(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (2) العنكبوت هل طافت بعقول البشر خواطر تنبئهم بأن جريان كلمة الإيمان على الألسنة عارية من كل سند، يجعل بينهم وبين الشدائد والتباريح مصدات تقيهم عواديها وعوادي الفتن والابتلاءات، إن كان الأمر كذلك فإن الوهم قد وجد في هذه الخواطر مطايا موفورة القياد تجعل من دون الحقيقة خرط القتاد، وتحول عمه الأبصار الى عمة البصائر، عجيب إنسان هذا الكون فقد تناولته صروف الأيام والليالي بشتى أنواع الاختبارات والفتن، فما حركت في مشاعره مواطن الاحساس بالأخطاء والخطايا التي يقترفها.. لقد ورد في الحديث (تعوذوا من الأعميين) والأعميان كلمة تشير الى السيول والحرائق، والتعوذ هو العياذ، واللجوء الى الله من شرورهما، وللتعوذ واللجوء الى الله شروط ومواثيق سهلة التناول والتداول، لأنهاء في حقيقتها هي مكونات الفطرة والسجية المتعبدة والواثقة بأن لهذا الوجود ُمُوجد. أما آن لنا على اختلاف مللنا ونحلنا أن ننظر في معاني نصوص خطاب السماء على ألسنة الأنبياء، لندرك أن الرحيل من مضارب الفضيلة، يجر علينا غضب صفات الجلال المتمثلة في هذه السيول والحرائق والأعاصير والهزات الأرضية (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) (21) السجدة.. غريب هذا الإنسان الجاحد تحت وطأة الشيطان، لنعم الله ظاهرها وباطنها (قتل الإنسان ما أكفره) (17) عبس.. الظلم يستشري وتشد له الأطناب في كل مكان، وبين كل الفئات حاكمة ومحكومة، ولولا بقية من أهل الخير التي تحدثنا عنها في مقالات سبقت بالاطراء وصادق الدعاء لها بالسواد والسؤدد والنصر المؤزر المرتدي لثياب الصدق والأمانة ورعاية حقوق البارئ عز وجل- أجل لولا هذه البقية الباقية الداعية الى مبادئ الأخوة والمحبة والسلام لهلك الزرع والضرع وورد الناس موارد السام. تبقَّى لنا القول بأن الخير كل الخير في أمة الإسلام شاء الناس أم لم يشاءوا لأنها خير أمة أخرجت لهؤلاء الناس، إن أوفت بعقدها مع ربها، وذلك لولوج أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعل هذه الأيام التي أظلتنا خلالها الرحمة والغفران والعتق من النيران هي أعظم المواسم التي نستطيع فيها إعادة صياغة أنفسنا وتأهيلها، لقيادة هذه الجموع الضالة من البشرية، وذلك بإبراز القدوة الحسنة التي أرسى قواعدها خاتم الأنبياء والمرسلين والمبعوث رحمة للعالمين.. دعوا عقيدتنا تكسو سلوكنا شيباً وشباباً، وهذا هو طريق الأولين من سلفنا الصالح والذي به سادوا وغزوا القلوب والعقول. بالدعوة الى طريق الرشاد والدعاء الموجهة الى رب العباد، وبتبصير الناس بأن فساد البر والبحر هو بما كسبت أيديهم، وبالتوجه الصادق لله بقلوب مؤمنة لتخفيف الابتلاء والتباريح وببيان مواقف المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، نستطيع أن نستقطب كثيراً ممن يعيشون فترة في عالم المغضوب عليهم والضالين، ولعل أجمل ما أذيل به هذا المقال مقالة المرأة البلجيكية التي أطلعها أحد المسلمين على قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عند نزول الآية(... والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (67) المائدة.. لقد قال لهم: إن الله قد عصمني فامسكوا عني حراستكم لي.. قالت المرأة إن هذا الرجل لصادق، ولو كذب على أصحابه لا يمكن له أن يكذب على نفسه ويعرضها للخطر، ولولا يقين إيمان ثابت استقر بقلبه لما قال ذلك، وإني لأشهدكم بأني أشهد أنه رسول من عند الله.