صندوق النقد الدولي أحد مؤسسات التمويل العالمية التي تركز جل إهتمامها على السياسات الاقتصادية الكلية للبلدان أي السياسات المتعلقة بميزان الحكومة وإدارة النقد والائتمان وسعر الصرف وسياسات القطاع المالي، بما في ذلك تنظيم البنوك والمؤسسات المالية الأخرى والرقابة عليها، إضافة لذلك يوجه الصندوق إهتماما كافيا للسياسات الهيكليه التي تؤثر على سلوك التوظيف والأجور، كما يقدم المشورة لكل بلد عضو حول كيفية تحسين سياساته في هذه المجالات بما يتيح مزيد من الفاعلية لبلوغ الأهداف مثل ارتفاع معدل توظيف العمالة، وإنخفاض التضخم وتحقيق النمو الاقتصادي القابل للأستمرار، كما يعمل صندوق النقد على تحسين الأحوال السائدة عالمياً من خلال التوسع المتوازن في التجارة العالمية وتحقيق إستقرار أسعار الصرف وتجنب التخفيض التنافسي لقيم العملات وإجراء تصحيح منظم لاختلالات ميزان المدفوعات؛ إلا إن كل ذلك يواجة بانتقادات من قبل بعض الدول النامية والخبراء الاقتصاديين الذين يرون أن سياسات الصندوق تهدف إلى الحفاظ على النظام المالي الدولي و على مصالح الدول الكبرى من أجل بسط نفوذها على العالم لاسيما الدول النامية ، ويرى البعض أن لسياساته آثار اجتماعية وخيمة من تخفيض للدعم الاجتماعي ورفع الدعم عن السلع الأساسية وزيادة الضرائب. أنشئ صندوق النقد الدولي في نفس الوقت الذي أنشئ فيه البنك الدولي لأداء وظائف مختلفة لكل منهما و إن كانت ذات صلة، فصندوق النقد الدولي يركز في المقام الأول على الإجراءات التي ينبغي للبلدان اتخاذها بغية تحقيق الاستقرار الأقتصادي والمالي الكلي اللازم للنمو الاقتصادي السليم القابل للاستمرار، أما البنك الدولي فقد أنشئ لتشجيع التنمية الاقتصادية طويلة الأجل وتخفيف حدة الفقر، وللإسهام في تمويل مشاريع بعينها. ويعد صندوق النقد الدولي الجهة المرجح اللجوء إليها أولا لمساعدة أي بلد يمر بأزمة مالية بتقديم المشورة والتمويل السريع، بينما يقوم البنك أساسا بتقديم المساعدات الانمائية. ويتعاون الصندوق و البنك الدولي في عدد من القضايا، لا سيما الحد من الفقر في البلدان منخفضة الدخل. بدأت العلاقة بين السودان وصندوق النقد الدولي منذ العام 1958 حيث شهد إنضمام السودان للمؤسسة الدولية وتوالى التعاون مع حكومة مايو التي اتسمت بعلاقة مميزة مع الصندوق ، وشهد عام 1978 إعلان وزير المالية حينها إن السودان توصل إلى اتفاق مع الصندوق لتطبيق برنامج اقتصادي يستهدف إعادة التوازن الداخلي و الخارجي، تبع ذلك ايضاً تعاون بين الحكومة الانتقالية و ذلك في عام 1985 قدم خلالها الصندوق روشتة لاصلاح الاقتصاد أعلن عنها وزير مالية الحكومة الانتقالية إلا أن النقابات عارضت ذلك مما استدعى وزير المالية لتقديم استقالته، وعقب تولي حكومة الانقاذ والتي رفعت شعارات إسلامية مناهضة للغرب و مؤسساته كان نتاج ذلك حصار اقتصادي ومقاطعة أمريكية بهدف عزل النظام وإضعافه. في نهاية العام 1996 م تبنى السودان سياسة الإصلاح الهيكلي ( تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي) والتي خلالها وضع نظام اقتصادي يزيل الخلل و التشوهات من الاقتصاد الكلي مما جعل الصندوق يقتنع بفعالية الخطط الاقتصادية و النجاح في إحداث تغيير واضح في هيكل الاقتصاد ، وسعى السودان لإصلاح تلك العلاقات وتطبيعها مع صندوق النقد وقام بعقد مفاوضات جاءت أهم نتائجها بشطب الشكوى ضد السودان في عام 2000م. استمر السودان في مسيرة الإصلاح الاقتصادي على الرغم من العوائق التي كانت تقف حائلاً دون ذلك ، والمجهودات التي تبذل لمعالجة المشاكل السودانية المستعصية والتي من ضمنها مشكلة الديون الخارجية، والتي مثلت عائقاً أمام خروج السودان من دائرة الدول الفقيرة. عانى الاقتصاد السوداني من أزمة المديونية الخارجيه كنتيجة لإنكماش الصادارات، وهبوط أسعار السلع الأوليه، ولقلة تحويلات العمالة ، وإنسحاب تدفقات رؤوس الأموال الخاصة، مما أدى لتراكم المديونية الخارجية، وشهد النمو تراجعاً في العام 2001 ترتب عليه ارتفاع في مستويات الفقر، وجعل السودان في حالة طلب دعم عاجل من المؤسسات المالية والمجتمع الدولى. وبصورة عامة نجد أن سياسات صندوق النقد الدولي هدفت إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال عرض الحقائق والمعلومات الإقتصادية بشفافية، والتي بدورها تنعكس على حجم الآثار السالبة لسياسات الصندوق المتبناة منه، إلا أن ارتفاع ديون السودان الخارجية والذي ارتبط بأسباب داخلية تمثلت في انخفاض في الادخار المحلى والاستثمار، مما شجع على هروب رؤوس الاموال الوطنية إلى الخارج، وتدهور الصادرات في الثمانينات من القرن الماضي، وفيما يخص الاصلاحات الهيكلية في التسعينات فمعظم البرامج الاصلاحية لم يتم الالتزام بها الى نهاية البرنامج التصحيحي، كما أن الدور التدخلى للدولة باستمرار في المجالات الانتاجية والمالية للانفاق العمومي أصبح واضح منذ بداية الإصلاح، كما نجد أن المديونية دوماً تكون نتيجة العجز في ميزان المدفوعات بصورة متوالية، وأن استخدام القروض لا يتم لتثبيت المديونية؛ إنما لتمويل مشروعات ليس لها المردود العالى لضمان خدمة المديونية، كما أن النمو الديمغرافى مع انخفاض الدخل القومي لم تصاحبه زيادة في حجم الإنتاج، وإنعكس ذلك على تخفيض نصيب الفرد من الدخل القومي، بالإضافة إلى أن الحروب وزيادة النفقات الخارجية؛ عملت على إستنزاف الموارد المادية والبشرية. وعقب إعلان انفصال جنوب السودان في يوليو 2011 فقد السودان 75% من موارد النفط، و 90% من عائدات الصادرات، ونحو 50% من الإيرادات ويمثل النفط في السودان نحو 15% من القيمة المضافة الصناعية. وبدأ الاقتصاد السوداني يعاني من الخسائر الناجمة من تراجع عائدات النفط و تراجع المعدل السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق على أساس ثابت للعملة المحلية، من 7.8% في عام 2008 إلى 3.1% في عام 2014 ، وبلغ معدل البطالة 19.2% في عام 2014. ولمواجهة هذه التحديات، دعا صندوق النقد الدولي إلى مواصلة التركيز على استقرار الاقتصاد الكلي من خلال السياسات المالية الحصيفة، مع إعطاء الأولوية للإنفاق الاجتماعي وتعزيز النمو وزيادة الإيرادات الضريبية. كما وأوصى أيضا بالحد من نمو السيولة كوتيرة متناسقة مع معدل تضخم منخفض و السماح بمزيد من المرونة في سعر الصرف وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتحسين بيئة الأعمال. ومنذ انفصال الجنوب بنهاية عام 2011 اتجهت الحكومة إلى إجراءات تقشفية كان وقعها مدمرًا على المواطن السوداني رغم تدرجها، وتركزت تلك الإجراءات في خفض الإنفاق العام وزيادة الإيرادات الجمركية والإيرادات الضريبية، وبدأت تلك الإجراءات بخفض دعم السلع والخدمات، إذ أعلنت الحكومة أنه بحلول عام 2019 سيتم رفع الدفع بالكامل. وطالب الصندوق في نهاية العام 2017 ، في تقرير له، السودان بتحرير أسعار صرف العملة المحلية بالكامل في مطلع عام 2018، وبإلغاء دعم الكهرباء والقمح بين عامي 2019 و2021؛ كخطوات أولية نحو تحقيق إصلاحات اقتصادية تساهم في تعزيز اقتصاد البلاد وتخفيض فاتورة الدين العام. وفي الأيام الأولى للعام 2018، أعلنت الحكومة السودانية تخفيض مخصَّصات الدعم لسلع أساسية مثل الوقود والخبز، في حين أن ذلك يتزامن مع التراجع المتسارع لقيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية. وتسبّبت هذه الإجراءات التقشّفية بموجة غلاء طاحن اجتاحت البلد المضطرب، الذي يُصنَّف أيضاً ضمن أفسد 10 اقتصاديات على مستوى العالم، وفق نتائج مؤشر الشفافية الدولية على مدار السنوات الماضية. وحذر العديد من الخبراء الاقتصاديين في السودان من أن الاستماع لنصائح صندوق النقد بتعويم الجنيه السوداني سيضرّ بالسودان اقتصادياً بشكل واسع، وسيضع على كاهل الشعب أعباء لا قبل له بها. وسيرفع تعويم العملة من تكاليف المعيشة بدرجة لا يحتملها دخل الأفراد المحدود، وسيصبح من المستحيل السيطرة على التضخّم؛ لأن السودان صادراته محدودة، ووارداته الضرورية تزيد عن ضعف حصيلة صادراته. وبلغت الديون الخارجية للسودان نحو 58 مليار دولار وفق آخر إحصاء رسمي، شمل الفوائد، وبلغت المستحقات لصندوق النقد الدولي ملياري دولار. وفي أبريل 2019 قال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي إن الصندوق يواصل تقديم مساعدة فنية ودعم فيما يخص السياسات للسودان، لكنه لا يستطيع تقديم تمويل إضافي بسبب المتأخرات المستحقة على البلاد. وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد ندعم السودان ونقدم لهم المساعدة الفنية فيما يخص السياسات". لكنه أضاف "لا يمكننا تزويدهم بالتمويل لأنهم ما زالوا يتحملون متأخرات، وإلى أن يعالجوا مشكلة المتأخرات، لا يمكننا تزويدهم بإقراض إضافي بموجب لوائحنا".