لم تكتمل حلقة النقاش والحوار التي أديرها هذه الأيام مع ثلة طيبة من الأساتذة الأجلاء والمهتمين بالعملية التربوية والتعليمية بولاية النيل الأبيض.. وسألخص لمتابعينا من القراء والمهتمين ما سننتهي اليه تعميماً للفائدة، ورغبة منا في إدارة حوار هادئ وأمين لصالح التعليم في بلادنا.. ويقيني أنه لا يوجد أحرص على حاضر ومستقبل التعليم من الذين يعايشون رهق وتعب هذه الرسالة النبيلة داخل المدارس ومؤسسات التعليم في بلادنا .. قادني الى ابتدار هذا الحوار ملاحظتي لبداية العام الدراسي في عدد من المدارس الخاصة بالولاية ومدينة كوستي تحديداً، الأمر الذي دفعني لاستجلاء الأمر من مظانه ومصادره الرسمية.. علمت أن هذه الخطوة تحكمها وتضبطها لوائح وقوانين صارمة تسمح للمدارس الخاصة التبكير ببداية العام الدراسي لظروف عملية تتعلق بتحصيل الرسوم من الطلاب، وغيرها من الأسباب المقبولة لإدارات التعليم ليس في ولاية النيل الأبيض وحدها، ولكن في كل ولايات السودان.. ومما علمته أيضاً أن السماح لهذه المدارس ببداية العام الدراسي لا يشمل الشروع في تدريس المقررات، وإنما الاكتفاء بمتابعة الإجراءات الإدارية فقط على أن تكون البداية للتدريس متزامنة مع بقية المدارس الحكومية. لكن المفارقة التي لا أجد لها تفسيراً، أن عدداً من هذه المدارس الخاصة قد شرعت فعلياً في بداية العام الدراسي، بترحيل الطلاب صباحاً وإعادتهم الى ذويهم بنهاية الدوام.. وحدثني أحد أولياء الأمور انه بدأ في مراجعة المقرر الجديد مع أبنائه والتزم معهم عملياً في حل الواجبات اليومية . ومن ناحية أخرى بدأت فعلياً حركة بحث وتسجيلات نشطة للطلاب الناجحين والمتفوقين بغرض كسب توقيعهم لعدد من المدارس الخاصة!! وهذه عملية تشبه في بعض جوانبها سيناريو تسجيل اللاعبين لأندية كرة القدم، حيث يتم تكثيف الاتصالات بأسرة التلميذ وتقديم مغريات كثيرة لكسب توقيعه!!.. وهنا لابد من مقابلة هذه الظاهرة بشجاعة، والعمل الجاد على حسمها، وذلك لما تخلفه من آثار لا يقف ضررها عند الحد الاقتصادي، وذلك بتكليف أسرة الطالب المتفوق ما لا تطيقه من أعباء مالية ستواجهها في مقبل السنوات، ولا يكون أمامها من خيار غير الدفع القاسي حتي لا يفقد ابنها فرصة مواصلة التعليم أو تتهدده عقوبة الطرد أو الايقاف بسبب عدم إكماله الأقساط المقررة. وليت الأمر توقف عند الاثر الاقتصادي وحده.. بهذه الطريقة يتم تحديد مخطوطة ورسم مربع لبداية مستقبل هذا التلميذ، ربما يصحبه كملصق طيلة حياته، وذلك بأن يرسم له الآخرون ويحددون له المدرسة التي يبدأ منها الخطوة التالية لمستقبله.. ولو تركنا الأمر لأسرة الطالب للتشاور معه ووضع الخيارات أمامه، لكان خيراً وأعظم أثراً إذ نكون قد ساهمنا فعلياً في تعليمه كيفية اتخاذ القرار والمشاركة في تحديد نقطة من مستقبله. يستحق الناجحون والمتفوقون من الطلاب كل التسهيلات والمنح التي تقدم لهم من المدارس الخاصة، ومن ذلك تمكين بعضهم من الحصول على فرص مجانية للدراسة، وهي وسيلة ومبادرة طيبة أثبتت جدواها في مدارس محددة ومعروفة، لكنها تفتح الباب واسعاً لحديث صادق وأمين حول عملية الاستهلاك الأكاديمي التي تقوم بها بعض المدارس لأمثال هؤلاء النوابغ، إذ يتضح لاحقاً أنهم يواجهون واقعاً صعباً ومعقداً في مدارسهم الجديدة، ربما أثر أو سيؤثر في مستقبلهم كأن تتراجع حظوظهم في التفوق والنجاح، بسبب عوامل وأسباب في مقدمتها ضعف ما تقدمه بعض المدارس الخاصة من خدمة أكاديمية تتجاوز محطة استيعاب المتفوقين مجاناً. سنواصل الحديث على صراحته ومرارته.. ومن الصراحة والمرارة التي نبغي بها الإصلاح والمراجعة، أن ينطلق العام الدراسي فعلياً في بعض مدارسنا الخاصة بطول البلاد وعرضها، في هذا الجو الساخن ودرجات الحرارة المرتفعة، وغريب حقاً أن يبدأ العام الدراسي قبل أن (يشبع) الصغار من اللعب والتحرر من ضغط العام الدراسي، حتي يعودوا اليه وهم أكثر شوقاً لساحات اللعب ومرح الإجازة الصيفية.