جاءت اتفاقية الدوحة لسلام دارفور مؤخراً شاملة وجامعة ومستوعبة.. شاملة لكل المحاور والبنود المطروقة دائماً عن الحديث عن مشكلات دارفور ومحاولة تشخيص الأزمة.. جامعة لكافة تطلعات أهل دارفور.. مانعة لتجدد الصراع أي صراع بسبب السلطة والثروة. لقد كانت مراسم توقيع اتفاقية الدوحة محضورة ومؤيدة من أهل المصلحة بدارفور.. الإدارة الأهلية والحكومات الولائية والمحلية وأعضاء الهيئات التشريعية القومية والولائية والنازحين واللاجئين وقطاعات الشباب والمرأة والطلاب، وكذلك شهدت عليها الهيئات الدولية والإقليمية ورؤساء دول الجوار والرأي العالمي، مما يجعل من الاتفاقية وثيقة لها اعتبار إقليمي ودولي كبير. إن نهاية منبر الدوحة وإشهار الوثيقة يعني عودة ملف دارفور إلى الداخل مما يترتب عليه مسؤوليات وطنية مهمة وضرورية لإنجاح الاتفاق وتأمين تطبيقه بدقة تحصنه من سوءات الاتفاقيات وأوجه قصورها تجعل من هذه الوثيقة مغلاقاً لباب الفتنة والعنف والصراع الذميم من أجل السلطة والثروة. إن الضرورة ملحة جداً لرسم خارطة طريق لسلام دارفور وربما وضع مدونة دقيقة يتراضى عليها جميع شركاء السلام، ويمكن أن تكون ملامح ذلك على النحو التالي:- أولاً: يجب إحسان استيعاب مجموعات السلام القادمة بروح وفاقية ومظاهر ترحاب حميم يجنبنا مزالق اتفاقية أبوجا وغيرها من الاتفاقيات التي كانت غارقة في عدم الثقة والتربص مما جعل القادمين من حركات التمرد منكفئين على أنفسهم مستعصمين بمجموعاتهم مقابل عدم الاحتضان والأستصحاب الحميم من أهل الدار مما جعل مهمة الانصهار والتعاون لتنفيذ الواجبات والتكاليف صعب جداً، الأمر الذي جعل بعض الجماعات المسالمة تعود القهقري إلى الغابة ومواصلة التمرد. ثانياً: حسناً ما أسست عليه الوثيقة الأخيرة للسلام، حيث جعلت طرفي الحكومة والحركات الموقعة شركاء في توزيع أنصبة السلطة وتحمل تكاليف السلام من خلال مؤسسات الحكم الانتقالي ليعود الاستقرار والنماء وحسن الخدمات وعائدات الثروة القومية لكافة المواطنين والسكان بلا تمييز. ثالثاً: إن استيعاب مجتمع دارفور وتفعيله داخل المنظومة الكلية لبرامج السلام بالإقليم أكبر ضمانة لنجاح الأمر وبلوغ الغايات وكسب سواعد حقيقية لمعركة الإعمار والبنا من كافة شركاء السلام وأصحاب المصلحة. رابعاً: تجنباً للغبن المفضي للضرار والتأزم لا بد من عدم نسيان شركاء السلام السابقين من منسوبي الحركات الذين عادوا للوطن من خلال اتفاقيات قومية أو ولائية، لأن نسيان هذه المجموعات في غمرة الفرحة الغامرة بالقادمين الجدد من شأنه أن يشعر أولئك بالغبن وعدم الاعتبار وبالتالي العمل على التعبير عن وجودهم بسلوك هدام أو تصرفات حمقاء تعمل على إفساد الأمن والاستقرار، تماماً مثل ما يؤدي الإحتفاء الزائد بالمتمردين من شعور مؤلم في نفوس المواطنين الصابرين سكان المدن والقرى بالإقليم. خامساً: على الحكومة والمؤتمر الوطني مواصلة تنفيذ إستراتيجية دارفور الخاصة بتصحيح الأوضاع وإزالة المشكلات والتشوهات التي حدثت في الإقليم ودفع برامج الخدمات والتنمية بولايات دارفور دون تردد أو انتظار أحد، وكذلك معالجة أوضاع المعسكرات والظروف الإنسانية وتسهيل عودة اللاجئين. سادساً:استثمار شهادة المجتمع الدولي للوثيقة وحمله على الوفاء بالتزاماته تجاه السلام بدعم الجهود وتوفير موارد صناديق التنمية والإعمار والتعويضات وإيقاف دعم الحركات المتمردة وتشجيعها للحاق بوثيقة الدوحة.