من مظاهر الإفلاس السياسي العربي عدم القدرة على التفريق بين العدو والصديق رغم ظهور ذلك كما الشمس في رابعة النهار، لقد طال الجهل السياسي الكبار والصغار، عدم تفهمهم وتقييم الأحداث الجارية وتأثيرها على المنطقة العربية سياسياً وحتى لو تم تقييم للأحداث فهو لا يتعدى الأضابير التي ضمته، ولقد أثبتت الأحداث أن الدول العربية تساق منفردة أو مجمعة لحتفها كما الضأن لا يهرب، بل ينتظر مصير الآخرين مستسلماً ليتم تصيدها واحدة تلو الأخرى، ثم أيضاً من المظاهر السياسية السالبة العمل بردود الأفعال غير المتوقعة تجاه الأحداث والانزواء وعدم الفاعلية حتى في المواقف الإنسانية إلا بعد صدور إشارة موافقة أو إيماءة رضا من الخارج، ولا يتغير رد الفعل هذا حتى إذا وصلت الأحداث إلى الدرك الأسفل من السوء واللا إنسانية التي تهتز لها الأرض (الصومال-السودان) عربياً على الأقل. الآلة الإعلامية العربية رغم إمكاناتها المتطورة التي ربما يفوق بعضها إمكانات بعض الدول الغربية، ورغم صعودها في سماء الفضائيات إلا أن الإعلام الغربي الآن غزا فضاءنا العربي وغزت قنواتنا برامجه الأصيلة أو الشبيهة من خلال محاكاة أو مجاراة قنواتنا للنهج الغربي في الطرح والصراة لحد الوقاحة في تناول بعض المسائل الاجتماعية، لقد غزا الإعلام الغربي الحواس عند النشء والشباب والكهول معاً، إن المصلحة الصهيونية تكمن في أسر الأسماع والأنظار لحد الإبهار وتوليف الأحداث وسكبها سباكة مهنية عالية مقنعة تجعل الكل صديقاً لما يرى وصديقاً للقنوات المعنية، وللعجب فإن بعض هذه القنوات تمويلها عربي خالص من مال عربي خالص، لكنه مرتهن، لقد سطا الإعلام الغربي تماماً واستولى على عقلية عالمنا كله، تبقى الحقيقة أن الإعلام وآلياته البشرية والفنية معضلة العرب ومشكلتهم في التوظيف الصحيح الإيجابي والسلبي، وهو الخطاب الذي يمكنه أن يعطينا كل شيء كما نرغب، أو يسحب منا كل شيء رغبنا أو لم نرغب، فقط علينا أن نتحلى ببعد النظر الأخلاقي قبل المهني لهذه الآلة الخطيرة التي أصبحت عندها أو لديها الأخلاق مجرد مادة أو كلمة تضاف إلى حوار أو قاموس مفردات، ودوننا ما تضج به صحائف ووسائط الآلة الإعلامية العالمية أو العربية أو المحلية، لقد أصبح بعض الإعلام الموجه كالسياسة بلا أخلاق. الموقف القومي العربي تأثر بالمتغيرات السياسية الداخلية ثم عوامل خارجية في المحيطين العربي والإقليمي والدولي ما عادت القومية العربية تملك تلك الجاذبية التي كانت، بل استطيع القول جازماً إن نيرانها خمدت في بعض الدول بفعل تداخل الأثنيات المحلية أو الوافدة، بل طغيان أو تغلب بعض الأثنيات على الطابع العربي للدولة، لذا خفتت أصوات القومية العربية إلا همساً في بعض البلدان، ويبقى السؤال الحائر أو الملح هل حل المعضلة التكاملية العربية يكمن في إعادة بعث الحياة للمنظور القومي العربي كما كان سابقاً، قطعاً لا يمكن الرجوع إلى الوراء ولكن إذا حرر العرب إرادتهم واقتصادهم وسياستهم من الهيمنة الغربية، حتماً سيأتي يوم يتمكنوا فيه من جمع الشتات القومي والفكري كما جمعتهم لغة الضاد. إن أوجه القصور العربي كثيرة في كل اتجاهات مطالب الحياة فكرية كانت أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية، هي أوجه قصور لا يمكن تجاوز بعضها، بل تؤخذ بكلياتها لأن فيها أسباب القوة وأسباب الضعف معاً، وحري بالقادة العرب وقد رأوا بأم أعينهم ما يجري من مشاهد قيامة السياسة العربية، أن تكون أول بنود اجتماعات جامعتهم العربية أن يتناقشوا بشفافية ومصداقية في أوجه القصور هذه، لأنها هي المرض المزمن الذي أصاب القلب العربي الحاكم. إن كل أنظمة الحكم التقدمية أو الرجعية أو الشمولية وخلافها، تلتقي عند نقطة واحدة، إنها لم تلبِ طموحات شعوبها للتلاقي والتوحد لتكون أمة رائدة من جديد، تعمر الأرض حيثما قطنت. إن قصور النظر العربي لن يُتعافى منه ما لم يخرج أصحاب القصور من القصور إلى النور.