مرة أخرى تواجه الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية آفاقاً غير معلومة حول مستقبل جولة مفاوضات الدوحة، ويعود جزء منها إلى خلاف حول المعونات بين الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من مرور ثمانية أشهر منذ انغماس منظمة التجارة ومديرها العام، روبرتو آزفيدو، في هذه المباحثات، إلا أن النقاش حول المعونات الزراعية لا يزال القضية الأكثر صعوبة بسبب تأثيراتها الكامنة في سبل عيش أكثر من مليارين من المزارعين حول العالم. وعندما تعود الدول الأعضاء من عطلتها الصيفية الأسبوع الماضي لن يبقى أمامها سوى 12 أسبوعاً لتحقيق نوع ما من التوافق قبل المؤتمر الوزاري العاشر للمنظمة في العاصمة الكينية نيروبي في الفترة من 15 إلى 18 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. الرأي العام السائد لدى الأمانة العامة لمنظمة التجارة أنه ينبغي للصين والولايات المتحدة إما حل خلافاتهما، أو إزالة موضوع المعونات المحلية للزراعة من مفاوضات جدول أعمال الدوحة الإنمائي إذا أرادتا أن تضمنا أي إتفاق متعدد الأطراف هذا العام. وكانت الدول الأعضاء في مؤتمر الدوحة الوزاري عام 2001 قد وافقت على تقليص حجم التمويل المباشر وغير المباشر الذي تقدمه إلى المزارعين. وطبقاً لتفويض الدوحة، فقد اتفقت الدول الأعضاء على تقليص جوهري في الدعم المحلي المشوِّه للتجارة، لكنها ما زالت منذ 14 عاماً تتفاوض على تفاصيل التقليص. وعلى الرغم من الطموحات النبيلة لجولة الدوحة، فإن فقرة الدعم المحلي أصبحت المنطقة الأكثر صعوبة للمفاوضات الزراعية، بل هي الطريق المسدود لمجمل مفاوضات جولة الدوحة. ويعود جزء كبير من الصعوبة إلى الزيادة الجوهرية في مدفوعات الدعم الحكومي من الاقتصادات الناشئة كالصين والهند، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان بشكل خاص، وأغلب دول العالم. وفي آخر تقرير شفهي له كرئيس لفريق مفاوضات منظمة التجارة في الزراعة، قال السفير جون أدانك، "إنه لا يوجد مؤشر لتحقيق أي تقدم في مجال الدعم المحلي للزراعة"، وبعد التقرير غادر أدانك إلى بلده ليتولى منصباً حكومياً رفيعاً في ولنجتون. وفي الثامن من الشهر الحالي، انتخب المفاوضون الزراعيون (الدول الأعضاء في لجنة الزراعة) السفير النيوزلندي، فانجيليس فيتاليس، رئيساً جديداً للجنة، وفي أول كلمة له خلال جلسة الانتخاب أكد فيتاليس،أنه ليس هناك وقت نضيعه مع المؤتمر الوزاري في نيروبي، وليس هناك بديل للاتصال المباشر مع الدول، التي تعهد بالتشاور معها على نطاق واسع في الأيام المقبلة لمعرفة كيفية إحراز تقدم في مواضيع المعونات الزراعية الصعبة، وبمجرد الانتهاء من هذه الاتصالات سيتم عقد لقاء غير رسمي للدورة الاستثنائية. وأضاف فيتاليس، الذي يعد تاسع رئيس للجنة الزراعة منذ تأسيسها عام 2000، والخامس منذ إدخال مفاوضات الزراعة في جولة الدوحة عام 2001، أنه ليس لديه عصا سحرية، مشيراً إلى أنه بعد التحدث مع سلفه جون أدانك، أدرك أن المفاوضين ما زالوا بعيدين بعض الشيء عن تلك الاتفاق، متوقعاً العمل بجد للوصول إلى تلك اللحظة السعيدة في الوقت المناسب قبل نيروبي. وسبق لفيتاليس، أن عمل سفيراً لدى الاتحاد الأوروبي، والناتو، والسويد وشارك في مفاوضات ما قبل العطلة الصيفية في عهد، أدانك. والمفاوضات التي ستبدأ اليوم في عهد النيوزلندي الثاني، تتركز حول الجدل الأمريكي الصيني حول الكوابح الجديدة التي ينبغي أن تضعها المنظمة على المعونات الزراعية المحلية التي تم توصيفها على أنها "الدعم المشوه للتجارة العامة". ويتم حساب هذا الدعم بإضافة معونات الدولة العضو المشوه للتجارة "الصندوق الأصفر" مع ما هو مسموح لهذه الدولة من "الحد الأدنى" من مستويات الدعم، والمستوى المتفق عليه من دعمها في "الصندوق الأزرق". وابتدعت منظمة التجارة ما يُسَمى آلية الصندوق الأصفر، والصندوق الأزرق، والصندوق الأخضر لتصنيف الدعم المحلي للزراعة. ويُغطي الصندوق الأخضر الدعم الحكومي الذي يُعتبر تأثيره قليلا أو معدوما في التجارة، وعلى هذا الأساس تم استثناؤه من الحدود المسموح بها في تقديم المعونات حسب أحكام المنظمة. ويشكل الصندوق الأصفر كافة أنواع الدعم الذي يضر بالإنتاج الزراعي والتجارة، ويتعين على الدول الأعضاء التي تنفق مبالغ عالية على الدعم الزراعي أن تخفض هذا الإنفاق بشكل عميق، وهو ما يجري التفاوض عليه حالياً داخل المنظمة. ويضم الصندوق الأزرق ما يُسَمى بالحد الأدنى للدعم، وهو مستوى الدعم المحلي المسموح به من قبل المنظمة الذي يعتبر أقل ضرراً للتجارة وهو 5 في المائة من قيمة الإنتاج لسلعة معينة للدول المتقدمة، و10 في المائة للدول النامية. وحسب مصادر منظمة التجارة، فإن جوهر المأزق في هذه المحادثات يكمن في أنه لا يوجد هناك دعم سياسي بين الكونجرس الأمريكي لتحقيق تغيير جوهري ولا حتى طفيف في أحكام الدعم المحلي الواردة في القانون الزراعي لعام 2014، ما لم توافق الصين على أن تجري اقتطاعات جوهرية في دعمها المحلي. ويقول المفاوضون التجاريون الأمريكيون، ومعهم الأوروبيون واليابانيون "إنهم سعوا إلى الحصول على تنازلات من الصين فقط في ميدان الزيادة الهائلة في معوناتها للزراعة التي حققتها منذ بدء جولة الدوحة عام 2011، لكن الصين قاومت بحدة هذه الجهود لتقليص معوناتها الزراعية المشوهة للتجارة". والمفاوضون الصينيون، يقولون من جانبهم الأمر نفسه، لكنهم يتحدثون عن تقليص عام للمعونات الأمريكية.