د. الحاج آدم يوسف الأمين السياسي للمؤتمر الوطني جانبه التوفيق تماماً وهو يطلق عبارته التي أثارت استغراب الكثيرين، والتي قال فيها تعليقاً على الأنباء الصحفية التي تحدثت عن زيارة مرتقبة لياسر عرمان إلى إسرائيل :«المؤتمر الوطني غير معني بسفر ياسر عرمان إلى إسرائيل أو السما الأحمر». وقد دهشت وصدمني هذا التصريح بحق لسببين، الأول هو أنه صادر من رجل بقامة الحاج آدم المعروف بالرزانة والموضوعية والعمق في الرؤية، والسبب الثاني أن التصريح صدر من الأمين السياسي للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم ، ولو أنه صدر من أي حزب آخر لكان الأمر طبيعياً، ولكن ما هو غير طبيعي وغير مفهوم أن يعبر المؤتمر الوطني عن لا مبالاة وبهذا الشكل من قضية شديدة الخطورة وتمس أصلاً ثابتاً من «الثوابت» الراسخة لحزب المؤتمر الوطني بمختلف مسمياته التي مر بها منذ ستينات القرن الماضي.. ومن عجب أنه وفي الوقت الذي يعلن فيه المؤتمر الوطني تجاهله لقضية سفر عرمان إلي إسرائيل تظهر المعارضة قلقاً شديداً إزاء الأمر وتطلق تحذيرات شديدة اللهجة لما يسمى بالحركة الشعبية قطاع الشمال بعدم الإقدام على زيارة إسرائيل وأسمت الخطوة بالخطأ الفادح. والحقيقة أن الزيارة هي حتي الآن لم تتم وما برحت حتي الآن مجرد أنباء لم يؤكدها ولم ينفها القطاع، ولكن ليس هناك ما يؤشر علي استبعاد حدوثها، فياسر عرمان وقطاع الشمال بالحركة لا تؤمن بوائقهم ولهم في صنع المشكلات وتعقيدها وإثارة القضايا الخلافية والشائكة سجل طويل وعريض.. نقول للدكتور الحاج آدم إن الاتصال بإسرائيل ظل خطاً أحمر قاني لا يجوز الاقتراب منه، وذلك من ثوابت السياسة الخارجية للدولة السودانية منذ الاستقلال وما جرى من صور الاتصالات بينها وبين الكيان الصهيوني خاصة في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري كانت تتم في الخفاء ويضرب عليها سياج من السرية للحساسية الشديدة التي تمثلها مثل هذه الاتصالات، ومعروف أن السودان قد وقع على «قانون مقاطعة إسرائيل» في العام 1958 وهو قانون موحد وقعت عليه معظم الدول العربية، والذي تقول نصوصه بصريح العبارة: «يحظر على أي شخص أن يعقد بالذات أو بالوساطة اتفاقاً من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو مع هيئات أو أشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها»، وينص القانون علي عقوبة السجن مدة قد تمتد إلى عشر سنوات. وبعض الدول العربية ألغت هذا القانون وهي تلك التي أنشأت فيما بعد علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، فهل ألغى السودان هذا القانون؟ مطلع هذا الأسبوع أصدرت الجمعية اللبنانية لدعم قانون مقاطعة إسرائيل بياناً شديد اللهجة أدانت فيه الراقصة اللبنانية «جوانا فخري» بسبب إحيائها حفلاً غنائياً وراقصاً مع فرقة غنائية إسرائيلية ورفعت العلم اللبناني بجانب العلم الإسرائيلي، وهو ما اعتبرته الجمعية يشكل مخالفة صريحة لقانون مقاطعة إسرائيل الذي يحظر إقامة أية علاقة مع إسرائيل تحت أي عنوان أو شكل أو أسلوب وأيّاً كانت المبررات والدوافع، وطالبت الجمعية بمعاقبة الراقصة جوانا بموجب قانون المقاطعة. وإذا كان اللبنانيون يحتجون بسبب حفل غنائي أقامته راقصة بالمشاركة مع فرقة غنائية، فتخيل معي ماذا كان سيكون رد فعلهم لو أن الأمر يتعلق باتصالات سياسية بقمة الهرم السياسي والأمني في إسرائيل.. فبحسب ما أورده مركزsmc فإن ياسر عرمان تلقى مكالمة هاتفية من وزير الخارجية الإسرائيلي «ليبرمان» أشار فيها إلي اكتمال الترتيبات لزيارة عرمان لإسرائيل بعد التشاور مع رئيس الوزراء نتنياهو ، وأن الزيارة تأتي لمزيد من إحكام وتنسيق المواقف بين دولة إسرائيل وجمهورية جنوب السودان..! وهناك أسئلة ملحة لا بد من توجيهها إلى الحاج آدم وهو يظهر تضجراً من الانشغال بزيارة عرمان ويتجاهلها ونقول أولاً إن عرمان كان عضواً شمالياً في الحركة الشعبية لتحرير السودان وقد «تحرر» السودان وذهب الجنوب إلى حال سبيله دولة قائمة بذاتها، وبالتالي فقد أصبح حزب الحركة الشعبية حزباً محظوراً بحكم القانون ولا يجوز له ممارسة أي نوع من الأنشطة سواء كانت سياسية أو غير ذلك داخل حدود جمهورية السودان، وبالتالي فما هي الصفة التي يحملها عرمان الآن وهو مواطن من مواطني جمهورية السودان؟ كيف تتركه حكومة المؤتمر الوطني يمارس«السمسرة» السياسية على النحو المشار إليه مع إسرائيل والتي تصنف في ملفات الخارجية بالعدو وتحظر علي مواطنيها السفر إليها وتمتنع عن إقامة اية علاقات معها؟ ولصالح دولة أخرى هي جنوب السودان ؟ أم هل يا تري اعتبر المؤتمر الوطني قطاع الشمال بحالته الراهنة وبشخوصه المعروفين حزباً سياسياً له الحق في ممارسة العمل السياسي على قدم المساواة مع الأحزاب الأخرى؟ وحتي إذا سلمنا بذلك جدلاً فهل يحق لهذا الحزب أن يجري «تخابراً» على هذا المستوى وبهذه الكيفية مع دولة تعد عدواً تاريخياً للسودان دون مساءلة أو محاسبة أو عقاب؟ بل بالتجاهل وعدم الاكتراث ورفع سقف التجاهل للأمر إلي عنان «السما الأحمر»! نرجو أن يكون ما قاله الحاج آدم زلة لسان و«سورة» غضب، وليس سياسة ومنهج معتمد من جانب المؤتمر الوطني، فهو ليس حزباً يمارس السياسة «من منازلهم» إنه الحزب الحاكم الذي تدافع الناس إلى إعطائه أصواتهم في الانتخابات الماضية والتي بموجبها يجلس الآن علي كابينة القيادة ممسكاً بدفتها.. إن ما قام به عرمان جريمة يعاقب عليها القانون ولا بد من محاكمته.