الآلاف الذين يعبرون شارع الموردة مسرعين كل يوم، تلفت انتباهم لافتة صغيرة مثبتة على أحد الدكاكين ومكتوب عليها (توتو ترزي)، وهي العلامة الدالة على محل الإنسان الصالح بمعنى كلمة الإنسان.. وأوضح معاني الصلاح المرحوم الحاج عبد القادر الطيب العمرابي (توتو) أو عبد القادر توتو كما يسميه أهل الموردة وأهل أم درمان وأهل المقابر خاصة.. ولا يكاد أحد يورد اسمه كاملاً.. ولكن.. من لا يعرف عبد القادر توتو... لم يتساءل الناس من أين جاء ومن هو وما قبيلته.. وما مدى انتمائه العريق والعميق بأهله الجعليين العمراب رموز الموردة.. ولكنهم يعرفون ويحبون توتو ويعتقد كل بيت من بيوت الموردة أنه منهم.. ويعتقد كل فريق أنه أقرب الناس إليهم.. ويحس الجميع أن عبد القادر من أقاربه وأنه عم وابن عم.. والسبب في ذلك أنه الرجل الذي ستر كل روح طاهرة صعدت إلى بارئها في ذلك الحي العريق وفي غيره من أحياء أم درمان من العباسية إلى شارع النيل.. ومن الهاشماب إلى حي السور.. ومن بانت إلى فريق العمراب.. ومن ريد إلى حوش عباس الموردة التي كان يعطر أمسياتها عثمان طه ويشيع البسمة الوقورة في أروقتها حمد النيل ضيف الله.. والتي كان يغشاها أبو العوض ليستمع إلى إشراقات وطرائف العرب. كانت تعشق عبد القادر توتو وتبتسم لملاوعات وملاواة قناطة- رحمه الله- وهو يشغل مداخل محل عبد القادر توتو بزخم ظريف أخاذ لا تجده إلا في الموردة. عبد القادر توتو كان يمسح دمعة اليتامى ويرقأ ثكل الأيامي.. ويطل على ليل المساكين قبل القادرين.. فيسرع ويهرع إليهم هو وأولاده ليقوم بالواجب.. وكأنما هو رحمه الله أحد أبواب الآخرة إلى المرحمة وأحد مداخل المؤازرة والسلوى للمحزونين الذين أبكاهم الحزن وأدمتهم الفاجعة.. وأثختهم الجراح... وتشاء حكمة الجليل القدير أن يموت عبد القادر في مكةالمكرمة.. وهو يدلف إلى مداخلها من مدينة الحبيب الحبيب.. ويقبر فيها مع أهله الصالحين مع الصديقين والنبيين وحسن أولئك رفيقاً.. وداعاً أيها الصديق... ابن العم العزيز الذي يا طالما نعمنا بحبه وبإخائه وببرره.. وصدق الله العظيم فما تدري نفس ماذا تكسب غداً، ولا تدري نفس بأي أرض تموت.