وقد ذكر حكاية الجيلاني الأستاذ الدكتور المصري الجنسية مصطفى حلمي الذي نال جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية في سنة من سنواتها مناصفة مع الأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم الذي حقق عدداً كبيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر الأستاذ الدكتور مصطفى حلمي هذه الحالة الشيطانية على أساس أنها كرامة في كتابه (أعمال القلوب بين الصوفية وعلماء أهل الحديث) وقال بعد ذكرها (ومن المحتمل أن الأسطورة دخلت في سياق هذه الكرامة، ولكن مغزاها يشير إلى تفشي دعاوى الكرامات، ووقوف الشيخ في وجه هذا التيار الجارف حتى لا ينساق الصوفية ومريدوهم إلى الإنسلاخ عن الشريعة، ولعل تسلسل الوقائع في قصة هذه الكرامة تشير إلى هذا إذ تشير سبب نجاة الجيلاني بما جاء على لسان الشيطان في مخاطبته له: يا عبد القادر نجوت منى بعلمك...) ص42 المرجع المذكور. ونحن نختلف مع فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى حلمي في تعليقه على هذه الحالة. وهو في رأي لا يمثل امتداداً لمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتحليله لهذه المسائل وحديثه عن هذه الحالة وغيرها يؤكد لنا أنه يمثل مدرسة جديدة تطلق الأحكام العامة على التصوف، أي تنكر التصوف جملة وتفصيلاً. وقد ذكر شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله سره قد ذكر حكاية الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره مع الشيطان الذي ظهر له وقال له: أنا ربك، ذكرها ابن تيمية قدس الله روحه في فتاويه أكثر من مرة ليبين أن الحالة الشيطانية قد تحدث لولى الرحمن، وأن العالم من الشيوخ يستطيع معرفتها كما حدث للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله فالجيلاني كان على علم ودراية بدينه، ولذلك عرف أنه شيطان، فلا يمكن أن تكون الكرامة لهدم الدين أو لتحليل الحرام، فالحرام لا يحلل مهما كانت الأسباب والدوافع وقد سئل الشيخ عبد القادر الجيلاني: كيف عرفت أنه شيطان؟ فقال: بقوله إنني أحللت لك المحرمات، ويبدو أن الشيخ العالم عبد القادر الجيلاني عرف أنه شيطان بأسباب أخرى لم يذكرها، لأنه يرى أن المسلم لا بد أن يكون عالماً بها، فالشيطان الذي قال له: أنا ربك، ظهر في شكل محدد، والمسلم يعلم أنه لن يرى ربه في هذه الدنيا يقظة، فمسألة عدم رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا يقظة ليس فيها خلاف بين الفرق الإسلامية. والشيخ عبد القادر على علم بأن وجوه المسلمين المؤمنين سوف تنظر إلى ربها في الآخرة في الجنة، قال تعالى:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (سورة القيامة الآية 22 23). وقال تعالى:( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ...) (سورة الأحزاب الآية44) وقال تعالى:(كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) (سورة المطففين الآية15-17). ومسألة رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة فيها خلاف بين السلف من جانب والمعتزلة والإباضية من جانب آخر، وهذا الخلاف الفرعي بينه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في فتواه الشهيرة عن الإباضية والتي انتصر فيها للسلف أو رجح فيها رأي السلف في مسألة رؤية الله في الآخرة في الجنة وتناولها أيضاً الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الإباضي مفتي السلطنة العمانية أمد الله في أيامه ومتعه بالصحة والعافية في كتابه (الحق الدامغ) الذي رد فيه على سماحة الشيخ بن باز رحمه الله وقد بين الشيخ الخليلي رأي الإباضية الرأي الذي يرجحه في هذه المسألة وفي مسألة الحكم على مرتكب الكبيرة ومسألة قول بعضهم بخلق القرآن، وقد رد الشيخ أحمد بن سعود السيابي، العماني، الإباضي، الذي كان مديراً للشئون الدينية بسلطنة عمان على فتوى الشيخ بن باز رحمه الله (الرد على فتوى بن باز).