حاج إبراهيم اسكندراني في العقد السادس من العمر، قليل الكلام، حاد المزاج، محترف في العمل الذي يؤديه، ذات صباح وجدني مطأطأ الرأس مستغرقاً في اللانهاية، حاولت أن أضرب يمين في يسار ولكن دون جدوى، فجأة وجدت من يقول لي؟ مالك يا بيه!! ورفعت رأسي منزعجاً، فإذا بحاج إبراهيم يقول؟ تعال أحكي لك هذه الحكاية...شيخ (عمر) رجل بسيط في حياته، باع الدنيا بأبخس الأثمان، يضحك مع الجميع صغار وكباراً؟ يكذب من يقول إنه وجده في يوم من الأيام مهموماً بمشاكل الدنيا الفانية، يمشي بين الطرقات يوزع السلام، والبسمات والطيبات الصالحات بين الناس.. جاءه ذات يوم أحد أصدقائه المخلصين ويدعي حاج (علي) قال له أريد أن أهدي لك هدية ثمينة تشكرني عليها مدى الدهر، تقديراً لصداقتنا وحبنا الذي امتد أكثر من أربعين عاماً، وأنشرح قلب الحاج (عمر) فهو لم يعتد أن يهديه أحد هدية؟ بل كان يوزع هداياه للأطفال والمساكين والفقراء، وفغر فاه في انتظار هدية صديقه حاج (علي)، فقال له سوف أعطيك أكبر هدية في الدنيا يتمناها الكثيرون.. قال وأنا في انتظار هديتكم الغالية، قال الشيخ (علي) أهديكم التفكير، فأنت رجل تعيش بدون أن تفكر في ملمات الحياة وتعقيداتها.. فقال حاج عمر، وما هذا الذي يسمى التفكير.. قال حاج (علي) انتظر وسوف يأتيك قريباً، والحاج (عمر) في انتظار هدية صديقه التي تسمى التفكير، وبدا منشغلاً بها، ومر الاسبوع الأول والثاني والحاج (عمر) في انتظار التفكير، واختفت البسمة والقفشات التي يوزعها للأطفال والنساء والرجال، واستمر منشغلاً في انتظار الهدية العظيمة التي وعده بها صديق عمره حاج (علي)، وتحولت حياته فجأة من تلك الابتسامة المرسومة على جبينه، وذلك الوجه الوضئ، الى تفكير دائم، وتوالت الأيام ومر شهر وشهران واختفى صديقه عن الانظار إذ ذهب خارج المدينة لأداء بعض المجاملات الاجتماعية، وعاد بعد ذلك وذهب على التو إلى صديقه حاج (عمر)، وعلى غير العادة وجده مستغرقاً في التأمل والبحث عن شيء مجهول في الآفق البعيد، وقابله الحاج عمر بسلام بارد، وقد غطى وجهه السواد وقال الحاج عمر معاتباً صديقه (علي)، أين الهدية التي وعدتني بها، وأنا في حالة انتظار أكثر من شهرين؟ وهديتك التي قلت عنها قيِّمة لم تأتني، فقال له الحاج (علي) مازحاً إن الهدية قد وصلتك يا حاج (عمر) الم تكن دائماً تفكر في هذه الهدية، وبدأت تفكر في أشياء كثيرة، لم تكن من قبل تفكر فيها، إذن أنت استلمت هديتك بدون أن تشعر، وحدق الحاج (عمر) في وجه صديقه (علي) كثيراً، وتعداه إلى الآفق البعيد، وهنا صاح صديقه الحاج (علي) بفرح شديد إذن أنت الآن تفكر، وصاح الحاج (عمر) بعصبية شديدة بلاش تفكير.