ليس النقش على الحجر هو ما أعطى الخلود للمخطوطة الصخرية للأمير الكوشي خاليوت، وأبقاها لآلأف السنين، بل القيم والمثل العظيمة التي نُقشت عليها وعبرت عن الفطرة السوية والسمحة للأنسان مثلما حثت عليها الكتب السماوية المقدسة التي نزلت بعدها. وقد كتبت المخطوطة وهي في شكل لوحة طولية أو عمودية، العام 600 قبل الميلاد أي أن عمرها حالياً أكثر من ألفين وستمائة وستة عشر عاماً (2,616). وتم إكتشافها العام 1920، في مدخل معبد الآله آمون بجبل البركل جنوب مدينة دنقلا. كما يقول مدير الهيئة القومية للآثار والمتاحف، البروفسور عبد الرحمن على. وقامت بترجمتها من اللغة الهروغلوفية إلى الأنجليزية، أبنة عالم الآثار الأمريكي جورج أندرو رايزنر، الذي حفر كل لمواقع الكوشية ووضع التسلسل التاريخي لملوك نبتة. وحققها بعد ذلك عدداً من العلماء، وترجمها إلى اللغة العربية بروفسور عباس سيد احمد، قائلاً بأنه "لم يجد أو يعرف على حد علمه نص أخلاقي أعظم منها في العالم القديم، قبل الكتب السماوية" . ن أن رايزنر كان عالما في المصريات، لذلك قدم قراءات وتفسيرات تربط اللوحة بالحضارة المصرية ، ولكن مع تطور الدراسات الآثارية والتنقيب قدمت تفسيرات مغايرة لرواية رايزنر، أكدت أن الحضارة الكوشية حضارة محلية استفادت من الأفكار المستمدة من التقارب من الحضارات المعاصرة مثل الرومانية واليونانية والمصرية. واللوحة عبارة عن عمود طويل من حجر الجرانيت كتبت بالخط الهروغلوفي، وتحتوي على 34 سطراً أفقياً. وتبدأ من أعلى بشكل نصف دائري ومقوس وأسفل القوس يوجد قرص الشمس المجنح. وتنقسم عند هذه النقطة إلى قسمين من اليمين صورة الملك خاليوت أمام الآله راع. ثم الملك سبلتا يلبس زياً يشبه لباس الآلهة، ويرتدى شعراً مستعاراً. و من اليسار الآله حورس أله الأفق ويقول الأمير خاليوت في لوحته " إني لا أكذب ولا أعتدي على ملكية غيري. ولا أرتكب الخطيئة. وقلبي ينفطر لمعاناة الفقراء. إني لا اقتل شخصا دون جرم يستحق القتل. ولا أقبل رشوة لاداء عمل غير شرعي. ولا أعاشر إمراة متزوجة. ولا أنطق بحكم دون سند. ولا أدفع بخادمٍ أستجار بي إلى سيده. ولا أنصب الشراك للطيور المقدسة. ولا اقتل حيواناً مقدساً. إني لا أعتدي على ممتلكات المعبد واقدم العطايا للمعبد. إني اقدم الخبز للجياع، والماء للعطشى والملبس للعري. أفعل هذا في الحياة الدنيا". الأشياء التي كان يفعلها الأمير خاليوت، كما يقول مدير الهيئة، هي نفس القيم والمثل الموجودة في القران والكتب السماوية المقدسة الأخرى. وأن نصوص المخطوطة تعكس قيم الشعب السوداني منذ القدم. وتعبر عن مثل حضارية فاضلة تنم عن آثار أمة راسخة ودولة عظيمة، ساهمت في الحضارة البشرية. كما يعكس شخصية الشعب السوداني وأنه بالفطرة يمتلك تلك المثل التي تشابه تلك التي جاء بها الأنجيل والقرأن الكريم. والأمير خاليوت هو أحد أبناء الملك النوبي بعانخي أول ملوك مملكة كوش النوبية وقد أختارته الآلهة وانتخبه الشعب. ويقول بعانخي في ملكه "إن الآلهة تصنع الملك، والناس يصنعون الملك . إلا أن آمون قد جعلني ملكاً ووهبني حق حكم جميع البلدان". وخاليوت هو أيضا شقيق الملك تهراقا الملقب بالمقاتل العظيم وجميعهم من الأسرة الخامسة والعشرين التي امتد حكمها حتى مصر والشام وفلسطين لمدة قرن حوالي الثمانمائة عام قبل الميلاد. وتصف نائب مدير إدارة المتاحف أخلاص عبد اللطيف أحمد أدريس المخطوطة "بأنها لوحة فريدة من نوعها كتبت تمجيداً لأميرٍ سابقٍ وأعتذاراً له. إذ المدهش إن الذي نحتها ونقشها هو الملك سبلتا حفيد الملك تهراقا. ولديه لعديد من اللوحات من أهمها لوحة خاليوت وهي بمثابة أعتذار منه لجده خاليوت وتتحدث بلسانه. وتضيف، يظن علماء الاثار أن السبب في ذلك ربما يكون أن خاليوت كان أحق بالملك من تهراقا ولكن لسبب ما لم يعطي الملك وأنتقل إلى تهراقا.وربما كانت هناك ثورة من الكهنة أو أتباع خاليوت لذلك رسمها لتمجيده حتى ينفي أي تنازع بين خاليوت وتهراقا. وعلى الرغم من أن اللوحة نحتت وصنعت في عهد الملك سبلتا، إلا أنه يتكلم بلسان الأمير خاليوت ويصف كيف أنه قدم القرابين للآلهة وكيف كان حليفاً ونصيراً للفقراء. وتبين ان اللوحة ترجع إلى فترة دولة كوش في المرحلة الثانية لها اي دولة نبتة، حيث أن ملوك هذه الدولة حكموا مصر لقرن من الزمان وكتبوا بعض اثارهم باللغة المصرية القديمة.