أكبر خطأ أن نجلس وننتظر أن تقوم سلطات الأمن بالقبض على القتلة في أي جريمة. الصواب: أنا.. وأنت .. وهو .. وهي ، كلنا نشترك مع رجال الأمن في مطاردة الهاربين، ونترك في النهاية لرجال الشرطة مهمة وضع القيود الحديدية في أيديهم. إن رجال الشرطة في أي بلد من العالم لا يقرأون الطالع ولا يضربون الودع، وهم لا يستطيعون حل لغز أي جريمة بدون مساعدة من المواطن العادي. إن معلومات المواطنين هي الأساس في حل الجرائم والقبض على الهاربين. إن البعض قد يحاول التقليل من شأن معلوماته ومشاهداته المتعلقة بالجرائم والحوادث، وهي نظرة خاطأ بلا شك.إن أجهزة الأمن في أي بلد بالعالم لا يمكن أن تحقق أي نجاح بدون الاعتماد على معلومات المواطنين. هذه المعلومات التي إن أبلغت عنها قبل وقوع الحوادث تمنع وقوعها، وبعد وقوع الحادث تساعد في فك الغازها والقبض على الجناة الهاربين. إن المواطنين عادة ينقسمون إلى نوعين، النوع الأول لا يفكر في تقديم معلوماته لرجال الأمن، إما بسبب خوفه المترسب من التعامل مع رجال الشرطة، وإما بسبب خشية أن يتعرض للإيذاء من المجرمين الهاربين.. وهناك النوع الايجابي من المواطنين الذي يبادر بابلاغ أجهزة الشرطة عن معلوماته مهما كانت صغيرة أو تافهة. إن الجناة في كل حالة لابد أن يكون لهم سكن أو محل إقامة معين، سواء قبل أيام أو أسابيع من ارتكاب الحادث، وحتى لو كانوا يقيمون بطرف أشخاص ينتمون اليهم، فلا بد أنهم كانوا يتحركون، ولا بد أنهم كانوا يُشاهدون خلال تحركهم، وهنا لابد أن ترتفع يقظة المواطن، وأن يتذكر هل كان أحد المشتبه فيهم يسكن أو يقيم في نفس منطقة سكنه، قبل أو بعد حادث الاغتيال.. ولنفترض أن الشهود في حادث اغتيال قد حددوا أوصافاً عامة للجناة الذين كانوا يستخدمون الموتيسكلات، لكن ألا يُحتمل أن يكون الجناة قد قاموا بتغيير ملامحهم، مثل التخلص من ملابسهم وتغييرها بأخرى، ومثل حلق الشعر والشوارب، هذا مؤكد، لكن تغيير الملامح لا يعني تغيير الأوصاف، كما أن الأوصاف البدنية مثل الطول والنحافة والامتلاء لا يمكن تغييرها.. أيضاً من الصعب تغيير اللهجة، لكن المهم هنا أن محاولات الجناة لتغيير سلوكهم بعد الجريمة، لابد أن يثير الاشتباه لدى المواطنين، الذين يعيشون بالقرب من محل إقامتهم.. وعلى المواطن في هذه الحالة أن يراجع نفسه ويسألها، لماذا قام هذا الشخص بتغيير سلوكه فجأة؟ لماذا لا يخرج من البيت؟ لماذا قام فجأة بتغيير ملامحه وملابسه المعتادة؟ يحدث أن يشاهد أحد المواطنين أحد الجناة بعد ارتكابه للحادث، وهو يندس في الزحام في شارع مزدحم بالناس.. ومن المؤكد أن العشرات قد شاهدوا ارتباكه، أو اللفافة للمدفع الرشاش الذي يحمله بيده.. ولابد أنه استخدم وسيلة مواصلات أو تحدث في التلفون، أو اتجه إلى المكان المتفق عليه من قبل، لكن ماذا لو أشتبه مواطن في أحد الأشخاص سواءً لأن ملامحه تنطبق على ملامح الجناة، أو لأن سلوكه غير طبيعي، ليس المطلوب من المواطن أن يكون بطلاً انتحارياً، لكن المفروض إذا أشتبه في أحد، أو لا.. ألا يثير ريبته ويظل مثلاً يحدق في وجهه، وإنما يبتعد ويراقبه عن بعد، وألا يجعله يغيب عن بصره، وأن يحاول التقاط صورة ذهنية واضحة عن ملامحه، وملابسه، وحديثه، ورقم سيارته، ثم عليه أن يتصل في أقرب فرصة بأي جهاز من أجهزة الشرطة، أي جهاز لا يهم ما دام في النهاية بلاغه سيصل إلى الشرطة. لكن ما هي علامات الاشتباه غير الأوصاف التي يمكن أن تثير ريبة المواطن العادي؟ هي أن يكون سلوك هذا الشخص غريباً، كأن يذهب ويجئ لفترة طويلة أمام أحد الأماكن بدون مبرر، أو أن يختفي داخل مسكنه على غير العادة، أو يعقد اجتماعاً داخل سكنه لأشخاص غير معروفين، وفي أوقات غريبة.. كذلك لابد أن يثير ريبة المواطن العادي تردد الغرباء على المنطقة محل سكنه، وقيام بعضهم بحمل أو إخفاء أشياء مجهولة، ومن هنا تأتي أهمية معلومات المواطنين لتضييق الخناق حول الجناة الهاربين، يجب أن تعامل بلاغات المواطنين على نفس المستوى من الأهمية، ويجب ألا يكشف عن شخصيات المبلغين حرصاً على حمايتهم. ولكن في نفس الوقت على المواطن أن يدرك أن تستره أو خوفه أو تردده في الإبلاغ عن معلومات ليس فقط جريمة يعاقب عليها القانون، وإنما هي جريمة أعظم يرتكبها في حق نفسه وأولاده وأسرته. فالإرهابي لا يفرق بين الناس وشظايا القنابل، ومعظم ضحاياه من الابرياء عابري السبيل، وإن مكالمة واحدة من شاهد عادي قد تنقذ أسرته وأولاده ووطنه، فلا مكان للتردد. لواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق