صدر حديثاً للكاريكاريست فارس صالح كتاب جديد ضم رسوماً للفنان الشاب الذي أراه إلا واعداً بالتميز والتفرد خاصة أن الكاريكاتير من الفنون الرفيعة ذات التأثير النافذ على القراء والمتصفحين للصحف والمجلات، وهو يقرأ كما يقرأ القارئ المقال ولا يستطيع قراءته إلاّ من حباه الله بالموهبة المقرونة بالخبرة والتجربة التي تمكنه من معرفة الرسالة، التي يحملها من خلال الخطوط التي يرسمها الكاريكاتيرست والتي عادة ما تكون مصحوبة بكلمات بسيطة مكملة للرسم والشكل الماثل في مربع الكاريكاتير.. فهو رسالة بليغة لا تتعدى مساحتها 16 بوصة في الغالب الأعم ولكنها تتحاور في تاثيرها الكلمات المكتوبة شعراً أو نثراً في صفحات عديدة أو ملزمات من الكتب التي تعالج المواضيع المتنوعة وأبرزها السياسة.. ومن التجارب العربية في هذا المجال ما خطه الكاريكاتيرست الراحل ناجي العلي من خلال ذلك الطفل الحائر «حنظلة» الذي يتأمل الأحداث وظهره الى القارئ ويداه معقودتان وكأنه في حيرة من امره ... لقد كان ناجي يملك سلاحاً ماضياً أقوى من البندقية والقنبلة ويفتك بالاعداء ويفضحهم ويشهر بهم على رؤوس الملأ والأشهاد .. ولما لم يقدروا عليه ويتحملوا رسائله الصارمة قتلوه غدراً وغيلة، ولكن رسومه بقيت من بعده وما زالت تنشر وتتكرر وكانها تعبر عن الاحداث الماثلة وكأن شيئاً لم يتغير وكأن ناجي حي لم يمت.. ومن الكاريكاتيرست العرب أعجبت بصلاح جاهين في الأهرام وبمصطفى حسين في اخبار اليوم وكلاهما في مصر.. وفي السودان ومنذ وقت مبكر بزغ نجم المرحوم عز الدين عثمان الذي كان لاذعاً وحاداً في نقده للسلطة، ومع ذلك لم يضق به الساسة ذرعاً، وكان الزعيم الأزهري من الذين استهدفهم عز الدين برسومه وتعليقاته الحادة والجارحة، ومع ذلك كان الزعيم يحترم عز الدين كفنان وناقد موهوب يستخدم خطوطه لنقد السياسات الحكومية ومواقف الاحزاب السياسية دون تمييز.. واليوم وجدت نفسي مقوماً لكتاب يحمل مجموعة من رسوم الكاريكاتير لفنان من الشباب تفخر هذه البلد بظهوره في هذه الحقبة السياسية الهامة، وهو في رأيي لا يقل عن السابقين الذين اشرت إليهم وسيكون له شأن عظيم وسيبلغ باذن الله مرتبة عليا وسامقة .. فعندما شاهدت رسومه لأول مرة في «آخر لحظة» فاتصلت بالابن مصطفى ابو العزائم رئيس التحرير وسألته عن هذا الشاب البارع الذي بزغ نجمه في آخرلحظة، ومن اين جاء، فقال لي انه شاب جديد اسمه فارس .. فاتصلت به تلفونياً وابديت له اعجابي برسومه وخطوطه واسلوبه الذي هو في رايي مدرسة جديدة في الكاريكاتير غير مسبوقة فيما اعلم.. ومعذرة إن كان في تقديري مبالغة أو شطط فرسوم فارس تقوم دائماً على شخصيتين تحملان نفس الخطوط بتشكيلات مختلفة من حيث الملبس والحجم والاضافة كاللحية والاثواب.. والحوار دائماً يبدأ من الاقوى الذي ينظر إلى الادنى منه حجماً ومكانة.. وتاتي الاجابة قصيرة وذكية ولاذعة ولا تخطر على بال.. وكنت أتعمد دائماً أن أركز على ناحية اليمين حيث يبدأ الحوار في الكاريكاتير، ثم أغمض عيني واقف قليلاً لافكر في الاجابة ثم اتجه الى الجانب المهيض والضعيف في الكاريكاتير، لارى صاحبي وهو يجيب على تساؤل الطرف الاعلى اجابة غير متوقعة، فيها الكثير من الدهاء والذكاء المعتمد على المعرفة والمعلومات المتابعة لما يجري في الساحة من أحداث... كنت اسائل نفسي دائماً كيف استطاع.. وما زال.. الفنان الموهوب فارس ان يصمم يومياً ودون انقطاع لوحتين كاريكاتيريتين، الأولى في الجزء الشمالي من صفحة النص والثانية في الصفحة التي تليها ودون ان يكرر عبر المسيرة المستمرة ما سبق أن نشره، بل إنه يقدم لقراء أخرلحظة في يوم الجمعة صفحة كاملة من الرسوم الكاريكاتيرية بالاضافة الى معدله اليومي في الجريدة من الرسوم الكاريكاتيرية اللاذعة.. بعض النماذج التي اذكرها دائماً كخطاب الاول الى الثاني (مستعدون لمواجهة امريكا إذا لم تكف عن التهديدات) ورد الثاني عليه (في الأول ورونا مصنع الشفاء ضربوه بشنو؟).. أو قول الاول للثاني (نقترح إدخال عقوبة السجن في المخالفات المرورية) ورد الثاني عليه بقوله (حتسجنو العربية ولا صاحبها) .. ومثال آخر عندما قال الاول للثاني (نتهم بعض الجهات بزرع الفتنة بين الحكومة والمواطنين) فرد الثاني متعجباً (غير المحليات) - وهكذا فإن الكتاب يحوي مجموعة كبيرة من الرسوم الكاريكاتيرية المعبرة عما يجري ويحدث في هذا البلد اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، وكلها تدور في شكل ديالوج بين اثنين يحملان نفس الخطوط ولكن باوضاع مختلفة في اللباس والحجم ومظهر الترف والرغد عند الكبار والفقر والعوز عند الصغار.. لقد لخص فارس الحوار الذي يدور بين الشخصين في الكاريكاتير بانه حوار بين مواطن ومسؤول وهو بحق كذلك، ولكن باسلوب ناقد وساخر ولاذع واذا ما قيس بالمقال او العمود في الصحيفة او المجلة، فانه بدون شك يتفوق عليهما في القوة والمنطق والتاثير... لذلك فان فن الكاريكاتير يعتبر من أعظم الفنون التي تميز الصحافة الحديثة.. والكاريكاتيرست بالتالي من اعظم فناني التشكيل الذين يوظفون مواهبهم وقدراتهم لمعالجة قضايا اليوم ومشاكل الساعة التي تهم الجماهير، وبالتالي فهم المدافعون عن مطالبهم وحقوقهم في مواجهة المسؤول والسلطة. انني لعلى ثقة من أن القارئ لهذا السبب سيسعد به جداً لان محتوياته متنوعة وممتعة، ولانه من النوع الذي تستعاد قراءته مرات ومرات وفي كل مره يجد قارئه متعة مغايرة لما وجدها في المرة السابقة.. ذلك لان الكاريكاتير من اعظم واقوى الفنون المؤثرة على الناشطين في المحيط السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي في العالم اليوم، لذلك فإنني وبعد ان تصفحت محتوى هذا الكتاب أستطيع القول ان الفنان الشاب فارس من ابرع رسامي الكاريكاتير في السودان، ومن اكثرهم قدرة على التعبير الصادق عن طموحات وآمال الشعب السوداني العظيم وله مني التحية والتمنيات بالمزيد من البذل والعطاء لاسعاد شعبنا.. والدعاء الى الله سبحانه وتعالى ان يوفقه في مسيرته الطويلة وان ينفع به هذه الامة. أ.د. خبير إعلامي عالمي ورئيس مجلس الصحافة والمطبوعات