يبدو من النظرة العجلى أن في العنوان أعلاه نشازاً، حيث لا رابط بين المناخ والرأسمالية والعلوم، مع أن هذه الرابطة عتيدة، بل هي عضوية، وبلغة أخرى فإن التغيير المناخي يحدث جراء جشع الرأسمالية العالمية، مما يقتضي العالم المواءمة بين هذا الوضع الراهن، مناخياً واقتصادياً، وبين الكشوف العلمية التي تتقدم هذا الوضع، وكأنها تستشرف المستقبل الخالي من الأخطار البيئية، ومعها الأخطار النووية، في غياب النظام الرأسمالي العالمي اللا إنساني.. فإلى هذه المكونات الثلاثة بادئين بأس البلاء وهو الرأسمالية العالمية: التغيير في الرأسمالية العالمية: وهو: تغيير حتمي لا تجدي معه الحلول الموقوتة لأزمات تتسع «فقاعتها» يوماً بعد يوم، وهي تضرب مراكز الرأسمالية العالمية، في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي وتوابعها من الأطراف، أما في الولاياتالمتحدة فقد امتدت الاحتجاجات من قلب عالم المال والأعمال في «وول ستريت» بمنهاتن بنيويورك إلى مدن أمريكية عديدة، وهي تحتج على رفض النظام السياسي رفع مستوى الضرائب بما يكفي على الأغنياء، وهي حركة احتجاج تتعدى هذه الجزئية إلى رفض النظام الرأسمالي برمته، والذي تسيطر فيه القلة القليلة من الأثرياء على الثروة على حساب الكثرة الكاثرة من الفقراء في الولاياتالمتحدة ومثيلاتها. وهذه القلة القليلة التي وصفت بأنها تشكل 1% لا تسيطر على ا لثروة فحسب، وإنما على مجمل النظام السياسي وصناعة القرار، بل على الديمقراطية والإعلام بآلته الضخمة. وهي احتجاجات قد تكون عابرة يمكن السيطرة عليها، ولكنها تعبر عن رغبة كامنة داخل النفوس في الرغبة بتغيير النظام الرأسمالي بشراسته ووحشيته، ونهمه إلى الربح، ومراكمة الثروة بكل سبيل.. وهي احتجاجات ناقمة على الرئيس أوباما الذي أنقذ المصارف وشركات السيارات الكبرى من مال دافعي الضرائب، وقد ثبت أنه لم يحدث التغيير الذي وعد به في حملته الانتخابية، مما يجعل ولايته الرئاسية المقبلة على كف عفريت، وهو يتجه للمواقف الوسطية المايعة التي تريد أن ترضي كل الأطراف، وأجدني اتفق تماماً مع الأستاذ طه النعمان بباب «الإضاءات» بهذه الصحيفة «أن تغيير أوباما لم يتجاوز لون البشرة». وربما اتفق معه في مجمل أطروحته «الأمة- الأمريكية- الوحيدة التي لديها القدرة والمال والقوة للتغيير لم تتمكن بفعل جشع الأباطرة المتحكمين بالثروة والسلطة من إقالة عثرة شعبهم، ولو بجزء يسير من كل ذلك الذي نهبوه من موارد الشعوب الأخرى في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأروبا».. ولكنني قد اختلف مع الأستاذ طه النعمان في جزئيات هذه الأطروحة، فالولاياتالمتحدة لم تحرز «القدرة والمال والقوة» بحجم وضعها الاقتصادي، فالاقتصاد الأمريكي، كما وصفه الرئيس الروسي بوتن مؤخراً «اقتصاد طفيلي يعتمد على التعامل العالمي بالدولار» أي أنه ليس باقتصاد حقيقي، فهو أكبر مدين في العالم، حيث تبلغ ديونه 97% من حجمه.. لذلك كان لابد أن يصاب الاقتصاد الأمريكي بتباطؤ النمو والكساد، مع ارتفاع مستوى البطالة، لذلك قيل إن النظام الاقتصادي الأمريكي يعتمد من جهة أخرى على صنع الحروب حتى يتيح لشركات صناعة السلاح بالولاياتالمتحدة الدوران والانتعاش. وإذا أضفنا إلى هذه السوءات الخاصة بالاقتصاد الأمريكي آفة الجشع التي تلازم النظام الرأسمالي حيث كان، والمتمثلة في الاقتصاد الافتراضي «VIRTUAL» القائم على المضاربات الورقية التي تدور في الأسواق المالية والبورصات، وهي لا تعبر عن اقتصاد انتاجي حقيقي. المفكرون والفلاسفة يسبقون حركات التغيير بتنبوءاتهم الذكية فقد نشرت «آخر لحظة» بعددها بتاريخ 8/8/2011م مقاطع من مقال المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، جاء فيها «أن مؤشرات انهيار أمريكا بدأت منذ بلوغ أوج القوة بعد الحرب العالمية الثانية، وتلاها التفوق الملحوظ في المرحلة التي تلت حرب الخليج الثامنة في التسعينيات، مع أن ذلك كان مجرد خداع للذات، وقال إن المشهد قادم لإرعاب حتى المنظمين، فالشركات التي وضعت المتشددين في مراكز القرار هي الآن قلقة من أنهم يسقطون الصرح الذي بنته، وتفقد امتيازاتها والدولة القوية التي تخدم مصالحها. فطغيان الشركات على السياسة والمجتمع- وهو ذو تأثير مالي في الغالب- بلغ حداً جعل الحزبين الديمقراطي والجمهوري- اللذين بالكاد يشبهان الأحزاب السياسية- أبعد ما يمكن عن حق المجتمع بشأن القضايا الرئيسية قيد النقاش» فالمفكر الأمريكي نعوم يتنبأ بهذا الانهيار الأمريكي قبل أحداث «وول ستريت» الاحتجاجية الأخيرة.. ونلاحظ أنه يضن على الحزبين الأميريكيين بوصف الحزب، وكأنهما حزب واحد منشق إلى حزبين لحماية المصالح الأمريكية الجشعة، مما يؤكد أن النظام السياسي الأمريكي مطوع لخدمة النظام الرأسمالي. هل الحل هو في العودة إلى النظام «الاشتراكي» الشائه الذي أودى بالاتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا- أي النظام الذي يسيطر فيه القطاع العام على الاقتصاد- وهو مملوك للدولة، بل هو وجه آخر للرأسمالية، يمكن أن ينسب إلى رأسمالية الدولة في مقابل رأسمالية الطبقة، وكلاهما يؤدي إلى عواقب وخيمة من الأنهيار؟ اتصور أنه لابد من فترة انتقالية يمر بها النظام الرأسمالي يفقد فيها هيمنته الكاملة على الاقتصاد العالمي، ومن ذلك سيطرته على المؤسسات المالية العالمية، وذلك بتعددية الأقطاب الاقتصادية في هذه المؤسسات، علاوة على نزع الزعامة الدولية للدولار، ويصاحب نزع الهيمنة الاقتصادية لمراكز الرأسمالية إصلاح جذري للأمم المتحدة لتكون الجمعية العامة هي الهيئة التشريعية الدولية، ولا يبقى لمجلس الأمن سوى السلطة التنفيذية الممثلة لإرادة الجمعية العامة، مع تفرغ محكمة العدل الدولية للنظر الملزم في الحماية القانونية لهذا النظام السياسي الدولي.. وبذلك كمرحلة انتقالية للتوزيع النسبي للثروة والسلطة الدوليين. أما البديل الكامل للنظام الرأسمالي العالمي فهو نظام يوائم بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يجمع بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية، هذا ما يكفي من طرح في هذا المقام، حيث لا ديمقراطية في غياب العدالة الاجتماعية، مع الفروق الشاسعة في توزيع الثروات. التغير المناخي: التغير المناخي في خضم الاحتجاجات التي زحمت شوارع العواصمالأمريكية، وامتدت حتى واشنطن العاصمة، تحركها وتقودها نقابات العمال والموظفين، ونفذت هذه الاحتجاجات إلى لب الأزمة وهي النظام الرأسمالي نفسه، بشراسته ووحشيته.. وهو النتيجة الطبيعية للتصدي على المحيط البيئي، أو للنمو الجشع الذي تسبب في الاحتباس الحراري، جراء الانبعاثات الغازية وهي تجر إلى كارثة طبيعية محققة من تدفئة الأرض، أو التغير المناخي ويقال إن ما استنزفته البشرية من موارد الأرض ومحيطها الخارجي في المائة سنة الأخيرة، أو منذ الثورة الصناعية يمثل الاستخدامات البشرية لهذه الموارد منذ التاريخ المكتوب، وهو في الحقيقة عدوان على حق الأجيال القادمة في بيئة متوازنة. الجشع الاقتصادي هو وراء النمو بغير حدود، أو للنمو على حساب فقراء العالم، أو على حساب الأجيال القادمة وأكبر محركات هذا الاستنزاف للموارد الطبيعية هو النظام الرأسمالي، الذي يسعى للربح الآني، حتى ولو بغير اقتصاد حقيقي منتج. أضف إلى هذا النمو المخل بالبيئة حاجة النظام الرأسمالي الى التصنيع الحربي بتطور في سبيل دوران الحروف، مما أضاف للخطر البيئي خطراً موازياً هو الخطر النووي أو خطر أسلحة الدمار الشمال، مما هو لازمة من لوازم الرأسمالية العالمية في اتجاهاتها العدوانية، أو ما عرف تاريخياً بالأستعمار والامبريالية. üتسارع المنجزات العلمية والتقانية ظاهرة التسارع في كل الاتجاهات تكتنف حياتنا، وهو تسارع في التغيير يكاد يفاجئنا، ولكننا سرعان ما نتأقلم معه فنعايشه.. هي لحظة القفزة النوعية في التغيير بعد أن نضجت عوامله وتراكمت تجاربه، وكأنها قفزة الميلاد بعد نمو الجنين في رحمه من خلال أطوار متلاحقة، وهي سنة الله تعالى في تسيير الكون والحياة والإنسان ما بين تدخل الهي غير مباشرحتى تستوي الظروف فيحدث التدخل المباشر، وهو ما نشهده اليوم وكأن يد العناية الالهية تظهر وراء التغيير الذي يحدث بصورة متسارعة. كل شيء يتسارع في التغيير وأقربه منا الربيع العربي، ثم الصيف الأوربي، فالخريف الأمريكي، ولست أدري كيف سيكون الشتاء، فكأننا صرنا نتقلب في العام بين مواسم التغيير، فانهيار النظام الرأسمالي يتسارع، كما تسارع من قبل انهيار النظام السوفيتي ومعه أنظمة المعسكر الشرقي والتغيير المناخي يتسارع، وكأنه ينبئنا بذوبان الجليد في المحيط المتجمد، فتبتلع المياه الجزر الصغيرة، فالكبيرة، حتى تأتي على الأراضي الواطئة من قاراتنا، فنعود كما كنا بقعة كبيرة من الأرض العالية، وكأنه طوفان نوح، فتنضام القارات بعضها لبعض. وعلى صعيد آخر تتسارع وتيرة الكشوف العلمية، والتطبيقات التقنية، وهي تستشرف، كما قلنا، المستقبل فتدعونا لتغير مناهج حياتنا حتى نتواءم مع الانفجار المعرفي الذي يحيط بنا.. وآخر هذه الكشوف الفيزيائية جزئي «النترنيو» أسرع من سرعة الضوء «أنظر إلى ظاهرة التسارع»... وجائزة نوبل لعلوم الكون والفلك تذهب لثلاثة عباقرة أكدوا بأبحاثهم التسارع في تمدد الكون في كل اتجاه يمكن تصوره، وقد أعطوا نظرية الانفجارالعظيم التي تمثل بداية الكون حيوية أكبر، حيث أضافوا إلى تمدد الكون من نقطة مركزة للطاقة بعداً آخر، هو التسارع في هذا التمدد «انظر مرة أخرى إلى ظاهرة التسارع».ثم تتسارع التطبيقات لتقانة المعلومات حتى كونت عالماً جديداً هو الفضاء الافتراضي بشتى أشكاله. فكأن ثورة المعلومات تسعى للقيام بالعمليات الذهنية البسيطة حتى تفرغ العقل لمستوى أرقى من التفكير. تماماً كما تسعى الهندسة الوراثية لإكساب الجسم البشري العافية من الأمراض الوراثية، وذلك مع تسارع حركة البحث في استكمال الجينوم البشري.. وقس على ذلك بحوث الاستنساخ الحيواني، وطب نقل الأعضاء، وكلاهما يثير قضايا «أخلاقية» لم تكن في الحسبان. فالعلوم الحديثة تقترب من محيط النفس البشرية المادي «ثورة المعلومات وهندسة الجينات»، إيذاناً بعلم النفس الكامل، بوجهيه المادي والروحي، كما ستثبت البحوث الفيزيائية بافتراضاتها أن هناك وراء هذه الظواهر «المادية» ظواهر «لا مادية» مجهولة هي المحرك للعالم المادي، مما يفتح الباب إلى تحول الايمان إلى يقين- الإيمان بالغيب إلى يقين به، ليكون العلم المادي الروحي هو العلم الذي يعتز به.. والله المستعان.