عثمان ميرغني يكتب: لا خير فينا إن لم نقلها    وزير الداخلية يشيد بقوات مكافحة التهريب بقوات الجمارك لضبطها عدد 586 كيلو جرام من مخدر الأيس    محمد عبدالقادر يكتب: و"سكتت أسيا" فى يوم بالغ الفجيعة    تصريحات عاجلة للناطق الرسمي باسم الجيش السوداني    نادي الصفا يكسب خدمات نجم مريخ الابيض كلول    الأحمر يجري مرانه للقاء التعاون    الوادي يبدع ويمتع ويكتسح الوطن بعطبرة    لاخيار غير استعادة زخم المقاومة الشعبية غير المكبلة بقيود المحاذير والمخاوف    الفاشر الصمود والمأساة    أحد ضباط المليشيا يتبجح بأنه إذا رجعوا إلى الخرطوم فسيحرقونها عن بكرة أبيها    انقلب السحر على الساحر.. لامين جمال يعيش كابوسا في البرنابيو    مسؤول أممي: التدّخل في شؤون السودان يقوّض آفاق السلام    الدوري الممتاز 7 يناير بدون استثناء    بالصورة.. "داراً بلا ولد ام يسكنها طير البوم".. الفنانة هدى عربي تنعي الشاعرة والمراسل الحربي آسيا الخليفة: (استحقت لقب "نحلة دارفور" وكتبت لي أغنيتين تغنيت بهما)    تفاصيل استشهاد المراسل الحربي آسيا الخليفة.. لجأت لمبنى مفوضية العون الإنساني بعد أن اشتد بهم الخناق والمليشيا طالبت بتسليمها لكن زملائها رفضوا ودافعوا عن شرفها حتى استشهدوا جميعا    وزارة الثقافة والإعلام تدين اعتقال الصحفي معمر إبراهيم من قبل الميليشيا المتمردة وتطالب بالإفراج الفوري عنه    شاهد بالصورة والفيديو.. الأولى في عهد الخليفة التعايشي.. "الجنجاويد" يغتالون "الطيرة" للمرة الثانية في التاريخ    سيطرة عربية.. الفرق المتأهلة إلى مجموعات دوري أبطال إفريقيا    شاهد بالفيديو.. الممثلة المصرية رانيا فريد شوقي تغني الأغنية السودانية الشهيرة (الليلة بالليل نمشي شارع النيل) وتعلق باللهجة السودانية: (أها يا زول.. المزاج رايق شديد والقهوة سِمحه عديل كده)    شاهد بالصور.. الفنان صديق عمر ينشر محادثات بينه وبين مطرب شهير: (زمان كان بخش لي في الخاص وراقد زي الشافع للحقنة وهسا لمن احتجت ليهو حلف ما يرد.. فرفور أصلو ما غلطان عليكم)    جود بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزاً مستحقاً على برشلونة    ترامب: أحب إيقاف الحروب    هل يطبق صلاح ما يعظ به الآخرين؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تربط جميع مكاتبها داخل السودان بشبكة الألياف الضوئية لتسهيل إستخراج الفيش    تطوّرات بشأن"مدينة الإنتاج الحيواني" في السودان    ستيلا قايتانو.. تجربة قصصية تعيد تركيب الحرب في السودان    الديوان الملكي: وفاة الأميرة نوف بنت سعود بن عبدالعزيز    أمين تجار محاصيل القضارف : طالبنا الدولة بضرورة التدخل لمعالجة "كساد" الذرة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    والي النيل الأبيض يدشن كهرباء مشروع الفاشوشية الزراعي بمحلية قلي    شاهد بالفيديو.. الفنانة عشة الجبل توجه رسالة للفنانين والفنانات وتصفهم بالمنافقين والمنافقات: (كلام سيادتو ياسر العطا صاح وما قصده حاجة.. نانسي عجاج كاهنة كبيرة والبسمع لفدوى الأبنوسية تاني ما يسمع فنان)    متى تسمح لطفلك بالحصول على جهاز ذكي؟ خبير أميركي يجيب    السودان يعلن عن اتّفاق مع روسيا    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    «انتصار» تعلن عن طرح جزء جديد من مسلسل «راجل وست ستات»    علي الخضر يكتب: نظرة الى اتفاق الصخيرات .. لماذا تسعى الإمارات لتخريب مبادرة الرباعية ؟    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    إحباط تهريب مواد كيميائية وبضائع متنوعة بولاية نهر النيل    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الإنسان (هو كلمة السر لحضارة القرن الحادي والعشرين(1)
نشر في آخر لحظة يوم 09 - 10 - 2012

هذا عنوان كتاب لي كدت أفرغ من إعداده للنشر، بعد أن أمضيت في تطوير مادته السنين الطوال، وقد أسعفتني في هذا التطوير تحولات عالمية كبرى، تشكل قفزة في سلم الترقي، وبقوة دفع فائقة من التسارع، لا تخفي يد العناية الإلهية عن تقديرها بصورة مباشرة..وفيما هو آتٍ رؤية إيجازية لهذا الكتاب.
التحولات الكبرى: منها ما يجري في حقل البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، ثم ما يحدث في الساحة العالمية من متغيرات إيديولوجية عميقة الأثر على أنظمة الإقتصاد وأنماط الحكم . وأبرز هذه التحولات في الحقل الأول التقدم المتسارع في تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات ، والفيزياء الدقيقة (الجزيئات) وهندسة الجينات، وهي تحمل توسعاً أعرض في الإتجاهات المستقبلية لإستخدامات تكنولوجيا (النانو) بتخليق المواد على المستوى الذري والجزيئي، والتكنولوجيا الأحيائية ، علاوة على التوسع في إستخدامات الإنسان الآلي، والذكاء الصناعي، والعالم الإفتراضي.. ويبقى التحدي قائماً في بحوث التغلب على الجاذبية، وفي كشوف السرعات الأعلى من الضوء، وفي تحقيق الطاقة من بعد، والمواصلات من بعد ، حيث سيفرض البعد الروحي نفسه على البعد المادي لهذه التطورات تلقائياً من غير تعسف مما يوحد بين البعدين في نظام معرفي متكامل.
كل ذلك كما هي طبيعية المنهاج القرآني النبوي الذي أنشأ أول حضارة روحية مادية مزدوجة في التاريخ ، وسيكون المستقبل لهذا التواؤم بين العلم المادي والعلم الروحي، وفي مستوى جديد ، كل الجدة لا يخطر على بال بإذن الله، لخصائص ثلاث يملكها هذا المنهاج : علمية معطياته، وانفتاحها على التقدم العلمي، ثم ما يقدمه من علوم يقينية(بعد إنهيار يقينية العلم المادي) بنشأة الكون ونهايته، وأطوار خلق الإنسان في رحم الحياة، ثم في أرحام الأمهات ، ولعلم الوراثة ، ولحركة المادة ككتلة وطاقة، علاوة على بحوث الإعجاز العلمي في القرآن المحفوظ والسنة المعصومة . وقد ظهرت مؤخراً أفكار جديدة ذات مصدر غربي علماني تثبت الحياة الأخرى في الكون المحيط فيزيائياً ، كما هي الرؤية القرآنية لهذه الحياة الأبدية(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات)كما كشفت البحوث الفيزيائية الحديثة عن جسيم(هيغز)الذي يمنح الكتلة للذرة، مما يثبت فرضية نشأة الكون جراء الإنفجار العظيم من نقطة مركزة للطاقة ، وهو ما يستوعبه المنهاج القرآني النبوي ويصححه ، ويزيد عليه بمعطيات ليست في الحسبان، ومن ذلك ما جاء في القرآن المحفوظ (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي) وأما التحولات الكبرى على الساحة العالمية ، فتبرز من القارة الأوربية، موطن المفاعل الأول للحضارة المادية الراهنة ، وذلك بسقوط الأنظمة الشيوعية في شرق أوربا ، لفقدانها الحرية السياسية والإقتصادية، من خلال هيمنة الحزب الواحد، والقطاع الإقتصادي العام. وكأنها كانت تمثل شقاً من الرأسمالة، هو رأسمالية الدولة. وأما الشق الآخر فهو رأسمالية الطبقة، في أوربا الغربية وأمتدادها في أميركا الشمالية. وقد باتت تتعرض لإرهاصات قوية موحية بإقتراب نظامها من الإنهيار ولو بعد حين، وذلك من خلال الأزمات الإقتصادية والمالية الساحقة المتلاحقة ، وهي تضرب مراكز الرأسمالية العالمية في عقر ديارها، ومعها نظامها السياسي الذي صمم لحماية المصالح الرأسمالية الكبرى.والنظام البديل لابد واقعياً من أن يحقق المعادلة التي تتطلع إليها الشعوب وهي : العدالة الإجتماعية كغاية من الحرية الإقتصاديةفي النشاط الإنتاجي الحقيقي، والمجتمع المدني الشريك للمجتمع السياسي في سلطة صنع القرار. وطرف المعادلة الأولى يحول دون الجشع الرأسمالي، ودون الربح المالي في النشاط الإفتراضي الورقي. وطرف المعادلة الآخر يحول بين إنفراد المجتمع السياسي ، ومؤسساته الحزبية والبرلمانية والحكومية، بسلطة القرار المؤثر على مجمل المجتمع، على أن تكون منظمات المجتمع المدني مستقلة عن الخارج. وأما الطريق لإصلاح العلاقات الدولية فبتعددية الأقطاب إقتصادياً وسياسياً، وبتحرير المنظمة الدولية من هيمنة القوى الأقوى والأغنى لتكون أكثر ديمقراطية . تلك هي قيمة العدل العليا التي قام عليها المنهاج القرآني النبوي، كأمر إلهي وحاجة حياة أو موت للإنسانية المعاصرة.
المنهاج القرآني النبوي كعلم نفس:
هنا يبرز هذا المنهاج، التعبدي والتعاملي، ويبرز محمد الإنسان عليه أفضل الصلاة والسلام بحياته وسيرته كمثل أعلى لحل الإشكاليات العالمية بأسرها، ذلك بأنه يستأصل نزعة الإستبداد بمصادر القوة، من ثروة وسلطة، من جذورها في دخيلة النفس البشرية، حتى تستطيع أن تقيم في خارجيتها نظام العدل والعدالة، على قاعدة التغيير القرآنية النبوية(إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهو منهاج يرسي هذه الغاية العليا، وهي العدل والعدالة، ثم يترك للمجهود البشري التطور نحوها عبر المراحل، وفق القانون الإلهي في التطور، وهو التدافع بين الناس(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) أي لتوقف تطورها صوب الإصلاح.هذا المنهاج إنما هو في حقيقته علم نفس يطب الأمراض النفسية، المستعلنة والمستخفية، أما المستعلنة فتأخذ طريقها إلى العيادات والصيدليات ، وأما المستخفية، وهي الأبلغ تأثيراً والأوسع إنتشاراً ، فتعبر عن نفسها في الإنحراف عن غريزة البقاء إلى الإستبداد بالسلطة والثروة، وإليها ترجع الأزمات العالمية الراهنة. وقد عجزت مدارس علم النفس الحديثة عن التحليل العلمي المتعمق لأمراض النفوس بنمطيها ، ذلك بأنها تعمد إلى تشخيص الغلاف المادي الخارجي للنفس البشرية، دون أن ننفذ إلى أغوارها اللا مادية، أو اللامرئية.
üناشط وباحث وكاتب
وقد آن الأوان لأن يتطور علم الآفاق إلى علم النفوس وفقاً للمنهاج القرآني النبوي(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وذلك خصوصاً بعد الإقتراب من علم العلوم ، وهو العلم بالنفس البشرية ، إقتراباً مادياً، من خلال ثورتين كبريين : ثورة المعلومات، وثورة الجينات أو المورثات، الأولى تزود الذهن البشري بقاعدة المعلومات المادية الضرورية، حتى يتفرغ للمعارف اللامادية المنفتحة على العلم الروحي. والثورة الثانية تستهدف إصحاح الجسم البشري،حتى يتهيأ للصحة الكاملة جراء السلامة القلبية الكاملة. وهذه وتلك مما يتوفر عليه المنهاج القرآني النبوي بمدى لا يوفره أي منهاج آخر، ديني أو علماني. فهذا المنهاج قادر على الإرتقاء بالنفس البشرية من الطور الحيواني المتهالك على الشهوات الجسدية والعقلية ، إلى الطور الإنساني الصاعد الذي يقيم العدل والعدالة فيما حوله من بيئات بشرية وطبيعية. وكذلك ينحو هذا المنهاج إلى إصحاح العقل البشري بالحوار الداخلي الذي يسرح الخواطر الضارة ويسمح للخواطر النافعة بالتعبير المشروع. كل ذلك من خلال المعالجات السلوكية للأطوار النفسية والعقلية، وهي معلومة التشخيصات، معلومة المعالجات.
معجزة الإسراء والمعراج كرسالة علمية :
وتأتي هذه المعجزة ، كمبحث محوري ، له هذه المخاطبات الموجهة للإنسانية المعاصرة :
1. تميزت هذه المعجزة بأنها كانت كونية ، بينما كانت معجزات الرسل السابقين عليهم السلام ، إما أرضية , وإما تتصل بالموت والحياة في الأرض .
2. تشكل هذه المعجزة حلقة الوصل بين الكون المادي وما وراءه من كون لا مادي ، أو بين الفيزيقيا والمينافيزيقيا .
3. ترجع هذه المعجزة الأرض لأصلها كجزء من هذا الكون المحيط .
4. كانت تكريماً للإنسانية بإرتقاء طليعتها ، محمد الإنسان ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، في سلم التطور للحيوات العليا .
5. عودته إلى العالم الأرضي ليسوقه بمنهاجه إلى العوالم العليا ، وهي عودة حقيقية ليست منظورة أو منتظرة .
6. هي بمثابة رحلة خاطفة خارج الزمن إلى المستقبل المصيري للإنسان ، حيث رأى الجنة والنار ولاقى ربه ، ثم عاد إلى الحاضر الماثل ليشده إلى خارج الزمن من خلال الحياة في الزمن .
7. تثبت هذه المعجزة نسبية الزمن في الكون ، حيث تمت له(الروحنة)الجسدية حتى ينسجم مع تلك البيئات الروحية ، بأزمنتها المغايرة .
8. توجه هذه المعجزة مخاطبات عدة للإنسان المعاصر ، منها المضي في بحثه لكسر حاجز الزمن بتطوير الإتصالات والمواصلات على أن يعرف حدود العلم المادي وآفاق العلم الروحي .
محمد الإنسان( كمثل أعلى لإنسانية القرن الحادي والعشرين :
وقد شكلت حياته ، كما رصدتها سيرته وشمائله ، سبيل الخلاص ، الذي ليس له مناص ، لإنسان هذا العصر ، وهي حياة تخطت البيئة الجغرافية والظروف التاريخية لتكون منهاجاً علمياً معاصراً ، وذلك من خلال هذه القيم العليا :
1. التحرر من حب السلطة والثروة .
2. النزوع للسلم والمسالمة .
3. العدل مع الصديق والعدو .
4. إعزاز الكرامة الإنسانية .
5. الوفاء بالعهود والمواثيق .
6. إحقاق حق الإنسان في الحياة والحرية .
7. الحفاظ على البيئة الطبيعية والبشرية .
8. تحرير النساء والأرقاء والفقراء .
9. التعامل العلمي مع الظواهر الطبيعية .
10. حسن المعاملة مع الحيوان وسائر الأحياء والأشياء .
الرحمة النبوية تعم عالم اليوم وهو لا يعلم :
وهي الرحمة التي بعث من أجلها محمد الإنسان( للناس كافة سواء في عالم زمانه ، أو العوالم في كل الأزمنة ( (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ) ، ولهذه الرحمة الممتدة حتى اليوم معالم ثلاثة :
أولاً : كانت البعثة النبوية تحولاً نوعياً في مجرى تاريخ الأديان لا زالت آثاره تتداعى في هذا العصر ، والعصور المقبلة ، وهي أن المكذبين بالرسل السابقين كان يجري تعذيبهم بعناصر الطبيعة الصماء التي تجتاح إجتياحاً وتعمم تعميماً ، كالطوفان والريح ، فتحول التعذيب للمكذبين في البعثة النبوية إلى أيدي المؤمنين الرحيمة (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) وفي ذلك تكريم للبشرية ، وهم لم يقاتلوا إلا من قاتلهم ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين ) ، ثم هم كانوا ممنوعين من قتل النساء والأطفال والشيوخ والمنصرفين لعباداتهم وأعمالهم ، ومن تخريب البيئة الطبيعية والإجتماعية ( من ذلك إنّ هذا المنهاج الإنساني يحرم الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل ) ، كما كانوا ممنوعين من التمثيل بالقتلى أو تعذيب الأسرى . وذلك بخلاف بني إسرائيل الذين كانوا يقتلون المكذبين قتلاً ذريعاً بلا تمييز بين محارب وغير محارب ، كما جاء في العهد القديم سفر التثنية 20/10 14 ، وغيره من أسفار عديدة.
ثم إنّ المسلمين كانوا مأمورين بالجنوح للسلم حيثما جنح الأعداء المقاتلون لها ، كما حدث في صلح الحديبية الذي عقده المسلمون مع مشركي مكة ، وقد دخل بسبب ذلك الصلح أفواج من المشركين في الإسلام حتى جرى فتح مكة سلماً بغير حرب . واليوم فإنّ حرية الدعوة ، دينية وغير دينية ، صارت ممهدة السبل ، خصوصاً بعد تقدم الإتصالات والمعلومات ، فصار غير المسلمين ، حتى في الغرب المسيحي ، يتحولون إلى الإسلام بالعشرات كل عام ومن رموز المجتمع . فالإسلام إنما ينتشر في أجواء السلم بأكثر من أجواء الحرب ، حيث يقوم منهاجه على المعطيات العلمية ، مما لا يتوفر إلا في أجواء الحرية الفكرية التي يتيحها السلام .
ومن هذه الرحمة النبوية التي تعيش في ظلها البشرية منذ البعثة النبوية أن الحروب العالمية والإقليمية لم تعد تستأصل شعوباً بأكملها ، وإنما صار المنتصرون والمنهزمون يلجأون في نهاية الحروب إلى المفاوضات السلمية .
ثانياً : ومن الرحمة النبوية للإنسان منذ البعثة النبوية حتى اليوم إن الحضارة الإسلامية ، بالدفع الروحي لتلك البعثة ، قد أحدثت تحولاً مفصلياً في تاريخ الحضارات ، عن طريق منهاجها التحليلي(بخلاف الحضارة اليونانية ذات المنهاج الوصفي) فكان لها الفضل الأكبر في إخراج أوربا من عصورها المظلمة إلى عصر النهضة والتنوير ، حيث حملت إليها منهاج البحث العلمي الذي قامت عليه الثورة العلمية ، فتداعت إلى الثورة الصناعية التي إنبنت على أساسها الثورة التكنولوجية الراهنة .
وقد نبعت تلك المتغيرات العلمية متغيرات موازية في النظم الإقتصادية والسياسية ، فأحدثت الثورة الصناعية التحول من نظام الإقطاع إلى النظام الرأسمالي ، ومن النظام الملكي المستبد إلى النظام الديمقراطي المنفتح الآن على التطور بإنعتاقه عن الرأسمالية .
ثالثاً : ومن الرحمة النبوية رفعها التوحيد الخالص ، كقيمة عليا في الدِّين والحياة ، وذلك بتنزيه الألوهية عن الشريك أو الكفؤ ، وعن الصاحبة والولد ، وعن تأبيد (شعب الله المختار)وهذه القيمة التوحيدية إنما هي لمصلحة تطور الإنسان الفكري والروحي ، حيث تنقطع الوسائط بينه وبين الحق ذي الكمال المطلق إلا أن تكون واسطة معينة على هذا الطريق ، لا تعوقه ولا تحجبه ، كالواسطة النبوية ومن على طريقها الإرشادي .
وأما العبودية لله ، وهي الوجه الآخر للتوحيد الخالص ، فهي تحرر الإنسان من العبودية لغير الله من العناصر والأشياء والأحياء ، ومن سيطرة الشهوات الجسدية والعقلية .. كما أن هذه العبودية الخالصة لله ، تحرر الإنسان من الظلم(ظلم الظالم وظلم المظلوم) مستطير وكمظلوم مستكين(ولها كذلك إنعكاساتها على نظم العدل السياسي والعدالة الإجتماعية . ولذلك كانت العبودية أفضل الصفات التي وصف بها محمد الإنسان ( في الإسراء والمعراج(سبحان الذي أسرى بعبده) ، فكان أهلاً لهذه المعجزة الخالدة بهذه الصفة العليا .
رابعاً : ومن الرحمة النبوية ما تضمنه المنهاج القرآني النبوي من جوهر الحقوق الأساسية للإنسان ، وهو الحرية الفردية وما يقابلها من مسؤولية فردية .. وحق الحرية الفردية طرف من حق الحياة ومناطه العقل الذي كرم الله به الإنسان ، فميزه عن سائر مخلوقاته العلوية والسفلية . فلا أحد يحمل عن أحد هذه المسؤولية عن الحرية ، وإنما الإنسان يتطور عن طريق التعلم من صوابه وخطئه ، ومن ذلك إستغفاره الدائم وتوبته النصوح ، كمنهاج فردي ليس له وسيط أو وكيل . وقد تاب الله عن أبينا آدم(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) فلا خطيئة موروثة من النبي الأول عليه السلام .
هذه رؤية مجملة لهذا الكتاب وستكون الرؤية المفصلة قريباً إن شاء الله ، وهي تحمل ثبت النصوص والمراجع الوافي مع التحليل العلمي الكافي .. والله المستعان ،،،
عوض الكريم موسى - ناشط وباحث وكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.