أنه الذهب الأسود، فضلاً عن المعدن النفيس الأصل، وهو الذهب الأصفر بطبيعة الحال. وحرص الخولى أيضاً على التنبيه إلى أن اتفاقات استخدام مياه الأنهار المشتركة بين عدة أقطار مختلفة في عدة قارات، تجاوزها زمن التطور، بعد أن سبق إبرامها والتوقيع عليها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف عقد الأربعينيات من القرن الماضي، وهو ما يستوجب مراجعة بنودها وتقوية مضمونها، وبما يمكن أن يقي العالم من صراعات في المستقبل. معروف طبعاً ماذا يقصد الناس بالذهب الأصفر، هو بداهة معدن الإبريز، النفيس الذي تحال إليه كل النفائس، وكل ما هو قيّم وغال وثمين في حياة البشر. معروف أيضاً ماذا يقصد الناس بالذهب الأسود: هو بدوره ذلك السائل المستخرج من باطن الأرض أو من قاع البحر، البترول الذي لا يقل عن قرينه، الأصفر اللامع من حيث نفاسته التي يترجمها الناس في طول عالمنا وعرضه إلى وقود وطاقة تدار بواسطتها عجلة الحياة فوق سطح كوكبنا- إنتاجاً ونقلاً وحركة وحضارة فما بالنا أيضاً بما يسفر عنه هذا الأسود النفيس من مشتقات متعددة الوجوه والقيمة والاستخدامات. ماذا إذن عن الضلع الآخر، الأخير من الثالوث، ماذا عن الأزرق، وبالتحديد عن الذهب، الأزرق؟ يقول انه المصطلح الذي نراه مستجداً، وإن كان قد شق، ولا يزال يشق، طريقه في أدبيات الفكر والسياسة - ومن ثم، الإعلام في زماننا الراهن. واضاف الخولى ببساطة شديدة، الذهب الأزرق تلخصه كلمة واحدة: الماء. وبرغم أن الأزرق قد جاء في نهاية المثلث الذي ألمحنا إليه، بعد الأصفر والأسود، ففي تصورنا أن الأزرق ينبغي أن تكون له الأولوية، لا بالنسبة للترف أو الأبهة أو الزينة، ولا بالنسبة للطاقة والإنارة والصناعة والنقل، ولكن الأولوية هنا تتصل أساساً بالحياة في أصلها وفي جوهرها. أن الماء هو أصل الحياة، وهو بهذه الصفة يتجلى في نظر الدارسين المعنيين بأهم القضايا الجوهرية التي تسيطر على حياة سكان العالم بشكل عام، وفي طليعتها قضية الحرب والسلام. يوضح الخولى حقيقة بالغة الأهمية، حين يقول إن سعر التجزئة الذي تباع به قنينة المياه المعبأة ما زال أغلى من السعر العالمي لزجاجة النفط الخام. و يضيف ليس لنا أن نركن إزاء هذه الميزة إلى حالة من الغفلة أو السبات العميق. لماذا؟، ببساطة لأن ليس هناك بديل أي بديل يمكن أن يحل محل الماء، بينما هناك من يشير إلى مصادر وموارد شتى يمكن أن تشكل في مجال الطاقة بديلاً عن النفط. هي حقيقة بسيطة مباشرة، لدرجة البديهية بطبيعة الحال، ولكنها كفيلة بأن تفتح كل العيون والأفهام على معنى وجود الماء في حياة الإنسان: توافراً وغزارة أو شحة وندرة على السواء. في هذا السياق، يوضح الخولى أن الدنيا تغيرت، فيما تبدّلت الأوضاع التي عهدناها، وهو يرسم الخريطة التي يتصورها في هذا الصدد على النحو التالي: في الماضي: كانت الدول تخوض غمرات الحرب صراعاً على الأرض. في الحاضر: يشهد العالم أكثر من صراع على مصادر الطاقة. أما في المستقبل: فالمسألة سوف تتغير، حيث يتحول العالم إلى الصراع على المياه. وهذا الصراع، كما يتصور المؤلف، كفيل بأن يرسم على الأرجح صورة الزمن الآتي في طول العالم وعرضه. بل على الأرجح أن يشتد هذا الصراع بحكم اشتداد ندرة أو شحة موارد المياه المتاحة لسكان عالمنا. لقد زاد سكان هذا العالم بمقدار 3.8 أضعاف على مدار القرن العشرين، فيما زاد معدل استخدامهم للمياه بواقع تسعة أضعاف. وبالمقاييس نفسها فقد تجاوز سكان كوكبنا رقم السبعة مليارات، ومن ثم، فالحقيقة الدامغة تقول بأن أكثر من نصف البشر أصبحوا يعيشون في مناطق تعاني بشكل أو بآخر أزمة في المياه، أو هي مصابة بنوع أو آخر من مظاهر الجوع، المائي إن صح التعبير. والأكثر من هذا أيضاً، أن هذا النصف كفيل بأن يصل إلى الثلثين من سكان المعمورة خلال سنوات العقد المقبل، فيما تعاني نسبة الخُمس (20 في المئة) من سكان العالم، بالفعل، ضروب المشقة في الحصول على احتياجاتهم من المياه الصالحة للشرب.كما ان الندرة في مياه الشرب تؤدي إلى الإصابة بأمراض شتى، وهذه الندرة المائية التي تعانيها أجزاء محرومة من العالم، أصبحت تمثل أكبر عنصر لإزهاق حياة البشر على سطح الكوكب، وفي هذا المضمار، لا يفوت البروفيسور شيللاني أن يرصد تلك المفارقة المفعمة سخراً ومرارة. حين يضيف قائلاً: ومن عجب أن هناك عدداً من البشر من مالكي الهواتف المحمولة يفوق نظراءهم ممن لا يزالون محرومين من سبل الوصول إلى خدمات الصرف الصحي التي تحتاج بداهة إلى توافر المياه. وجه الخولى خطابا تحذيريا إلى الأوساط العالمية المعنية بحياة البشر وصحة الكوكب الأرضي الذي يعيشون على سطحه، وفي مقدمها - كما هو معروف - منظومة الأممالمتحدة، وعلى وجه الخصوص، الدائرة المعنية بهذا الأمر، وهي منبثقة عن الأممالمتحدة، وتحمل العنوان المطول التالي: فريق الخبراء الحكومي الدولي المعنى بتغيّر المناخ.ب (أيها السادة: أرجوكم أن تنسوا في هذه اللحظات الفاصلة قضايا من قبيل إزالة - اجتثاث الغابات أو تغيّرات المناخ أو ارتفاع درجة الحرارة أو زيادة منسوب سطح البحر أو انبعاثات البترول وسائر أنواع الوقود الأحفوري، صحيح أنها قضايا لها أهميتها، لكن الأصح والأخطر، ما يتمثل في الأزمة المقبلة والمتعلقة بما وصفناه بأنه الذهب الأزرق.) يقول الخبير الخولى هذا الأزرق النفيس، انتهى عصره الذهبي الذي نعمت به البشرية في عهود وأحقاب ماضية، ففي أرجاء شتى من العالم، راح عهد المياه المأمونة، الرخيصة، والمتاحة في يسر وسهولة، وأصبح يحل محلها حقبة جديدة من مشكلات التوافر وعقبات الإتاحة، فضلاً عن قضايا جودة المياه ذاتها، وحسن نوعيتها بطبيعة الحال، ولا تنسوا - يضيف المؤلف موضحاً ومنبهاً أيضاً - فإن تفاقم أسعار المواد الغذائية، وكل هذه الظواهر الواجب التنبه لها، من شأنها أن تفضي بدورها إلى ظاهرة ذات نمط مستجد في أجرومية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وهنا أيضاً يتطرق هذا التذكير إلى ما أورده الإرهابي الصهيوني الذي رحل أخيراً، أرييل شارون، في مذكراته، حين أشار إلى أنه من أهداف حرب عام 1967، ما كان متصلاً بأهمية السيطرة على الموارد المائية، سواء في نهر الأردن أو في مرتفعات الجولان السورية، وينطبق المقياس نفسه على حرب الهندوباكستان في عام 1965 في مناطق جامو وكشمير الجبلية، حيث يصف المؤلف هدف باكستان العسكري، بأنه كان يرمي إلى الاستيلاء على منطقة تتدفق على صعيدها مياه الفيضان المتأتية من ثلاثة أنهار دفعة واحدة. في كل حال، ينقل الخولى عن إحصاءات منظمة الأممالمتحدة ما سجلته من وقوع أحداث عنف مرتبطة بصراعات المياه، بلغت 37 حالة صراع بين الدول، منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عند منتصف الأربعينيات من القرن العشرين. وقد يسترعي الانتباه ما لجأ إليه الخولى، وهو بصدد تأصيل الصراع على موارد المياه عبر التاريخ، أنه يتوقف عند كلمة "رافال"(Rival) بمعنى الغريم المنافس (وهي الكلمة نفسها في اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية)، والغريب أن الكلمة تشتق معناها من الأصل اللاتيني (رفاليس) الذي يفيد حرفياً معنى (الفرد الذي يستخدم المجرى المائي نفسه). على مستوى القانون الدولي، يحرص الخولى على تحليل الاتفاقيات الدولية التي يتم من خلالها تنظيم استخدامات المجاري المائية المشتركة بين جماعات الدول أو الشعوب: يفيدنا عن الفترة الفاصلة منذ انتهاء إبرام وتوقيع ما يصل إلى أكثر من 200 اتفاقية مائية دولية. ولكنه من منظور الدرس والتحليل، يصف أغلب هذه الاتفاقات بأنها تعاني من الأنيميا الهيكلية، بمعنى أنها لا تضم آليات تكفل حل المنازعات التي قد تنشب، وقد نشبت بالفعل، بين أطراف هذا الاتفاق أو ذاك، بل إنها لا تحتوي القواعد الموضوعية الكفيلة أيضاً برصد مسار التطبيق العملي للاتفاق المبرم بين الأطراف. فضلاً عن أن معظم هذه الاتفاقات، ما زالت تفتقر إلى أحكام تقضي بتقسيم الحصص المائية بين تلك الأطراف (وهنا نستطيع، كقارئين، أن نشير إلى بوادر الأزمة المحيطة حالياً بما يعرف باسم سد النهضة، الذي ما برح يثير مشكلات حياتية بكل معنى الكلمة، على مستوى حوض نهر النيل، وبخاصة بين ثلاثي الدول النيلية المعنية مباشرة بالقضية، وهي إثيوبيا ومصر والسودان. وفيما تظل أفريقيا مرشحة لمشكلات مائية يمكن أن تثور ما بين ضفاف أنهارها ومجرى تلك الأنهار، وبخاصة نهر النيل والكونغو، إلا أن مؤلف الكتاب ينبه بالذات إلى أن أفريقيا يمكن أن تتقي نسبياً وقوع أزمات مستحكمة، إن لم تكن خانقة، بالمقارنة مع القارة الآسيوية .