- ظلت العلاقات التاريخية الاجتماعية والسياسية بين دولتي السودان وتشاد متميزة بحكم الحدود المشتركة والتداخل الاجتماعى. وبعد بروز أزمة دارفور، لعبت تشاد دوراً رئيساً وداعماً لجهود السلام منذ بداية إنطلاقتها، حيث قام فخامة الرئيس إدريس ديبي إتنو بالتوسط بين الأطراف السودانية لنزع فتيل النزاع فى بدايته. و سجل فخامة الرئيس إدريس ديبي إتنو ومعاونيه حضوراً فى كافة المنابر المحلية والإقليمية والدولية الخاصة بمعالجة الأزمة، كما أطلق فخامته بالتعاون والتنسيق مع فخامة الرئيس عمر البشير، مبادرات عديدة لإحتواء الأزمة وتوحيد الحركات المسلحة ليسهل على الحكومة التفاوض معها، وحث المجتمع المحلي والإقليمي والدولي على ضرورة التجاوب مع مبادرات الحل والعمل على الوصول إلى سلام عادلٍ وشامل. و قد قام فخامة الرئيس إدريس ديبي ومنذ الوهلة الأولى لإندلاع الأزمة بمبادرة للتوسط بين الأطراف السودانية لنزع فتيل الحرب فى بدايتها، حيث تم عقد لقاءين في مدينة ابشي التشادية نتج عنهما التوقيع على وقف إطلاق النار بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان. ثم جرى تنظيم لقاءين آخرين فى العاصمة التشادية انجمينا نتج عنهما التوقيع على أول اتفاق لوقف إطلاقالنار بين الأطراف السودانية المتحاربة ممثلة في حكومة السودان من جانب وحركة العدل والمسواة السودانية وحركة تحرير السودان من جانب آخر، وذلك فى الثامن من أبريل عام 2004م، عرف باتفاق إنجمينا والذى كان بحضور إقليمي (الاتحاد الأفريقى) ودولى محدود. كما تبنى الرئيس ديبي كذلك مبادرة أخرى برعايته نتج عنها التوقيع على خارطة طريق للحل السياسي للأطراف الثلاثة (حكومة السودان وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان) بتاريخ 24 أبريل 2004م. غير أن حركة العدل والمساوة وحركة تحرير السودان رفضتا الاتفاق على الرغم من توقيع مناديبهما عليه. لقد كانت تشاد في طليعة الدول الداعمة والعاملة على تسهيل إنطلاق العملية السلمية في أبوجا (نيجيريا) حيث حضر الرئيس دبي إنطلاقة المفاوضات فى أبوجا فى أغسطس 2004م وتابع حتى وقعت اتفاقية سلام دارفور بأبوجا في السادس من مايو العام 2006م، والذى عرف لاحقاً باتفاقية أبوجا. وعلى الرغم من إضطراب وتعقيد العلاقة بين السودان وتشاد، إلا أن ذلك لم يمنع تشاد من مواصلة اهتمامها بالوضع فى دارفور، إذ استمرت جهود الرئيس دبي حتى جرى تطبيع العلاقات بين البلدين وعودتها إلى ما كانت عليه. فعادت تشاد للمشاركة في تسهيل العملية السلمية التي انطلقت في الدوحة، حيث حضر الرئيس ديبي إعلان تأسيس حركة التحرير والعدالة بالدوحة فى 23 فبراير 2010م، وكان للسيد وزير الخارجية التشادي، موسى فكي، الذي مثل الرئيس أدريس دبي دوراً ملحوظاً في إنجاح التحركات من أجل السلام، وخاصة عندما تمكنت تشاد من اقناع حركة العدل والمساواة بتوقيع اتفاق حسن النوايا بينها وبين حكومة السودان بتاريخ 17 فبراير 2009م بالدوحة. وبذل فخامة الرئيس إدريس ديبي كذلك جهداً كبيراً فى إقناع حركة العدل والمساواة و الحكومة السودانية بالتوقيع على الاتفاق الإطاري بتاريخ 23 فبراير 2010م والذى تزامن مع ميلاد حركة التحرير والعدالة والتى ضمت مجموعتي (خارطة الطريق ومجموعة ليبيا). وسعت تشاد لحث حركة التحرير والعدالة على الإستمرار في التفاوض للتوصل لاتفاق نهائي. ولم يؤثر انسحاب حركة العدل والمساوة من العملية التفاوضية في منبر الدوحة في ايقاف جهود تشاد، بل استمرت في دعم السلام حتى توصلت حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة إلى التوقيع على وثيقة الدوحة للسلام فى دارفور بتاريخ 14 يوليو 2011م برعاية أمير قطر المفدي ، وبحضور فخامة الرئيس إدريس دبي إتنو و الرئيس السوداني وعدد من رؤساء الدول (إرتريا ، جيبوتي ، إثيوبيا) والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية ( الإتحاد الأفريق ، الأممالمتحدة ، الجامعة العربية ، منظمة التعاون الإسلامي ، والإتحاد الأوربي ) ومبعوثى بعض الدول للسودان لقضية دارفور (الولاياتالمتحدةالأمريكية ، المملكة المتحدة ، الاتحاد الأوربي ، الصين ، ليبيا ) والبعثات الدبلوماسية لدى دولة قطر الشقيقة. وكان لفخامة الرئيس إدريس دبي حضوراً متميزاً في مناسبة تدشين السلطة الإقليمية لدارفور بمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور مع فخامة الرئيس عمر حسن أحمد البشير، وذلك فى الثامن من فبراير 2012م. كمالعب الرئيس دبي دوراً أساسياً فى إقناع ودفع فصيلاً رئيساً من حركة العدل والمساواة بقيادة محمد بشر (جناح دبجو حالياً) لاعتماد وثيقة الدوحة للسلام بدارفور فى السادس من أبريل 2013م. وكان لذلك الاتفاق تأثيراً إيجابياً كبيراً على المحيط الإقليمي والدولى، وأسهم في تشجيع حركات أخري للدخول فى السلام استناداً على وثيقة الدوحة كمرجعية أساسية لحل أزمة دار فور. كما أقنع فخامة الرئيس إدريس ديبي حركة تحرير السودان (جناح محمدين) بالتوقيع على اتفاقية مع الحكومة السودانية بإنجمينا فى 2014م، وما يزال الرئيس ديبي يشجع الممانعين من حركات وتلك المنشقة عنها للانضمام للعملية السلمية والمشاركة في الحوار الوطني. ملتقيات السلم الاجتماعي: دفت ملتقيات أم جرس (اللقاء الأول واللقاء الحاشد بقاعة الصداقة بالخرطوم ولقاء أم جرس الثاني) إلى حشد الجهد والدعم الشعبي للعملية السلمية فى دارفور وتعزيز السلام والأمن والاستقرار بدارفور وحث ومناشدة الحركات الدارفورية المسلحة الممانعة للالتحاق بالسلام وضرورة الاستجابة لنداءات المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والإدارات الأهلية وحكومة السودان والمجتمع الإقليمى والدولى. وتوضيح الظروف الإستثنائية الصعبة التى يعيشها النازحون واللاجؤون بالمعسكرات ورغبتهم فى العودة ، والتهديد بمقاطعتهم فى حالة عدم الإستجابة لنداءات ومناشدات السلام. ملتقى أم جرس الأول: ظلت تشاد تسجل حضوراً دائماً في اجتماعات اللجنة الدولية لمتابعة تنفيذ وثيقة الدوحة وعددها 11 اجتماعاً، ويبذل الرئيس أدريس دبي بصفته رئيساً للاتحاد الأفريقي وبمشاركة تشاد في عضوية مجلس الأمن جهوداً حثيثة لإنجاح وإكمال السلام في دارفور القوات المشتركة السودانية التشادية ودورها فى تأمين الحدود المشتركة بين البلدين بمبادرة كريمة وشجاعة زار الرئيس إدريس دبيالخرطوم وإبدى حسن النوايا الصادقة فى السلام، وبادله السيد الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير ذات الشعور، فكانت ثمار تلك المبادرة التوقيع على البروتوكول الأمني فى يناير 2010م بانجمينا والذى نتج عنه تكوين القوات المشتركة السودانية التشادية لحماية حدود البلدين. وقد تزامن قيام هذه القوات المشتركة مع اتفاقية الدوحة والتى كان لها الأثر الأكبر فى استتباب الأمن وتوفير البيئة المواتية التى مكنت من تنفيذ اتفاقية الدوحة. الأدوار التى قامت بها القوات المشتركة: المحور العسكري الأمني: تصفية جيوب الحركات المعارضة للبلدين بضرب أوكار العصابات والمتفلتين والخارجين عن القانون واسترداد الكثير من الأموال والمواشي المنهوبة. استرداد الكثير من المركبات. تحرير الرهائن المخطوفين من العمال الأجانب داخل دولة تشاد مما نال استحسان السيد الرئيس التشادي إدريس دبي. تسيير الدوريات والأطواف وتعقب اللصوص والجناة والمتفلتين. الاسهام فى إنجاج مفاوضات الدوحة بتوفير الحماية لقوات محمد بشر (دبجو حالياً) لتوقيع اتفاق سلام الدوحة. محور السلم والمصالحات: برز دور القوات المشتركة بصورة كبيرة فى توفير الأمن والسلام والاستقرار بين المجتمعات المحلية والمجموعات السكانية فى المناطق الحدودية، وذلك باسترداد الأموال المنهوبة من الشحنات والعربات والممتلكات والمواشى. هذا إلى جانب تأمين الموسم الزراعي بفتح المسارات لمنع الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين. محور التنمية والخدمات: مشروع الطاقة الشمسية للقرى الحدودية: توفير خدمات الكهرباء بالطاقة الشمسية فى (145) قرية حدودية، وتشمل إنارة القرية أندية المشاهدة وتركيب أعمدة الإنارة بالسوق والمقابر والشوارع الرئيسة ومراكز الشرطة والمساجد والخلاوى والمراكز والوحدات الصحية. هذا بالإضافة إلى الفوانيس المتحركة. مشروع خدمات مياه الشرب: توفير مياه الشرب بتركيب 45 مضخة كما عملت القوات المشتركة على إنشاء أحواض مياه بالمدارس والمساجد والخلاوى ونقل المياه بالتناكر. وجارى العمل فى تنفيذ (60) مضخة مياه تعمل بالطاقة الهوائية. مشروع الخدمات العلاجية: قامت القوات المشتركة عبر كوادرها الصحية بتقديم خدمات علاجية وصحية للمواطنين عبر الوحدات الصحية الصغيرة الملحقة بمواقعها، وأيضاً عبر المراكز الصحية الأربعة التى أنشئت بكل ٍ من ( برك - أدي - أنجريمة - مبروكة دار السلام )، بالإضافة لتأهيل 6 مراكز صحية ومشتشفيات ريفية بالقرى الحدودية. كما أنشات القوات المشتركة معملاً للتحاليل الطبية بمستشفى أبشي يقدم خدماته للمواطنين مجاناً. بالإضافة لمساهمتها فى حملات إصحاح البيئة وحملات التطعيم ضد الأوبئة والأمراض المستوطنة. وقامت القوات المشتركة بإقامة مخيم مجاني للعيون أجريت فيه 500 عملية جراحية وتوزيع (6000) نظارة طبية. كما عملت القوات المشتركة على تأهيل (50) قابلة. وبلغ العدد الكلى للمراكز الصحية التابعة للقوات المشتركة 24 مركزاً. و تقوم القوات المشتركة بتسهيل حركة المواطنين التشاديين لتلقى العلاج بالسودان وبلغ عدد الحالات المستفيدة خلال الأعوام السابقة 129,865 حالة. مشروع دعم التعليم: إنشاء فصول جديدة و صيانة فصول أخرى، وإنشاء رياض للأطفال بكامل معداتها ، وتوفير الكتاب المدرسي والكراسات والإجلاس مع سد النقص فى المعلمين بتوفير معلمين من أفراد القوات المشتركة. ومعلمين من إدارة الخدمة الوطنية. دعم عدة مدارس بمولدات كهربائية لإنارة المدارس مع التوصيلات الكاملة بهذه المدارس. ترحيل الطلاب الممتحنين للشهادة السودانية وشهادة الأساس من معسكرات اللاجئين إلى محليات الطينة السودانية وكرنوى وأمبرو وإعادتهم إلى معسكراتهم بعد نهاية الامتحانات مع توفير الوجبات لهم. فتح فصول لتعليم اللغة العربية للأخوة التشاديين، وتدريس اللغة الفرنسية للأخوة السودانيين بالإضافة لدروس الفقه والعبادات للجانبين. فتح 20 فصل محو أمية وتعليم اللغة العربية للمواطنين بالمناطق الحدودية. دعم المساجد والخلاوى: عمدت القوات المشتركة على إنشاء المساجد والخلاوي حيث قامت بإكمال إنشاء تشييد مسجد فوربرنقا العتيق - وهبيلا - ومسجد كلبس ، كما قامت بتركيب الإنارة ومكبرات الصوت فى العديد من المساجد ، ودعم الخلاوي بالمواد العينية والمصاحف والمفارش وشمل ذلك خلاوي أم جرس - بهاي - بلتن - أبشي - الجنينة - مرا - مبروكة دار السلام - أم دخن - فوربرنقا - هبيلا - بيضه - كلبس - الطينة. كما تم دعم عشرين خلوة أخرى بمواد عينية وإنارة عشرين خلوة بالطاقة الشمسية مشروع الإعلام: إدراكاً للدور الذى يؤديه الإعلام فى التوعية والإرشاد والتواصل وتنوير الرأي العام عملت القوات المشتركة على استحداث شعبة للتوجيه والخدمات والتى قامت بدورها فى دعم عشرين خلوة بإذاعة تعمل بالطاقة الشمسية، وتأسيس علاقات مع الأجهزة والوكالات الإعلامية الولائية والمركزية . وتوجت الجهود الإعلامية بالتصديق بإذاعة F.M بغرض التغطية الإعلامية الأثيرية. إن تجربة القوات المشتركة السودانية التشادية تمثل أنموذجاً فى التنسيق الأمنى بين الدول المتجاورة، ويمكن الاستفادة من الدروس المستفادة من هذه التجربة وتطبيقها مع دول الجوار الأخري ويمكن أن تقدم كنموذج للدول الأفريقية. فلتشاد الشكر والتقدير رئيساً وشعباً وحكومة ونسأل الله أن يجزيهم جميعاً الخير الكثير.