أخي عبد العظيم صالح.. لك التحية كلماتكم الحزينة وقلمكم المغموس في أحبار الوطن والوطنية.. وحروفكم الدامية وأسلوبكم المختصر الذي لخص الأحداث على شاشات الزمان الحزين.. أدخلني إلى داخل إطار الصورة.. حزناً على وطني وخطل سياساته.. وندماً على زمن طوى صفحات نضال طوال وثورات ودماء شهداء وحركات تحرر وجمعيات وشهداء وأبطال وأغنيات وكتاب ومظاهرات ودراسات وبحوث ورجال سياسة وعلم، بل تاريخ أمة طويناه بالأمس وياللحسرة والألم. قلمكم أشجاني.. أحزنني وأبكاني، فقد كُتب على جيلنا الذي عاش التجربة وكافح وناضل ودخل المعتقلات والسجون مواصلاً رحلة الوفاء للوطن.. يشهد في حزن وألم وحسرة نزول علم من بلد المليون ميل مربع واحتفال وفرحة وذبائح وعربات تجوب الشوارع فرحاً وأغنيات وليالي ملاح وبسمات وأصابع مرفوعة كأن جيوشنا دخلت القدس وطهرته من رجس اليهود الذين ظهرت أعلامهم فوق أرض الجنوب وأمام العالم في مشهد حزين مؤلم تحققت فيه المخططات التي جاءت قبل قرابة المائة عام في كتاب القوى الخفية في السياسة العالمية تأليف فراي ومراجعة بروفيسور دينيس فاهي وترجمة العقيد محمد كمال ثابت.. ورحم الله خرطوم اللاءات الثلاث. لقد دفعنا مهر حريتنا غالياً من دماء الآباء والأجداد من قيم شعبنا وموروثاته من الأرواح التي أُزهقت من ثوابت الرجال الأقوياء من حلفا حتى نمولي.. تاريخ علم الأجيال وجعلنا حلقة للتواصل بين العربية والأفريقية، وقد ضاع كل ذلك الآن.. هؤلاء الأحباب الشرفاء الذين أصبح تاريخهم قصصاً تروى وحكايات وأحاجي أسطورية نغرسها في نفوس أطفالنا نعلمهم معنى الوطنية فماذا نحكي أو نروي لهم والعلم ينزل من السارية كأننا استعمار أُنزل علمه.. وياللحسرة حكم علينا الزمان أن نشاهد حركة التاريخ وهو يطوي الصفحات وذات الوجوه التي أشرت إليها عليها الحسرة والمرارة والخيبة فقد أدركوا في لحظات الألم أنهم صناعة. نعم أخي عبد العظيم فكيف «تقرع الواقفات» ولغة خطابنا الإعلامي هي نفسها لغة التعالي والتكابر وروح الحزبية الضيقة والعقول الفارغة والهتافات الكاذبة.. فقبل أن ترتفع أعلام جمهوريات الجخيس والدروشاب والجريفات علينا أن نجلس الآن ونفتح الأبواب ونبدأ الحوار الديمقراطي الحر فنحن في حاجة إلى تطوير الفكر السياسي الذي يؤدي إلى الوحدة الوطنية بعيداً عن شلة المنافقين وأدعياء المعرفة ونمور الورق الذين أصبحوا قادة تفتح لهم النوافذ ويطلون علينا ويتحدثون وهم أفرغ من فؤاد أم موسى. . مخطئ من يعتقد أن الحزب الواحد قادر على قيادة البلاد ويكفي ما يعيشه الإنسان السوداني من مرض وتعب وغلاء وكد وبطالة، وطبقة نبتت كالنبت الشيطاني تسكن الفلل وتعيش في رفاهية المال الحرام من مؤسسات وشركات ومنظمات أغلبها وهمي.. علينا الآن أن نقرع الواقفات، وهذا لا يتأتى إلا بنبذنا لغة التعالي والآحادية، فالحكومة التي تفرض ذاتها وتحاول أن تحجر على الحريات وتقف ضد رغبات شعبها فهي حكومة مصالح ذاتية واتجاه محدد وهدف مرسوم تساعد على الهدم لا البناء، فالحوار واقتسام الثروة وثورة التعمير والنماء هو مطلب السودان الجديد. نريد الآن من الرئاسة «كنس» كل الذين تولوا القيادة طوال العقدين السابقين مشكورين مأجورين بعد أن أوصلونا إلى هذه المحطة الحزينة لأننا نريد حكماً تتوفر فيه العدالة الاجتماعية يحارب البطالة والمرض والفقر.. وزراء من صلب الشعب خدام لا أسياد.. دون حوافز أو امتيازات.. كباراً في ثقافاتهم وخبراتهم يتمتعون بالنزاهة والشرف والأمانة.. حكومة تحكم الشعب بالقانون والدستور المتفق عليه لا بالتعالي والتطرف، لأن شعار الولاء قبل الكفاءة أوصلنا وصعد بنا إلى الهاوية.. ويكفي ما حدث يوم «نزول» العلم من برامج هايفة وأغنيات راقصة واللهم لا شماتة في الوطن.. حتى لا نبيع العلم مرة أخرى علينا أن نتكاتف وأن نعيد صياغة عملنا السياسي.. فلا نامت أعين الجبناء.. وكلمة أخيرة إسرائيل تقف عند منابع النيل وتحقق الحكمة والأمل ويا للحسرة والألم. دكتور يحيى التكينة