وتحدثنا بالأمس عن ميلاد الجمهورية الثانية.. لا محالة.. وتحديداً وحسب وعد الأحبة في المؤتمر الوطني.. وعلى لسان أرفع قيادته.. ودعونا نضع النقاط على الحروف.. ونسمي الأشياء بمسمياتها.. فالسيد رئيس الجمهورية.. شخصياً قد أعلن أن ميلاد الحكومة القادمة.. أي الجمهورية الثانية.. وهو الاسم الذي أطلقه عليها مولانا نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان.. سيكون الميلاد و »السماية« بعد العيد مباشرة.. وها هو العيد قد وافى فأين البشر والطرب.. وها هي كلمات الشاعر الطموح »المتسول« المتنبيء تجلجل في الفضاء.. وعيد بأي حال عدت يا عيد.. وها نحن المواطنين.. نحكي عن »عيشنا« و »عيشتنا« وأحوالنا وأهوالنا التي رزحنا تحتها إبان الجمهورية الأولى.. ولا نجد »عرضحالاً« أكثر بلاغة ولا تعبيراً.. ولا وصفاً.. ولا توصيفاً غير ذاك الوجع الخرافي والبكاء المر الذي كتبه التجاني بدموعه.. أو بعرق السهر.. وهو يخاطب حبيباً.. تفنن في قسوته.. وأذاقه كؤوساً مترعة من الحرمان والجفاء.. وصوراً من العذاب والتعذيب.. وأعذرك صديقي التجاني.. إن استلفت أو انتحلت شخصك وأنا أخاطب.. الحكومة.. علها ترق.. أو تتغير.. أو ترحم.. أو »تفصِّل« ثوباً جديداً.. بديعاً.. وأنيقاً.. »تقدل« به في ساحة الجمهورية الثانية.. بعد أن خلعت ثوب الجمهورية الأولى.. المليء بالثقوب، الحافل بالبقع والأحبار، و»طبقته« ثم وضعته في خزانة الملابس.. وعشمنا في الله كبير.. وأملنا في عودة الوعي إليها شاسع وواسع.. ولها نقول.. أنا والليل ومر جفاك مساهرين نحكي للأفلاك مساهرين.. لا خلصت حكاوينا ولا لقينا البداوينا.. سنين مرت ومرو سنين براك عارف وبي أدرى.. والحال يا هو نفس الحال.. وجرحك لا غار ولا بدور يبرى.. ولو حاولت تتذكر.. تعيد الماضي من أول.. تلقى الزمن غير ملامحنا.. وانحنا بقينا ما نحن.. وأنا الصابر على المحنة.. ويا للخسارة.. وتكون »عوجة« أو كارثة إن جاءت الجمهورية الثانية.. تحمل نفس قسمات الجمهورية الأولى.. عندها.. يكون حصادنا هو حصاد الهشيم.. بل يكون قبضنا بعد أن سقينا الأيام والسنوات.. بل عقدين من الزمان وتزيد بعد رويناها وسقيناها دموعاً.. أن »نقبض« الريح.. نعم.. ها هي الإنقاذ.. أو أحبتنا في المؤتمر الوطني.. يعلنون ميلاد الجمهورية الثانية.. يتأهبون لسنوات قادمات من الحكم وإدارة الوطن والدولة والشعب.. من حقهم أن يرددوا.. تالله لن ننزع ثوباً سربلني له الله.. لا مانع لدينا.. أن تظلوا رافلين في ثوب الحكم وإدارة الوطن.. ولكن كل الرجاء.. أن يأتي ثوب الجمهورية الثانية.. خالياً من كل تلك الثقوب التي حفل بها ثوب الجمهورية الأولى.. لا نريد أن نقلب المواجع.. ونستمطر الدموع.. وإقامة المناحات وحلقات البكاء والنواح.. ولكن أعلموا يا أحبة.. أن شعبكم.. قد عانى كثيراً في جمهوريتكم الأولى.. ولو راجعتم دفاتركم.. وجردتم حسابكم حتماً تكتشفون أن أخطاء بجحم الجبال.. وبعمق البحار، وبطول البيد والصحارى، قد أُرتكبت في الجمهورية الأولي.. وإذا وجدنا لكم عذراً في تعثر خطواتكم في مسيرة الجمهورية الأولى.. بقلة التجربة وضعف الكوادر وهاجس التمكين.. مع شرعية ثورية »أكلت« من عمر جمهوريتكم نصفها.. ثم زلزال المفاصلة.. وانشطار البيت الإسلامي إلى شطرين.. لن نجد لكم عذراً واحداً في الجمهورية الثانية.. والتي نأمل ألا تمت بصلة القربى أو حتى المصاهرة أو الجوار بالجمهورية الأولى.. يكفي أن اخفاقكم المزلزل.. أو المجلجل كان في ذهاب الجنوب.. لسنا بالطبع »شامتين« ولا نحن »بوم« يعجبه الخراب.. ولكن.. دعونا نهمس في آذانكم سراً.. ونقول.. إن »البترول« أهم اشراقاتكم وأفخر وأعظم انجازاتكم.. ذاك الذي وصلتم إلى أعماق آباره على جسر من التعب.. أو على أشلاء من الجسد.. وخضتم في سبيل تفجر عيونه سيلاً من دموع، بل دماء نزفت ورعفت من الوريد.. قد ذهب هدية.. بل غنيمة أو رزق ساقه الله إلى الجنوب.. وهل هناك بقعة أكثر بشاعة من انشطار الوطن وذهاب الجنوب بكل أرضه وغاباته و »ناسه«.. نعم يقول التاريخ إن الذين ينسون التاريخ عليهم أن يعيشونه مرة ثانية.. وها نحن نذكركم بالأخطاء الفادحة التي حدثت في الجمهورية الأولى.. حتى تكون محطات تنبيه واشارات تحذير.. وأضواء كهارب تنير لكم الطريق.. وبكرة نواصل..