وأنا على مشارف مدينة الحب والجمال بعد غياب طويل، تذكرت قول محمد أحمد المحجوب، ود.عبد الحليم محمد في كتابهما(موت دنيا) الذي زينا بدايته بالعبارة التالية(دخلت مدني باكياً وخرجت منها باكياً) وسالت حبيبات من الدمع... وأنا استعرض شوامخ فكرية وسياسية وثقافية وشعرية أحمد خير- بابكر كرار د. محمد عبد الحي- المساح- فضل الله محمد- الكاشف- محمد الأمين- الخير عثمان- رمضان حسن- أبو عركي- عبد العزيز المبارك- مامون بحيري- سانتو أخوان- كوري أخوان، وأنا أتوسط المدينة والعربة تسير بي على شارع النيل، أحسست بشعور غلاب، بأن النيل يعيش لحظات ضياع، ولا هو استغل جمالياً، ولا أستنفع به الناس انتاجياً، ولفت نظري سفلتة الشوارع الرئيسية، وانتظام الكهرباء، وإشارات المرور- ورجال المرور بزيهم الأبيض ينظمون السير، رغم وجود الإشارات التي تكفي، والتقيت مساء نفس اليوم واليوم التالي ببعض المهمومين بهذه المدينة التي كادت أن تفلت من الأصابع، وكنت أحمل في ذهني وجوارحي سؤالين أولهما مضاجعي طول الطريق- مشروع الجزيرة- والشريط الصناعي الذي يمتد من مدني- مارنجان- بركات- وهالني ما سمعت وسألت النفس هل تحولت هذه المدينة المعطاء ة إلى مدينة خدمات، أين الإنتاج، وأين يجد جيوش العطالة من الخريجين والثانويين العمل؟ هل تحولت (مدني) إلى مدينة سائقي ركشات وأمجاد- أن هؤلاء الشباب إن وجدوا العمل الجاد حولوا هذه المدينة إلى سيرتها الأولى، وإن أهتم لو الأمر بمشروع الجزيرة وهذه ليست بالمعجزة أو اللغز الاقتصادي، فإنه سوف يستقطب الكتل البشرية التي تعيش على هامش الحياة، وتحول الاقتصاد الساكن إلى اقتصاد متحرك يبعث الحياة ليس في مدني فحسب بل في كل أنحاء السودان الجديد. في اليوم الثاني دعوة إلى تكريم وزير المالية بولاية الجزيرة الأخ الصدوق صديق الطيب علي، من قبل الرياضيين قدامى وجدد باعتباره كان لاعباً خلوقاً بنادي المريخ بمدني، وفاءاً لما يقدمه صادقاً وجاهداً في العمل والنهوض باقتصاد الولاية إلى مشارف التطور والتقدم والإزدهار، وقد أفلح المشرفون على هذا التكريم في إخراجه بالصورة التي تليق بالمناسبة، وهو تكريم صادف أهله- وقد قابلت وجوهاً كثيرة من رياضيين واجتماعيين وسياسيين، لم التقِ بهم منذ زمان بعيد، ولكن لفت نظري غياب كوكب من كواكب نادي المريخ والأب الروحي(بابكر أبشر) آمل أن يكون سبب الغياب خيراً. زيَّن الحضور السيد والي الولاية البروفيسور الزبير بشير طه، وقادة العمل المصرفي ببنك الجزيرة الأردني، ولعلها سانحة أن نقول لأهل هذا البلد أن يلعبوا دوراً محورياً في إعادة تأهيل مشروع الجزيرة فهم إن أقدموا على هذه الخطوة فإن أهل الجزيرة لن ينسوا لهم هذا العمل الطيب، وأن يستفيدوا من وجود مدير بنك الجزيرة الأردني، بمدني الأستاذ عبد المنعم عبد العال فهو قامة مصرفية واجتماعية ورياضية، أطمع ألاَّ تفلت الفرصة من بين أيديكم.. تكريم الأخ الصدوق صديق الطيب علي ثبت الثقة بأن هذا الشاب الأمين سيف صارم على الفساد.. ألم يقل والي الجزيرة إن أعداء النجاح هم الذين يحاربون الذين يعملون، وجدد الثقة في وزيره، ووعد بأن الولاية سوف تشهد تطوراً في الأيام المقبلات.. كما شكر السيد الوزير الجميع، ووعد بأن يبذل كل ما يملك لاسعاد أهل الجزيرة وتطويرها. عدت صباح اليوم الثاني بالطريق الجديد بشرق المدينة إلى الخرطوم، وهذا انجاز لا يضاهيه انجاز، وتمنيت أن ينتقل الجميع إلى ذلك الجزء من المدينة وتعميره حيوانياً وزراعياً وتعليمياً ورياضياً، أنها جنة الأوسط الجزيرة فحسب، بل وسط هذا السودان العظيم.. انتبهوا لهذه المنطقة أنها منطقة التاريخ، وخرجت محمد أحمد المحجوب.. ود. عبد الحليم محمد من مدني..