نتابع هذه الأيام أخبار مشروع الجزيرة العملاق والذي ظل هو عماد اقتصاد بلادنا منذ عهد الاستعمار، لأنه قد تم تأسيسه في عام 1925 وقد اشتهر المزارعون فيه منذ الخمسينيات بالثراء ورغد العيش، ولكنهم الآن وبكل أسف قد وصلوا درجة من الفقر والعوذ بسبب التدني المريع الذي أصاب هذا المشروع، والآن هناك أشياء غير مفهومة، فالدولة تتحدث بأنها تعمل من أجل إصلاح هذا المشروع والعودة به إلى ماضيه المشرق، وفي ذات الوقت نسمع بالتخلص وبيع كل الأصول الثابتة للمشروع.. ولا ندري كيف يتم هذا الإصلاح؟.. المهم نعيش ونرى ونسأل الله أن تصدق المساعي في إصلاح الحال في هذا المشروع الكبير.. ونقول ألف مرة بأن مستقبل بلادنا الاقتصادي في الزراعة ولا شيء غير الزراعة.. والواجب أن نعطيها كل اهتمامنا والحديث عن مشروع الجزيرة أردت منه التحدث عن جزء آخر يتبع له.. رغم أن هذا الجزء يبعد عنه ويقع في الضفة الأخرى أو الشرقية من النيل الأزرق ألا وهو الحرقة ونور الدين، والاختلاف فيهما هو ريهما بواسطة طلمبات.. ومشروع الجزيرة يروى عبر قنوات تأتي من شمال خزان سنار، والحرقة ونور الدين مشروعان كانا من المشاريع الخاصة أو الأهلية وتم تأميمهما وآلا لهيئة الإصلاح الزراعي في العام 1972 تقريباً، والحرقة كانت من مشاريع السيد عبد الرحمن المهدي، ونور الدين كان يتبع لأسرة الشريف يوسف الهندي، وبالمشروعين مساحة من الأراضي أكثر من عشرة آلاف فدان تقريباً، وكذلك هناك أراضٍ ممتدة وهي صالحة للزراعة، وبالمنطقة مزارعون أشهد لهم بالكفاءة والمقدرة وقد عملت معهم وعشت بينهم كمفتش غيط أو ضابط زراعي في مرحلة الإصلاح الزراعي، وقضيت في هذه المنطقة عدة سنوات، وقد كانت تلك الفترة فترة ازدهار للحرقة نور الدين وإنتاجها وفير من القطن والذرة، والأخير قد كان عائده من نصيب المزارع وحده، والزراعة في ذلك الزمان كانت تجد الاهتمام والرعاية التامة، وقد شهدت على الاهتمام الشخصي لمشروعي الحرقة ونور الدين من المرحوم الشريف حسين الهندي، وقد كان وقتها وزيراً للمالية فقد كان يأتي بطائرة هليوكبتر بصحبة السيد عبد العظيم محمد حسين، والذي كان مديراً للإصلاح الزراعي وحضورهما قد كان من أجل تفقد الحال بالحرقة ونور الدين، لأن المناخ فيهما يشجع على الاهتمام وخاصة الأرض الواسعة وكذلك المزارع في هذه المنطقة له الرغبة في أن ينتج ويعمل، وقد غادرت تلك المنطقة بعد أن آلت إدارة المشروعين لمشروع الجزيرة.. والحمد لله لم أحضر مشكلة تعثر الري بسبب انحسار النيل من أمام الطلمبات وخاصة في مشروع نور الدين الذي كنت مسؤولاً عن إدارته، وبعد مغادرتي ظللت متابعاً لحال المزارعين في الحرقة ونور الدين وقد وصلت بهم المعاناة لدرجة أن تعطلت الوابورات وتوقفت الزراعة بسبب انحسار النيل وكلها أسباب ناتجة من الاهمال الذي عانت منه الزراعة على مستوى السودان، وقد كان أول الضحايا مزارعو مشروع الجزيرة عامة ومن آلت إدارته لهم مثل الحرقة ونورالدين، والآن فإن ما دفعني للكتابة عن الحرقة ونور الدين هو متابعتي لظروف هذين المشروعين والظروف التي ربطتني بمزارعيهما وقراها وأهلها الطيبين، وقد علمت من خلال أخبار مشروع الجزيرة، أنهم قد صدقوا مساحة لزراعة قصب السكر في الحرقة ونور الدين من أجل صناعة السكر، وقد سررت لهذا القرار والذي سيعود قطعاً بفائدة عظيمة لأهل هذه المنطقة وقد كان في رأسي مشروع آخر كنت أتمنى تحقيقه لأهل هذه المنطقة، وهو مشروع لإنتاج الألبان ومشتقاتها، بل إني اقترح إقامة مصنع متكامل لصناعة الألبان المجففة، لأن المنطقة حسب معرفتي بأهلها فهي مؤهلة لقيام هذا المشروع، واعلم بأن المواطنين على دراية تامة بتربية الأبقار وهم يعتمدون على تربية الحيوان كجزء مهم في حياتهم، وهذا ضمن اهتمامهم بالزراعة، والمنطقة يمكنها أن تستوعب زراعة قصب السكر، وأن يقام بها مصنع للألبان حوله مزارع للعلف لتغذية الأبقار ومنطقة الحرقة ونور الدين بها عشرات القرى من عدة قبائل معروفة بعلاقتها بالأبقار ذات السلالة المحسنة والمنطقة مؤهلة لكل الأنواع الزراعي والحيواني، وأنني اقترح مشروع الألبان وعلى ثقة بأنه سيجد القبول من أهل المنطقة وسيرحبون به وأرجو أن يجد هذا المشروع الاهتمام ولا يكون حديثاً يكتب على الورق ولا ينفذ، وآمل أن يجد الاهتمام من وزارة الزراعة وخاصة وزارة الصناعة، وكذلك أصحاب الشأن وهم إدارة مشروع الجزيرة، وأن يستصحبوا معهم مشروع إنتاج الألبان الذي قامت به إدارة مشروع كنانة، واعتقد أن بلادنا في حاجة ماسة للاكتفاء من السكر وكذلك لوقف استيراد الألبان، وقد سمعت قبل عدة سنوات بأن السيد رئيس الجمهورية قد طالب بوقف استيراد الألبان، ولكننا بكل أسف قد تعودنا أن نقول ولا نفعل ولكني آمل هذه المرة أن يصدق الحديث في إقامة زراعة لإنتاج السكر والألبان بالحرقة ونور الدين، لأن أهلها يستحقون ذلك.