أصبحت مشكلة انعدام مياه الشرب قضية تعاني منها معظم ولايات السودان على مستوى القرى والمدن والارياف وتزداد هذه المشكلة دائماً في فصل الصيف لزيادة الاستهلاك بغرض الشرب للانسان والحيوان، ولكن هنالك ولايات ومناطق معينة تعاني من ازمة المياه طوال العام، وازدادت معاناتها بعد شح معدلات هطول الامطار هذا الموسم خاصة وانها تعتمد على مياه الامطار والحفائر والسدود. ومن بين تلك الولايات التي تعاني من ازمة المياه ولايات دارفور الثلاث التي ازدادت معاناتها في ظل الحرب وعدم الاستقرار الامني الذي ادى لتوقف العديد من مشروعات المياه التي كانت تنفذها الحكومة بتمويل من بنك التنمية الاسلامي بجدة وموارد ذاتية. حاولنا في «الرأي العام» الوقوف على حقائق مشكلة المياه بولايات دارفور وفرص الحل بعد توقيع اتفاقية ابوجا وعودة الهدوء النسبي الآن للاوضاع الامنية .. معاً نقف على الحقائق. ----- تعتبر قضية الحصول على المياه واحدة من اصعب الاشياء في اجزاء واسعة من ولايات دارفور حيث يستغرق الكثير من المواطنين في مناطق مختلفة بولايات دارفور اكثر من ست ساعات في اليوم لعبور ما يزيد عن الخمسة أميال من أجل الحصول على ما يكفيهم من المياه ليوم أو يومين من آبار تقليدية تصل اعماقها إلى أكثر من خمسة عشر متراً في المناطق القروية أما سكان المدن فهم ليسوا باحسن حالاً من غيرهم حيث يعيشون أزمات متكررة في الحصول على المياه سواء كانت عبر شبكات المياه المتهالكة أو عن طريق صهاريج. فحتى هذه اللحظة تعاني اجزاء واسعة من ولاية شمال دارفور من حالة عطش متفاقمة بسبب قلة الأمطار في موسم الخريف الماضي لاعتمادها على مياه الامطار في شكل برك وحفائر أو ترع «ترد»، فازمة المياه في ولايات دارفور ازمة قديمة متجددة ظل يعاني منها الاقليم لسنوات ليست بالقصيرة حيث يرجع الكثير من المراقبين ازمة دارفور الاخيرة إلى ازمة موارد والتي يأتي الماء على رأسها، ففي كتابه«السودان حروب الموارد والهوية». يرجع د. محمد سليمان ازمة دارفور إلى التنافس والصراع الحاد حول موارد الاقليم والتي تمثل المياه رأس الرمح فيها. وتشير تقارير حديثة للأمم المتحدة إلى تفاقم أزمة المياه في الاقليم خاصة في المناطق الشمالية الشرقية من ولاية شمال دارفور والشرقية من جنوب دارفور بسبب قلة الامطار هذا العام، كما تعهد بان كي مون الامين العام للامم المتحدة بعد المصادقة على مشروع القوات الهجين بحل مشكلة المياه بالاقليم مشيراً إلى إنه سيعمل على حل مشكلة المياه بدارفور حتى لا تكون عائقاً للعملية الهجين. ولكن بالرغم من الوضع المتفاقم لمشكلات المياه لم تكن هناك رؤية وبرامج متكاملة لايجاد حلول لازمة المياه في الاقليم حيث بات تضارب الاختصاصات وتداخل الاتجاهات واحداً من اكبر العوائق لحل المشكلة حيث تعمل وزارات التخطيط بالولايات من جهة والسلطة الانتقالية والحكومة المركزية والمنظمات من جانب آخر مما يؤدي إلى غياب الرؤى بسبب تداخل الاختصاصات . الحقائق بشمال دارفور تعد ولاية شمال دارفور من اكثر المناطق التي تعاني من العطش بسبب وقوعها في المناخ شبه الصحراوي حيث تواجه مناطق واسعة من الولاية في (اكتم وام كدادة والطويشة) من الحصول على المياه، ولكن عيسى محمد عبد الله وزير التخطيط العمراني بولاية شمال دارفور يرجع أسباب مشكلات المياه بولايته إلى قلة الأمطار في فصل الخريف الماضي ومبيناً ان ولايته وضعت خطة مكتملة لحل مشكلة المياه بالتنسيق مع جهات كثيرة منها منظمات وطنية وأخرى اجنبية لحفر آبار جوفية وحفائر وصيانة المضخات الموجودة وتابع: عقدنا اجتماعاً مع المنظمات لمعرفة ما تقدمه من خدمات». وحول شبكة مدينة الفاشر يقول الوزير ان شبكة الفاشر أصبحت متهالكة ووضعت لها خطة ضمن ميزانية التنمية لوضع معالجات اسعافية لشبكة الفاشر بحفر سبعة آبار يتم تركيبها وستوفر كمية مقدرة من المياه بجانب مد الشبكة لأطراف المدينة وأيضاً هناك جهود لحل مشكلة العطش بالمعسكرات بصيانة المضخات. وحول مشروع السلطة الانتقالية لمياه المدن الثلاث قال الوزير لم يبدأ العمل الفعلي لمشروع مدينة الفاشر وأشار إلى انهم أبدوا بعض الملاحظات على خطة السلطة مبيناً ان هناك دراسات موجودة وواضحة بتكلفة «8» ملايين بانتظار التمويل. ويقول الطيب صالح القدال وزير المالة بشمال دارفور ان المياه تأتي على رأس اولويات حكومته خاصة بسبب شح الامطار في الموسم الماضي وأضاف: ان هناك برنامج لحصاد باقامة السدود والخزانات والآبار السطحية والطلمبات. واقر الوزير بوجود صعوبات كبيرة في حفر الآبار خاصة ان مناطق مختلفة اراضيها ذات صخور رسوبية. الازمة بغرب دارفور وبالرغم من تمتع ولاية غرب دارفور بمناطق عديدة تحيطها الوديان إلا أنها الأخرى تعاني من ازمات المياه خاصة في مناطق «قارسيلا وام دخن» كما ان الجنينة عاصمة الولاية غير بعيدة من ازمة المياه، فمنظر الحمار يحمل «خرج» المياه على ظهره من المناظر المألوفة بالمدينة. لكن كمال عبد الله وزير التخطيط العمراني بغرب دارفور يقول ان هناك مجهودات بذلت لتوفير المياه بالولاية عبر دراسة وضعت تحتوي على أكثر من عشرة آبار بجانب عمل شبكة توصيلات بطول «50» كيلو متراً، في مدينة الجنينة بتركيب «10» صهاريج كبيرة بالاضافة لشبكة مدينة زالنجي بطول «71» كلم وزيادة الآبار، كما يجرى العمل على تركيب ثلاثة صهاريج بالمدينة إلا أن العمل توقف بسبب عدم إيفاء وزارة المالية الاتحادية بالتمويل واضاف «هناك بئر أخرى وعدد مقدر من مواسير البولسين وصلت لوزارة التخطيط بالولاية كما ان هناك تحسناً واضحاً بالولاية حيث ان هناك «15» محطة بالمدن الكبيرة بالولاية إلا ان الوزير أقر بوجود بعض المشكلات ومازالت هناك اشكاليات تواجه العمل حيث توجد احياء داخل الجنينة تعاني بسبب الوديان بجانب عدم وصول الشركة المنفذة لمناطق مكجر وامدخن. واوضح الوزير ان هناك دراسات لتوفير المياه بالمحليات. وأشار الوزير الى ان وزارته تعمل بالتنسيق مع منظمة اليونسيف واليونميد لتوفير المياه في بعض المناطق. وتابع: «هناك وعود من السلطة الانتقالية عبر مفوضية اعادة الاعمار بحفر مائة بئر واثني عشر سداً واربعة عشر حفيراً إلا انه لم يتم حتى الآن تنفيذ شيء منها. واشار الوزير الى غياب التنسيق بينهم والسلطة الانتقالية حيث قال لم يرجع وفد السلطة الانتقالية الى الدراسات الموجودة حول شبكة مدينة الجنينة. واضاف «ان ناس السلطة الانتقالية عملوا لينا خرمجة كبيرة». أزمة مياه جنوب دارفور اما ولاية جنوب دارفور هي الاخرى تعاني في اجزاء واسعة منها من اشكالات المياه خاصة في مناطق ياسين وعسلاية وابو جرادل ومناطق طول وابوري» التي يعاني سكانها من عدم توفر المياه حيث تعيش منطقة (طول) التي يسكنها اكثر من عشرة الآف نسمة على صهريج واحد يتعطل احيانا ويضطر المواطنون الى جلب المياه من مسافة اكثر من «04» كيلومتراً ، وعندما اتصلنا بآدم ابراهيم مفضل وزير التخطيط بجنوب دارفور قال انه ليست لديه خلفية عن موضوع المياه بالولاية حيث طلب امهاله حتى يجد معلومات اكثر ولكن عندما اتصلت به بعد ذلك لم يرد هاتفه. أزمة المياه والسلطة الإنتقالية تبنت السلطة الانتقالية بدارفور ضمن برامجها بعض مشروعات المياه منها مشروعات مياه المدن الثلاث «نيالا- الفاشر- الجنينة» عبر صندوق إعمار دارفور بجانب حفر «358» بئراً ومحطة مياه بالولايات الثلاث إلا انه بالرغم من مرور اكثر من ثلاثة اعوام ونصف العام على عمر السلطة الانتقالية إلا انه ليس هناك اي عمل ملموس في مجال المياه. وسارعت السلطة الانتقالية الى نفي عدم بداية العمل بمشروعات المياه، ويقول د.محمد سليمان مدير المشروعات بالسلطة الانتقالية بدارفور ان العمل بدأ في مشروعات المياه منذ فترة وبالتحديد في بداية شهر يناير الجاري حيث تسلمت الشركة المنفذة مواقع العمل بعواصم الولايات الثلاث بالتنسيق مع الوزارة وإدارات المياه حيث وصلت الدفعات الاولى من الانابيب تقدر ب «232» مليون جنيه ممولة من وزارة المالية الاتحادية عبر سندات بفترة سماح عامين. واضاف: تحتوي الشبكة على «950» كيلو متراً بجانب «51» خزاناً ارضياً ومثلها علوياً بمتوسط «3- 5» آلاف متر مكعب في اليوم بتوفير مولدات كهرباء لمواجهة قطوعات الكهرباء. وتابع: العمل يجري على تزويد نيالا من محطة حوض البقارة التي تعمل على توفير «45» الف متر مكعب في اليوم من مسافة تصل الى «80» كيلو، كما يجري العمل على تزويد الفاشر من حوض شقرة بطول «61» كيلو متراً غرب الفاشر بجانب محطة حوض ديسة وزيادة الآبار بالتنسيق مع الهيئة العامة للمياه وقوات اليونميد والذين وافقوا على حفر «40» بئراً بالمدن الثلاث بجانب الاممالمتحدة التي وافقت على تأهيل «خزان قولو» والذي يمكن ان يوفر نصف حاجة المياه بالفاشر، واستهجن محمد سليمان الحديث عن تضارب الاختصاصات بين الادارات بالولايات، وقال نعمل بالتنسيق مع الوزارات المعنية وتحت اشراف مديري التخطيط وتابع: «حتى اذا كانت هناك خلافات فهي قابلة للنقاش»، وحول توقف العمل قال سليمان ان العمل لم يبدأ حتي يتوقف بسبب وجود مشكلات في السندات لان البنوك لا تقبل سندات وزارة المالية بجانب عدم التزام المالية بالوفاء بمطلوبات السندات. مبيناً ان التمويل عبر السندات يواجه مشكلات بين الشركة المنفذة والبنوك مما يؤدي الى ضياع شهور في عملية الإيفاء بالتزامات المالية. تباطؤ العمل اوكلت السلطة الانتقالية للمفوضية امر تنفيذ «853» محطة مياه بولايات دارافور الثلاث وبالرغم من مرور اكثر من ثلاثة اعوام من عمر السلطة والمفوضبة إلا ان امر محطات المياه لايزال في اطاره النظري فحتى الآن لم يبدأ العمل في ولايتي شمال وغرب دارفور، وان كان هناك القليل الذي بدأ في جنوب دارفور. ولكن آدم حمدان علي الامين العام لمفوضية اعادة الاعمار والتأهيل يرجع اسباب تباطؤ العمل في مشروعات المياه لعدم التزام المالية بسداد مستحقات الشركات التي وقع عليها العطاء، واضاف حمدان: ان جذور ازمة دارفور تعود الى الاحتكاكات حول المياه وعلى هذا الاساس وضعت السلطة الانتقالية خطة استراتيجية لحل مشكلة المياه عبر دراسات تمت بالتعاون بين المفوضية وهيئات المياه بكل ولاية. ووفقاً للاحتياجات الضرورية. واضاف بذلك توصلت الدراسات الى اقامة «358» محطة مياه بولايات دارفور الثلاث وفي مايو من العام 2008 تم توقيع العقود مع الشركات المنفذة ودفعت المالية مقدماً لبعض الشركات فيما لم يتم الدفع للشركات الاخرى مما عطل العمل. وفي رده على السؤال حول ما تم تنفيذه حتى الآن قال تم تنفيذ «64» محطة بجنوب دارفور «73» للشركة التي تسلمت المقدم والتسعة الاخرى التي لم تستلم اي مقدم. وذكر ان هناك بعض الشركات ذهبت واستلمت مواقعها وبدأت الاجراءات الاولية إلا انها توقفت لعدم التزام وزارة المالية بسداد مستحقاتها المالية. واضاف: ان التكلفة الكلية لمشروعات المياه بالمفوضية تبلغ «73716» مليون جنيه سوداني دفع منها فقط «10.561» مليون مما يمثل قيمته «41%» من القيمة الكلية وقال ما تم تنفيذه كان في ولاية جنوب دارفور حتى محليات عد الفرسان، وبليل، ورهيد البردي، وعسلاية وعديلة والضعين. حصاد المياه وفي السياق اكدت وزارة الري استمرار العمل لحل مشكلات المياه بانتهاج وسائل حصاد المياه. وذكر المهندس كمال علي محمد وزير الري في حديثه ل«الرأي العام» ان مشروعات حصاد المياه تمثل اهم اولويات المرحلة المقبلة عبر انشاء الحفائر والسدود. واضاف ان التحسن والاستقرار الذي تشهده ولايات دارفور سيساعد في تنفيذ مشروعات المياه بحفر اعداد كبيرة من الآبار الجوفية والسدود والحفائر. واوضح انه تم توفير اعتمادات مالية مقدر للمياه بولايات دارفور في موازنة العام 2010.