مواطنو حي (كوبر) وجهوا صفعة قوية لأولئك الحالمين بخروج الجماهير لإسقاط النظام، وذلك في تلك الواقعة التي لا تحدث إلا في هذا البلد الطيب أهله، وذلك يوم الخميس الماضي حينما تجمهروا وأغلقوا الطرقات ومنعوا عبور المركبات في أعقاب وقوع حادث مروري عند النفق لأربع من طالبات الأساس كن يعبرن الشارع ومطالبتهم حضور الرئيس البشير إليهم ليقف بنفسه على حجم المعاناة التي يعانيها سكان هذا الحي منذ أن تم بناء الكبري، والمفاجأة كانت وصول الرئيس إلى الموقع، ومعه الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، وترجلهما من السيارة متوغلين راجلين وسط المواطنين المحتشدين الغاضبين، حيث حياهم الرئيس فبادلوه التحية بأحسن منها، ووجه فوراً بإجراء المعالجات اللازمة والضرورية من مطبات وحواجز، وقد شرعت الجهات المختصة في عملها في الحال، فهتف المواطنون المحتشدون للرئيس (سير سير يا البشير نحن جنودك للتعمير). هذه الواقعة لا بد أنها أصابت ناس الخيارات التصعيدية و إخراج الجماهير لإسقاط النظام بالإحباط والشعور بالخيبة والصدمة من هذه الجماهير، التي وبدلاً عن الهجوم على الرئيس ووزير دفاعه و(سحقهما) دهساً بالأقدام وركلاً بالأرجل كما كان يتمنى قادة المعارضة، فهم هتفوا للرئيس وجددوا له العهد والبيعة بأنهم جنوده للتعمير، ولأننا في السودان فقد مرت هذه الواقعة مرور الكرام في حين أنها ليست كذلك في دول أخرى عديدة، سواء في عالمنا الثالث أو حتى في بعض دول العالم الأول والثاني، وما يكسب هذه الواقعة قوتها ويدفع إلى التأمل فيها، هي أنها وقعت في ظل أوضاع أمنية حرجة تمر بها البلاد.. فالتمرد قد اشتعلت جذوته في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق، والمعارضة في الداخل تتربص بالحكومة الدوائر لإسقاطها بالجماهير، والمحكمة الجنائية الدولية تطلب الرئيس ويعلن مدعيها العام في أكثر من مرة ومناسبة أن المحكمة لديها من الوسائل ما سيمكنها من (جلبه) إلى ساحتها ومن بين هذه الوسائل الخطف، وحركات دارفور المتمردة ما فتئت تردد أن لديها أعواناً وعيوناً وعملاء بالداخل يستطيعون استهداف الرئيس ورموز الحكم في أي وقت.. في ظل هذه الظروف الأمنية ينحشر أهم رجلين في الدولة الرئيس ووزير دفاعه وسط جماهير هائجة وغاضبة بلا حراسة أو حماية أو دروع واقية، هل هناك برهان آخر أكثر صدقاً وأكثر دلالة على شعبية الرئيس وشرعيته من هذا البرهان الساطع، (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، ولو كنت معارضاً يريد إسقاط الحكومة عبر خروج الجماهير إلى الشارع لاستبعدت هذا الخيار تماماً، ولبحثت عن خيارات أخرى، ليس من بينها الإستعانة بصديق، لأن هذا الخيار هو الآخر أثبت فشله، أرجو أن (تفيق) أحزاب المعارضة من سكرتها وتصحو من أحلام اليقظة التي تغط فيها، وتدرك أن التغيير هو في يد الجماهير عبر صناديق الإقتراع، وأن الانتخابات ولا شيء غيرها هي الوسيلة الأقوى والوحيدة التي يمكن أن تغير بها السلطة القائمة، إذا كانت فعلاً تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحكم، أما إذا كانت هذه الأحزاب تعاني فقراً حاداً في شعبيتها وجماهيريتها فهذه مشكلتها هي، وهذا الفقر عليها أن تعالجه بالتغذية الجيدة، وتناول الأغذية الطبيعية السودانية المحلية، وتكف عن تلك الجاهزة والمعلبة المستوردة من الخارج عبر سفارات الدول ومكاتب المنظمات الأجنبية، لأن فيها الكثير من المواد الحافظة والكيماويات، وعلاوة على ذلك فهي باهظة الثمن.. ولا بد من إزجاء تحية حارة مستحقة للسيد الرئيس البشير على هذه الشجاعة النادرة وهذا التواضع وهذا الإحساس بقضايا الجماهير يفتقدها كثير من قادة الأحزاب، الذين هم في موقع الثريا من جماهيرهم. تلويح أحزاب المعارضة ب (خيارات تصعيدية) في مواجهة الحكومة حال رفضها الإستجابة لما أسمته بنداء السودان الذي طرحته هذه الأحزاب لمعالجة الأزمة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، هذا التلويح هو محاولة بائسة ومكشوفة منها للإصطياد في المياه العكر، بل هو أكبر من ذلك، فهم بتلويحهم هذا إنما يقدمون إسناداً سياسياً للتمرد ويقومون بدور حصان طروادة له.. ومطالبتهم الحكومة بوقف الأعمال العسكرية إنما هو محاولة لإنقاذ المتمرد مالك عقار من المأزق الذي أدخل نفسه فيه بنفسه، ومن هزيمة محققة وماحقة توشك القوات المسلحة أن تلحقها به، والمعارضة بفعلها هذا إنما تصطف بعلم منها أو بغير علم في صف التمرد، ومطالبة هذه الأحزاب للحكومة بإيقاف دفاعها عن مواطنيها من عدوان جيش المتمرد عقار، الذي كان هو البادي بالعدوان هي مطالبة ليست في محلها، فهل كانت هذه الأحزاب تتوقع أن تقابل الحكومة هذا التمرد وهذا العدوان بإدارة خدها الآخر، أم يريدون أن يقوم الجيش والأجهزة الأمنية بإلقاء أسلحتهم وإيقاد الشموع بدلاً عنها، وحملها ومعها باقات الورود والأزاهر والرياحين وكتابة لافتات رقيقة، تعبر عن كراهيتهم للحرب، وتحث فيها المتمرد عقار وجنوده علي إلقاء السلاح إستجابة لنداء السلام والمحبة، وتهديدهم في حالة رفضهم لهذا النداء برميهم بالطماطم والبيض الفاسد ومناديل الورق، ويقولوا له ( نحنا بنكرهك) !! مالكم كيف تحكمون . أحزنني جداً نبأ العثور على جثة معتمر سوداني متحللة داخل غرفته بأحد فنادق مكةالمكرمة، أسأل الله أن يتقبله، حيث أنه خرج من بيته مهاجراً إلى الله ثم أدركه الموت فأجره على الله، ونحسبه شهيداً ولا نزكي على الله أحداً، فالأعمار بيد الله (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا) الآية . ولكن هناك مسؤولية مباشرة تقع على تلك الوكالة التي اختارها هذا المعتمر ليكون في كنف رعايتها وإرشادها ولتكون له دليلاً لأداء الشعيرة، وقد دفع لها مقابل ذلك مالاً وعقد معها عقداً على هذا، فكان لزاماً على هذه الوكالة أن تتقي الله فيه وفي غيره ممن إختاروها، وتقوم بالوفاء بعقدها معه، وأن تحلل ما أخذته منه من أجر ومن أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل.. وواضح أن هذه الوكالة لم تهتم بهذا المعتمر، وإلا لكانت إكتشفت موته في الحال،إن على الهيئة العامة للحج والعمرة أن تراجع بشكل جدي وصارم عمل هذه الوكالات فيما يخص شعيرتي الحج والعمرة، فبعض هذه الوكالات لا هم لها سوى تحصيل المال.. وبالنسبة هذه الوكالة المشار إليها ينبغي أن تحاسب حساباً عسيراً.