- تعتبر المياه من العناصر الرئيسية للحياة ولكل نشاط اقتصادي وحيوي على الأرض ، وهى حجر الزاوية لكل تنمية زراعية واجتماعية واقتصادية، لذا تنال المصادر المائية في الوقت الحاضر اهتماماً كبيراً في معظم دول العالم وعلى وجه الخصوص المناطق الجافة وشبه الجافة التي تعانى من ندرة في مصادر المياه المتجددة. و تعد المياه العذبة عصب الحياة، فمن دونها لا تستطيع الكائنات الحية أن تعيش، وترتكز عليها عجلة التنمية والتطور في المجتمعات كافة، وقد غدت هاجساً كونياً كما تعتبر ندرة المياه من أهم المعضلات التي تواجه العالم و تتعرض لها العديد من الدول خاصة الدول النامية . ويشير تقرير الأممالمتحدة الصادر تحت عنوان "المياه في عالم متغير" إلى أنه بحلول عام 2030 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق شحيحة المياه، متضمنين ما بين 75 مليون نسمة إلى 250 مليون نسمة في إفريقيا وحدها، بالإضافة إلى أن شح المياه في المناطق الجافة وشبه الجافة سيؤدي إلى نزوح ما بين 24 مليون نسمة إلى 700 مليون نسمة، وذلك نظراً لتعرض موارد المياه للجفاف والنضوب، ما سيخلق أزمة عالمية لكل إنسان على وجه الأرض، في حين يواجه حالياً ما يقارب مليار فرد، أي سدس سكان العالم، نقصاً شديداً في المياه بشكل يومي، وبالأخص في المناطق الكثيفة سكانياً، إذ ستستهلك كميات كبيرة من المياه، الأمر الذي سيؤدي إلى نضوب الإمدادات في غضون 20 عاماً. ومشكلة المياه العالمية تتزامن مع تفشي الفقر ، حيث أن الأفراد الذين يعيشون على أقل من 1،25 دولار في اليوم لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، وترتبط 80% من الأمراض في الدول النامية بالمياه والتي تؤدي إلى وفاة أربعة ملايين فرد سنوياً . وأهم الأسباب التي أدت إلى ظهور أزمة مائية عالمية وفقا للتقارير الصادرة عن الأممالمتحدة تتمثل في سوء إدارة واستغلال موارد المياه ،السياسات البيئية الخاطئة ، والاستنزاف المفرط للثروات الطبيعية ، تلوث المياه العذبة بصورة مباشرة او غير مباشرة ،ازدياد عدد السكان مقابل الموارد ،التغير المناخي وذوبان الأنهار الجليدية ،وتقدم المياه المالحة في السواحل نحو الطبقات المائية عندما تُستنزف المياه الجوفية. ويعد السودان من الدول النامية التي تتمتع بإمكانيات مائية كبيرة ويمثل مستودعا وفيرا لكل وسائل المياه التقليدية سطحية وجوفية كانت أو مطرية وتقدر مساحته حاليًا ب 1.8 مليون كيلومتر مربع بعد استقطاع مساحة جمهورية جنوب السودان وطول سواحله 870 كيلومتر على البحر الأحمر. ويقسم السودان إلى 4 مناطق مناخية تبعا لتدرج هطول الإمطار: منطقة المناخ الصحراوي: تمتد شمال خط عرض 18 شمالاً حتى حدود السودان الشمالية حيث لا يتعدى معدل المطر السنوي 50مم. منطقة المناخ شبه الصحراوي بين خط عرض 15 و 18 شمالاً ويتراوح معدل سقوط الإمطار بين 50 و 300مم. منطقة مناخ السافنا وتقع بين خطى عرض 5 و 15 شمالاً ويتراوح معدل سقوط الإمطار السنوي بين 300 و 800مم. منطق المناخ الاستوائي وتقع جنوب خط عرض 5 شمالاً حيث يتراوح معدل المطر السنوي بين 800 و 1600 مم.. وبالرغم من توفر كل تلك الإمكانيات للموارد المائية في السودان إلا انه يعاني من مشكلة واضحة في المياه خاصة في المناطق البعيدة من المدن الكبيرة أو الريفية . ويعتبر عدم توفر مياه الشرب النقية في عدد من المناطق البعيدة عن المدن وخاصة ولايات دارفور من أكبر المشكلات التي تواجه الإنسان والحيوان، وكانت ندرة موارد المياه سبباً مباشراً لمعظم النزاعات القبلية في المنطقة، وتعتبر ولايات غرب السودان من أكثر الولايات التي تعاني أزمة حقيقية في مياه الشرب خصوصاً في فصل الصيف، وذلك لعدم وجود مصادر غير الآبار الجوفية التي ينضب بعضها بعد فترة محدودة من حفرها، كما أن عدم القدرة على تخزين مياه الأمطار لعب دوراً كبيراً في انعدام المياه بالولاية . وتكرس النساء والأطفال في المناطق الريفية في غرب السودان جل وقتهن لجلب المياه من مناطق بعيدة، ما يشكل خطراً على صحتهن وسلامتهن بسبب الرحلات الطويلة التي يقطعنها بعيداً عن مناطقهن وأسرهن بحثاً عن الماء، . وهنالك العديد من المساعي الطموحة للحكومية لحل مشكلة المياه بزيادة الاعتمادات المالية اللازمة لتطوير مرفق المياه، وتضع خططا لتعظيم الاستفادة من مياه النيل. وأعلنت الحكومة السودانية والأممالمتحدة اعتماد مليار دولار لتمويل مشاريع للمياه وجاء الإعلان خلال مؤتمر حول المياه في إقليم دارفور عقد بالخرطوم 2011. ومن المقرر أن يقدم الدعم المالي لتنفيذ 65 مشروعا للمياه على مدى ست سنوات، تشمل مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي ومشروعات التنمية الريفية المتكاملة التي تعنى بالزراعة والثروة الحيوانية والرعاة والبيئة. وتصدم تلك الخطط بحاجز توفر الأموال المطلوبة لإجراء التوسعات في المحطات والآبار وشبكات النقل، فضلا عن افتقاده أغلب الخبرات والكفاءات".إضافة إلى تزايد الهجرة غير المنظمة من الريف إلى المدن وحدوث التوسعات العمرانية واتساع رقعة المنطقة وتبعثر القرى هنا وهنالك بالمنطقة إضافة للنزعات القبيلة المستمرة نسبة طبيعة السكان الرعوية المتنقلة كل تلك الأسباب حالت دون تنفيذ تلك الحلول وعدم جدواها . ومن جانبها تقوم العديد من منظمات المجتمع المدني بتقديم يد العون للسكان المحتاجين لمياه الشرب في العديد من ولايات السودان وخاصة الولايات الغربية . ومن أهم تلك المنظمات منظمة السقيا الخيرية وهي طوعية غير حكومية تعمل في مجال توفير مياه الشرب في الريف السوداني. و تقوم بإنشاء وتمويل مشاريع المياه ، وتعمل المنظمة في المناطق المستهدفة من اجل العمل على رفع مستوى المعيشة من خلال توفر المياه الصالحة للشرب و المساهمة في إحداث التنمية في المناطق المطلوبة، وتجسيدا لمبدأ مشاركة المجتمعات في تنمية مصادر مياه الشرب . وقامت منظمة السقيا بإعداد دراسات خاصة لتوفير مياه الشرب في العديد من الولايات لتحديد مناطق الاحتياج وترتيب الأولويات من ثم وضع الخطط واستراتيجيات المعالجات، وذكر المدير التنفيذي للمنظمة الأستاذ صلاح يوسف ان المنظمة تعمل كحلقة وصل بين الممول والجهة المستهدفة عبر استقطاب الموارد والتمويل للمشروعات المنظمة. . ونفذت المنظمة العديد من مشاريع المياه الناجحة بالريف والتي كان لها الأثر الطيب في استقرار حياة المواطنين ودفع عجلة التنمية في المجالات الأخرى كالصحة والتعليم، حيث بلغ عدد المشاريع المنفذة منذ التأسيس وحتى نهاية عام 2012 حوالي 2420مشروع بتكلفة (57 ) مليون جنيه موزعة على ولايات السودان المختلفة خاصة المناطق المتأثرة بحدة العطش في ولايات كردفان الكبرى وولايات دارفور الكبرى بوجه خاص. وبهذه الحصيلة من المشروعات المنفذة في السودان فقد حققت المنظمة انتشارا جغرافيا واسعاً. كما قامت بعمل دراسات للمشروعات وتدريب الكوادر وبناء القدرات في تلك المجتمعات . و إدخال العديد من التقانات الحديثة لرفع معاناة العطشى كمشروع طي الرشا في دارفور. ومن الابتكارات التي نفذتها المنظمة في مشاريعها استخدام تقنية تحسين الآبار السطحية التقليدية (الدلو) حيث يتم تعميق البئر وتركيب مضخة كهربائية على البئر لرفع الماء في صهريج ثم توزيعه وادي ذلك إلى زيادة إنتاجية المياه الجوفية من مياه نقية وصحية ، ووفرت الجهد والوقت وبتكلفة ربع (1/4 ) تكلفة الآبار الجوفية و تنفيذ عدد من محطات تنقية المياه . ومن أهم التحديات التي تواجه عمل المنظمة مشاكل التلوث وندرة مياه الشرب في أجزاء كبيرة في السودان وخاصة تلك التي تعتمد على المياه السطحية مثل الترع والحفائر ، وتشير الإحصائيات الواردة من مناطق المشروعات المروية إلى ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة بواسطة المياه بمعدلات كبيرة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. وفي هذا الإطار سعت المنظمة إلى عمل دراسات لمسح أوضاع مياه الشرب في تلك المناطق وتحديد الاحتياج وترتيب الأولويات ووضع المعالجات ،واستجلاب وتركيب عدد من محطات تنقية المياه وتركيب 12 محطة لتنقية المياه ممنوحة من شركة مينا ووتر تم تركيبها في ولاية الجزيرة - كسلا - الشمالية - حلفا الجديدة . وتقوم منظمة السقيا الخيرية ومنذ العام 2009 بالعمل في معسكرات اللاجئين ووفق اتفاقية ثلاثية مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومعتمدية اللاجئين بالسودان . واستطاعت المنظمة من تنفيذ نقلة نوعية في خدمات المياه وإصحاح البيئة وتشغيل محطات ظلت متوقفة لمدة طويلة وتمديد عدد من محطات المياه في تلك المناطق . ومن أهم الحلول التي يمكن أن تقوم بها الحكومة اعتماد خطة تطوير "تستجيب للاحتياجات الفعلية لمياه الشرب واعتماد خيار حفر المزيد من الآبار الجوفية في المناطق البعيدة عن النيل" والاستفادة من مياه الأمطار وتخزينها بصورة علمية وآمنة وتوظيف مياه نهر النيل والاستفادة من الأنهار العديدة المنتشرة في السودان لحل مشكلة المياه .