ابتداءً نشكر لديوان الضرائب وإدارة العلاقات العامة والإعلام فيه الاهتمام بالملاحظات والآراء التي أثرناها في «إضاءة» الخميس التاسع من يونيو الحالي، ومحاولة الرد عليها وتوضيح وجهة نظره حول تلك الملاحظات والآراء الناقدة لأداء المنظومة الضريبية في بلادنا. وتلك سنة حميدة تستحق الثناء في وقت أدمنت فيه معظم إدارات الدولة عادة «التطنيش» والتجاهل باعتبار أن ما يكتب في الصحف مجرد «كلام جرايد»، عاملة بقول المثل الشعبي الدارج «الكلاب تنبح والجمل ماشي». فالرد والتوضيح في حد ذاته يدل على الاهتمام بقضية تهم الرأي العام وتمس حياته في الصميم كقضية الضرائب التي تؤرق المجتمع وتستحق أن تُثار على كل المنابر المقروءة والمسموعة والمشاهدة والتشريعية والتنفيذية وأن يدار حولها نقاش واسع وشفاف وعميق. عندما اطلع صديقي رجل الأعمال على توضيح ديوان الضرائب، المنشور بهذه الصحيفة يوم الخميس الماضي (16 يونيو) علّق على ما جاء في «التوضيح» بالمقولة الأدبية القديمة «فسر الماء بعد الجهد بالماء»، فكفاني عناء البحث عن عنوان للرد على ما صدر عن الضرائب تعقيباً على مقالي ذاك الذي جاء تحت عنوان: «أمين الضرائب يطالب المواطن بتحمل فواتير الانفصال» والذي لم يكن رجماً بالغيب، وإنما استناداً إلى ما صدر عن الأمين العام في لقاء مع منسوبي الديوان من توجيهات في ذلك الاجتماع الدوري لتقييم الأداء الضريبي ونشرته الصحف. وحتى يستبين الخيط الأبيض من الأسود من فجر الحقيقة، ولتأكيد دقة ملاحظة صديقنا رجل الأعمال حول «تفسير الماء بعد الجهد بالماء» في «توضيح» ديوان الضرائب المذيل بإمضاء «العلاقات العامة والإعلام»، دعونا نعرض بإيجاز بعض ما أورد في ذلك التوضيح أو التعقيب ونقارنه بما قلنا في تلك «الإضاءة»، لنرى مدى تطابق المباني والمعاني، برغم تناقض الرؤى والمقاصد. ü قلنا، تعليقاً على خبر الاجتماع الدوري للديوان الذي خاطبه الأمين العام، والذي جاء فيه نصاً، بحسب جريدة «الأحداث» -الثلاثاء 7 يونيو- «طالب الأمين العام لديوان الضرائب العاملين في الضرائب بمضاعفة الجهود للإسهام الفاعل في مسيرة الاقتصاد بما يحد من الآثار السالبة المتوقعة بعد التاسع من يوليو» -تاريخ انفصال الجنوب- وناقش الاجتماع الأطر التي سيتم بموجبها العمل والتي ترتكز بصورة رئيسية على «توسيع المظلة الضريبية»، قلنا إن الخبر أشبه «بالمضغوطة المتفجرة» لما انطوى عليه من شحنات ناسفة كفيلة بزيادة المعاناة التي يعيشها المواطنون جراء الغلاء المتصاعد ونيران الأسعار الملتهبة، وأن الأمين العام ينذرنا -ولا يبشرنا- ب«توسيع المظلة الضريبية» وهي مظلة كما نعلم ويعلم الجميع لم تترك شأناً «قومياً أو ولائياً أو محلياً» لم تظلله وتغطيه، والسيد الأمين العام يريد لها - برغم ذلك- المزيد من «التوسع». ü وقال الديوان في توضيحه المنشور: لقد انتقد الكاتب توجيهات الأمين العام «لمنسوبيه بمضاعفة الجهد للإسهام الفاعل في مسيرة الاقتصاد للحد من الآثار السالبة المتوقعة بعد التاسع من يوليو القادم واعترض بشدة على التوجه لتوسيع أو توسع المظلة الضريبية «حيث ظن الكاتب خطأ أن توسيع المظلة الضريبية يعني أن يتحمل المواطن فواتير الانفصال، حسب تعبيره». وهنا نقول للسادة في الديوان إن السبب الذي دعا الأمين العام لدعوة منسوبي الديوان «لمضاعفة الجهود للحد من الآثار السالبة المتوقعة بعد التاسع من يوليو» هو ما ستكون عليه الأوضاع بعد ذلك التاريخ الذي هو موعد انفصال الجنوب وخروج عائدات النفط بنسبة كبيرة من موارد الخزينة العامة، وهذا ما دفع السيد الأمين العام لإصدار ذلك التوجيه ودعوة العاملين معه لمضاعفة الجهد، حتى يتم تعويض «الفاقد» المترتب على الانفصال. وذلك يعني أننا لم (نفهم خطأ) ولم نجتهد حتى في التفسير لنصل إلى فهم خاطيء يضلل المواطن، وإنما أوردنا أقوال الأمين العام كما هي، وكما أوردتموها في «توضيحكم» أيضاً: وهي مضاعفة الجهد لدرء الآثار السالبة لذلك الانفصال «بتوسيع المظلة الضريبية». ü وقال توضيح الديوان في النقطتين «الثالثة والرابعة» إن العدالة لن تتحقق إلا بتوسيع أو توسع لتشمل كل الأنشطة التجارية والاستثمارية بكافة أنواعها. فالمظلة الضريبية ببساطة تعني تسجيل كافة الممولين أو المكلفين الذين يجب أن تخضع دخولهم للضريبة وفقما حدد قانون ضريبة الدخل للعام (1986) أو قانون الضريبة على القيمة المضافة - VAT- لسنة (2001) وأضاف: الذين هم خارج المظلة الضريبية يعزي الديوان وضعهم لسببين، إما عدم الوعي الضريبي وعدم تملك المعلومة أو لنية (التهرب الضريبي). ü جميل، في هذا نقول، كما قلنا يوم الخميس قبل الماضي، إن المظلة الضريبية «واسعة ووسيعة)، فعلى المستوى القومي من (المفترض) أن تكون كل شركة أو جهة استثمارية عاملة مرصودة لدى مسجل الشركات وفق قانون (1925)، الذي هو ديوان حكومي تابع لوزارة العدل مثلما ديوان الضرائب يتبع لوزارة المالية، وبما أن كليهما مصلحتان حكومتيان فلا عذر لديوان الضرائب في التعلل «بصيغة» المظلة الضريبية والحث على توسيعها، لأنه ببساطة يمكن أن يرصد كل الشركات المسجلة والعاملة ويلاحقها بأذرعه الطويلة ومنها «نيابة الضرائب» حتى يوعي ويصحي الجاهلين و«يحوش» المتهربين. لكن ما يعلمه الجميع أيضاً حتى «ربات البيوت» هو أن الجبايات والرسوم والدمغات - التي هي كلها أسماء مرادفة للضرائب - لا تقصر على المستوى القومي، بل تمتد لتشمل المستويات الولائية والمحلية، وتبدأ من رسوم الطريق وتمر بالقبانات في أسواق المحاصيل والنفايات وحتى «كانون ست الشاي» ولا تنتهي بالدمغة على إيصال تحصيل فاتورة المياه. أما القيمة المضافة أو ال VAT - فيدفعها المواطن راغماً، لأنها تدخل ضمن سعر «البضاعة» التي يشتريها أو «المكالمة» التي يجريها. وإذا كنّا بعد ذلك نبحث عن توسيع ل«الواسع» أصلاً، فلا نملك إلا أن نقول «حاضر ندفع.. وأمرنا لله، والجاتك في مالك سامحتك»! ü أما حديث الديوان عن أن الضرائب تشكل مورداً مهماً لأي دولة في العالم والسودان جزء من هذه المنظومة الدولية «النقطة الأولى»، فهذا من «المعلوم بالضرورة»، ونحن لم نقل إنّ على الدولة أن تكف عن جمع الضرائب. ولكن القول بأن فئات الضرائب المطبقة حالياً في السودان هي من أقل الفئات المطبقة في محيطنا الإقليمي والعالمي وحتى في تلك الدول المشابهة لنا من حيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية -النقطة السادسة-. فهو قول فيه نظر، حتى لا نقول «تضليل» ويزعل الديوان، والفيصل في ذلك هو الإجابة على الأسئلة المتصلة بضرائب ورسوم الإنتاج والجمارك والتي تفادى «توضيح الديوان» الإجابة عليها، ومنها كم تأخذ الدولة على «جوال السكر» أو «جركانة زيت الطعام» أو السلع الاستهلاكية الأخرى ونسبة ما تأخذه من تكلفة الإنتاج الفعلية وأرباح الشركات المنتجة قبل أن تصل إلى المواطن، ونضيف كم تأخذ الدولة على السيارات المستوردة -خصوصاً تلك التي يشتريها المواطن أو الأسرة للاستخدام الشخصي- ونسبة ذلك من قيمة السيارة عندما تخرج من المصنع في بلد المنشأ. فنرجو من الديوان أن يمدنا بأرقام تفصل وتوضح كل ذلك حتى نستيقن ويطمئن المواطن بأن الدولة بأجهزتها التشريعية والتنفيذية (ومنها الديوان) على درجة عالية من الرأفة والرحمة مقارنة بمحيطنا الإقليمي والدولي و«نحن موهومين ساكت». أخيراً نشكر مرة أخرى إدارة العلاقات العامة والإعلام بالديوان، ونحن في انتظار قوائم الأرقام الموثقة التي تؤكد دقة ما ذهب إليه توضيح الديوان عن قلة أو ضآلة فئات الضرائب - بمختلف مسمياتها- بالمقارنة مع محيطنا الإقليمي والعالمي، وحينها نعدكم بأننا سنكون في طليعة المدافعين عن الدولة والحكومة التي يتهمها «المواطن» ظلماً وعدواناً أنها تضيق عيشه ولا ترحم فقره وتحمله ما لا طاقة له به بالضرائب والرسوم والجبايات.