يعتبر الأستاذ عبد الرحمن بلاص فناناً متعدد المواهب ومتنوع الاتجاهات، فهو صحفي وكاتب قصة، ولكن كان تميزه الأكبر في مجال الأغنية الشعبية، فهو من الذين وضعوا الأساس لها، والأهم من كل ذلك هو أول من فكر في تكوين فرقة كبيرة في مطلع ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى أنه مدرب لا يشق له غبار في تدريب فرق الفنون الشعبية وتنظيمها وتصميم رقصاتها وتقديمها على خشبات المسارح.. وهو فنان بمعنى الكلمة يمتلك العديد من المواهب.. (آخر لحظة) جلست إليه في حوار خفيف الظل وسلطت خلاله الأضواء على أجزاء من مسيرته الإبداعية العامره بالعطاء، فكانت هذه المختطفات: كيف التقيت بالفن.. وكيف التقى بك.. ومتى كان ذلك؟ - التقيت بالفن منذ الصغر، وكنت وقتها ملتصقاً بجدي حسين ود الهرم، صاحب صوت جميل ورنان يردد به مدائح حاج الماحي وغيرها بطريقة أخاذة، وكنت استمع إليه بكل جوارحي وشربت منه كل الأنغام والألحان والصوت الشعبي. متى التحقت بالإذاعة.. وما هي أول أغنية قمت بتسجيلها؟ - بداياتي مع الإذاعة كانت في أوائل العام 1960م عبر استضافتي أنا وعدد من الأصدقاء في برنامج (صفحات على الهواء) الذي كان يقدمه الأستاذ الفيتوري، وكان محور الحلقة يدور عن الفن والغناء بمنطقة الشايقية، وتغنيت ببعض الأغنيات خلال الحلقة، فانهالت الخطابات على البرنامج تطالب بالمزيد من الأغاني، وانطلق مشواري مع الإذاعة بعدها.. وأول أغنية قدمتها هي (الشفة) للشاعر حدربي محمد سعد. أغنياتك لها مضامين اجتماعية ذات وقع وأثر في نفوس المتلقين.. كيف تختار أغنياتك؟ - قراءاتي الكثيرة وبالأخص في مجال الشعر، هي ميزاني الذي أزن به القصائد التي تعرض عليّ، خاصة وأنني كاتب قبل أن أصبح مغنياً، والحديث عن بعض تلك الأغاني قد يطول ولكن استطيع أن أقول إنها وجدت مكانتها ووقعها في نفوس الناس. كانت لك فرقة شعبية راقصة كبيرة تحمل اسمك.. أين هي الآن؟ - الفرقة أصبحت تمثل لي ذكرى مؤلمة.. فقد انشأتها لتقديم نشاطات استعراضية كبيرة على خشبة المسرح القومي في تلك الفترة، وكانت مكونة من خمسة عشر شاباً وسبع نساء من خيرة المواهب في السودان، ودربتهم على العمل واتقنوه وأجادوه بصورة كبيرة، لهذا كانت فرقة بلاص حدثاً جديداً في تلك الأيام لأنها كانت الوحيدة التي ظهرت في الساحة، والمسرح القومي وقته تم تشييده حديثاً ولا يقدم سوى الغناء فقبض المسرح على الفرقة بكلتا يديه، وأصبح يقدمها يومياً وعلى مدى الأسابيع والشهور خاصة عندما يكون ضيوفه من الأجانب، وبعد ذلك جاء مدير جديد للمسرح وألغى نشاطنا واعتمد على المسرحيات فقط، فتفرقت الفرقة وتوقفت الفرقة وتوقف نشاطها، وللأسف الشديد نحن دولة تقتل الفن والخلق الإبداعي، وإذا كان السؤال هل من الممكن قيام الفرقة مجدداً فسيكون الجواب بلا وألف لا، لأن المزاج ليس هو ذلك المزاج، لأن الإحباط ملأ النفس والمناخ غير مساعد لمثل هذه الإبداعات. حدثنا عن قيام الفرقة القومية للفنون الشعبية، وتجربتك معها؟ - كان ذلك عام 1967م بعد قيام معهد الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية كما كان يسمى عند تأسيسه، وكان مديره وقتها الأستاذ الماحي إسماعيل، وتوليت الإشراف والإدارة بالفرقة الوليدة، وعملت مع خبير روسي في شؤون الرقص، وكانت الفرقة في تلك الفترة مميزة للحد البعيد ويسودها النظام والانضباط، ولو استمرت لكانت لها شنة ورنة خارجياً، ولكن تفرقت بعد سفر الخبير الروسي وتغيرت إدارة المعهد وجاءت إدارة تفتقد للخبرة والتجارب، فاعترضت على عمل الإدارة، فتجاهلوني وهمشوني في العمل فتوقفت عن العمل، وبدأت الفرقة العد التنازلي إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم من تهالك، فأين هي الآن من تلك الفرقة التي تدرجت إلى أن كادت تبلغ مستوى العالمية، والسبب هو أن الإدارات التي ظلت تتعاقب عليها لا تمتلك فهماً أو دراية بفنون الرقص الشرقي وبتكوين الفرق وكيفية إدارتها، وهي الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة دون أن تجد مجيراً. وماذا عن تجربتك مع فرق الفنون الشعبية بمراكز الشباب؟ - العاصمة بها العديد من مراكز الشباب، وكل مدينة يسكنها شباب هم خليط من مناطق مختلفة في السودان جاءوا بفنونهم ورقصاتهم وينتظرون الفرصة لإظهار ثقافات قبائلهم، فطرحت على المسؤولين فكرة تكوين فرق فنون شعبية بمراكز الشباب أدربهم وأصمم رقصاتهم، وتمت الموافقة على ذلك، وبدأت العمل بمركز شباب بحري، وكانت فرقة ممتازة جذبت الأنظار ونالت الإعجاب، ولكن تفاجأت بخطاب يقول إن الميزانية لا تسمح بالاستمرار في هذا العمل، فتوقفت عن المواصلة.