رغم كل الحديث المصحوب بالأرقام عن ملايين الدولارات المهدرة في العلاج بالخارج لأمراض يمكن علاجها بالسودان وتلك التي تنفق على الآلاف من السيارات الحكومية المخصصة للموظفين من صيانة ووقود وأجور سائقين..ورغم الحديث المتكرر عن أهمية إكتفاء الوزراء بسيارة واحدة إلا أن ذلك لم يسهم في تقليل الإنفاق على هذه البنود.. ومؤخراً دخلت مسألة الانفاق على استيراد الأثاث من الخارج فأضحى بند الانفاق على الطاقم الحكومي من وزراء وموظفين أحد أسباب العجز في الموازنات وتأجيل الكثير من المشاريع الإنتاجية أو تأخير افتتاحها فأضحت قضية تستحق نقاشاً جريئاً من الجميع لأن تأثيرها طال الجميع وفيما يلي نستعرض آراء بعض الأطباء والخبراء الاقتصاديين حيث يقول: د. محمد الجاك الخبير الاقتصادي بجامعة الخرطوم إن الإنفاق الحكومي هو من الآليات التي تتبناها الدولة ويجب أن تراعي فيه الدولة الوضع الاقتصادي للبلاد والعجز في الموازنة وأضاف أن الفارق بين مرتبات الوزراء وأصحاب المناصب السيادية و بين الحد الأدنى للأجور فرق شاسع لا يتناسب أبداً والوضع الاقتصادي للبلاد كدولة نامية أو في مرحلة انتقالية ووصف الجاك الانفاق الحكومي بأنّه متزايد ومترهل وقال إن كثيراً من الامتيازات تمنح للسياديين والقياديين لا مبرر لها «العربات الفارهة وتغييرها كل سنة حتى تواكب الموديل» معتبراً أن السبب في هذا الترف في الإنفاق الحكومي سببه هو تقلد الأغنياء لهذه المناصب الأمر الذي يجعلهم يفكرون في الاستثمارات الخاصة وزيادة معدلات الغنى لديهم والسفر للعلاج بالخارج كان يجب أن يُلغى منذ أن أعلنت سياسة «توطين العلاج» وقد تمت دراسات ومحاولات وجلب أجهزة وأضاف الجاك أن الدولة هي المسؤولة عن هذا السلوك غير المقبول لأنها اتاحت الامتيازات التي يتم استغلالها والتي تشكل الأثر السالب وختم قائلاً لا حاجة للعلاج بالخارج في ظل «توطين العلاج». واتفق الخبير الاقتصادي د. حاج حمد مع د. محمد الجاك في أن الامتيازات هي السبب ولكنه استدرك قائلاً اذا كانت الدولة اعطت شخصاً حق الإنفاق والعلاج بالخارج فالحديث عن هؤلاء الأشخاص هو من باب «الحسادة والقطيعة» لا أكثر وأضاف متسائلاً لماذا لا نتحدث عن الميزانية؟ لأن الميزانية للوظائف الدستورية والقيادية أكبر من ميزانية الصحة والتعليم مجتمعين إذا كانت ميزانية التعليم 9.2 والصحة 3.2 فإن ميزانية الوظائف الدستورية هي 1.9 وأضاف حاج حمد أن أسوأ ترتيب أولويات في أفريقيا موجود في السودان إضافة إلى أنه لم يتم حتى الآن تعديل الميزانية حتى بعد نيفاشا وأسلوب المحاباة «وأورنيك 15» الذي لم يعد معمولاً به في الايرادات التي تدخل خزنة الدولة مما أدى إلى تبديد المال العام. وتحدث الأطباء عن مسألة العلاج بالخارج و تكاليفه الباهظة والتي تشكل عبئاً ثقيلا على الدولة حيث يقول الدكتور د. السجاد الطيب - مستشفى ابن سينا - السفر للعلاج بالخارج هو أحد دواعي الوجاهة اليوم لأصحاب المناصب والوزراء وهو دائماً لأسباب غير منطقية ولا تستحق السفر وأكد أن معظم الحالات التي يسافر بها هؤلاء الأشخاص إلى الخارج يمكن علاجها بالداخل وقال إن القرارات لدينا مجرد شعارات مستشهداً بالشخص الذي أنشأ مستشفى ضخماً شعاره «لا للسفر إلى الخارج» وبمجرد تعرضه «لأزمة» خفيفة سافر إلى إنجلترا وأكد أنه نادراً ما يوصي الطبيب بالسفر إلى الخارج وهي حالات نادرة ومعروفة لدى القمسيون الطبي مثل «زراعة الكبد» ولها لجان تقرر السفر إلا أن «الواسطة» لدينا في السودان تخرق القوانين وأضاف السفر للعلاج بالخارج يوصي الطبيب به في معظم الحالات بناءً على رغبة الشخص أو أهله. أما د. سعد الدين عبد الرحمن الذي بدأ حديثه باستياء قائلاً إنها سياسة المؤتمر الوطني وإن العلاج بالخارج لا ضرورة له وأضاف متسائلاً هل العلاج بالداخل لا يكلف وقال إذا كانت ميزانية وزارة الصحة تمثل 2% في مقابل الدول الأخرى التي تصل 10%- 15% وأضاف العناية الصحية غير متوفرة و «توطين العلاج» لن ينجح بدون انفاق وإمكانيات مادية تعد له وقال إن العلاج بالخارج أثقل كاهل الدولة التي يمكن أن تعوض ذلك بقليل من العناية وتخفيض منصرفات العمليات الغالية جداً. أما الدكتور شمس الدين عوض فقد خالف الأطباء الرأي قائلاً إن العلاج خارج السودان وفق الضوابط التي سنتها الصحة لضبط الأموال وعدم التلاعب لا غبار عليه معللاً لذلك بأنه لا توجد عناية بالمريض بعدالعملية لأن الاختصاصيين ليس عليهم رقابة و يتم استدعاؤهم في الحالات الطارئة وهو أمر مكلف جداً وقال إن العلاج يتم داخل المستشفيات الخاصة بتكاليف مرهقة للمواطن لذا السفر يصبح ضرورة لأن التكلفة توازي العلاج بالخارج.