توكلت وزارة الصحة الإتحادية علي الحي الدائم وخلعت(بالطو) المستشفيات الإتحادية وهي كما هو معروف مستشفيات كبيرة وترقد علي خبرة عقود من السنوات وتتبع إجراءات معينة في استقبال الحالات الواردة إليها من أنحاء السودان كافة وأنحاء ولاية الخرطوم . من المفترض أن يكون قرار الأيلولة قد تمت دراسته دراسة مطولة مستفيضة بكافة جوانبه ووضعت له خطط بديلة جاهزة في حالة ظهور أي إخفاق لا أن يكون القرار قد تم علي طريقة (يوم الوقفة) المترسخة في تقاليدنا السودانية المعروفة . ومع كوننا لسنا أطباء ولكن من السهل أن ندرك أن القرار _ حتي بالتحسبات التي ربما تكون قد تمت _ له آثار وأبعاد سالبة ، لأن التجربة علمتنا أن تغيير (السيستم) من اتحادي الي ولائي قد يكون شبيهاً بموضة (السيستم) الشبابية المنتشرة هذه الايام !! الجميع الآن مشفق وهم محقون في ذلك لان التجربة جديدة والظروف السائدة الآن في بلادنا معروفة (الفيها مكفيها). ومع ذلك فإن المسئولين المعنيين في وزارتي الصحة الاتحادية والولائية قد أعلنوا وبالفم المليان عن (إكتمال الإستعدادات) لإنفاذ القرار ووضعه موضع التنفيذ . وقد تواضعنا نحن في السودان علي قضية (اكتمال الاستعدادات) هذه، دائماً تسبق هذه العبارة أي عمل أو مشروع أو قرار ولكن المحك العملي والتجربة علي الأرض هي التي تختبر مصداقية اكتمال الاستعدادات من عدمها !! لقد كان من المؤمل أن تجري هذه (العملية الجراحية) في غضون فترة انتقالية أو (فترة إمتياز) وذلك لتفادي أي آثار سالبة للقرار لأن القرار مهما بدا سهلاً لدي بعض المسئولين فهو ليس بهذه البساطة وهو كغيره من القرارات الكبيرة قابل للفشل لسبب أو لآخر والمجال الصحي كمجال خدمي حيوي لا يتحمل أي فشل أو حتي مجرد اضطراب أو اهتزاز طفيف . ومع أن ولاية الخرطوم ليست (كأحد) من الولايات وتحمل (ماكينة دولة) وتمتلك مقدرات مالية وإدارية وفنية عالية لا تتوافر لدي أية ولاية أخري الا أن أعبائها الخدمية العادية ليست سهلة لتضاف لها هذه الأعباء الصحية الجديدة . ولاية الخرطوم لا تزال في(سنة أولي) مصارف أمطار وشوارع أسفلت ومدارس مكتملة ومياه وكهرباء وأسواق ومواصلات. هي بالكاد الآن تحلحل هذه المشاكل وتحتاج لعقود من السنوات لتنجز القليل منها . فإذا وضعنا علي(كاهلها) المثقل بالمشاكل بمساحات أحياء مثل مستشفي الخرطوم والشعب والذرة وأم درمان وبحري فسوف تنوء بحملها فإن لم يكن اليوم فغد وإن لم يكن غداً فبعد غد ، 1لك أن نسبة معتبرة من سكان السودان يعيشون في ولاية الخرطوم والنسبة المتبقية التي تعيش في الولايات الأخرى تتعالج هنا في الخرطوم، أي أن الخرطوم هي قبلة المرضي من كافة أنحاء السودان ولهذا كان من الضروري أن يجيب مسئولي وزارة الصحة عن أسئلة عديدة منها هل يتم التحويل من الولايات بسهولة وسلاسة كما كان في السابق، بمعني هل يجوز لولاية تحويل حالة إلي ولاية أخري؟ وهل التحويل سهل خالٍ من التعقيدات؟. إننا نأمل أن تنجح التجربة _ علي صعوبتها وخطورتها _ حتي يصبح قرار(الأيلولة) بمثابة أيلولة بيضاء لا (أيلول الأسود)! وهي الحادثة الشهيرة التي وقعت مطلع السبعينيات بين الأردنيين والفلسطينيين وسميت في التاريخ الفلسطيني بأيلول الأسود !! والساسة والمؤرخون يعرفون لماذا سميت بهذا الاسم.