قال المولى الأعلى(... وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، ولأن أحداث الزمان كثيرة ومتعاقبة.. حتى جعلت العام يمضي كالشهر.. والشهر كالاسبوع والاسبوع كاليوم.. واليوم كالساعة.. والساعة كالومضة.. وفي هذا التسارع ينشغل المرء وينسى كثيراً، وبهذا سبقت هذه الآية بحكمة المداومة على تذكير الآدميين.. لكيلا تفوت عليهم المحدثات.. ومع إشارتها العامة للناس كافة.. إلا إنها خصت المؤمنين لأنهم الأشد والأوسع اتعاظاً بالعبر.. وكان ذلك هو ديدن القصص القرآني.. والعبر وتلاوة الذكر المجيد، الذي لا يقدم أو يبلى.. ولا تنقضي عظاته وعجائبه.. وهو القرآن ذو الذكر.. ونحن كأمة سودانية لنا أمثال وحكم شعبية نادرة.. اتخذت من تعاريج الحقب والاندياحات والمواقف الوطنية.. وما يلم بنا أمر إلا ونجد قدماءنا وحكماءنا قد عزموا وحسموا القول والموقف الفصل فيه.. ولذلك قالوا (الحاضر يكلم الغايب) وهذا يماثل (ليس من رأي كمن سمع)، ولأن الذي تشهده وتسافر معه أو تتعامل معه بالدراهم .. تدركه وتعرفه.. كما أصر وأثبت حكيم الحكم والسياسة أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب)، ونحن كذلك أحوج ما نكون لحكمه والاتعاظ والتعامل والتأهب.. ولأننا قيل لنا:(عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) وهو مغالبة ومعالجة الحياة العامة ذات التضاريس والمنحنيات الخطرة.. ومنها حكايات اعتورتنا من القريب والبعيد.. ولأن (المؤمن مبتلى) و(إذا أحب الله قوماً ابتلاهم) والفأل والأمل حول الآية الكريمة(كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله).. ثم (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) وهذا السياق يفتل- بالفاء- هكذا لأننا شهدنا عقوداً متتالية مضت علينا.. ترصد الآخرون بنا وعادونا نحن كدولة سودانية أتخذت (القرآن) و(الشريعة)بديلين لكل علمانية (بحتة) غير مفيدة.. رغم أن الحكمة ضالتنا أينما وجدناها فنحن (كمسلمين) أحق الناس بها، فإن اعتدوا علينا واستعمرونا (يوماً) قذفناهم بتوحدنا داخل البرلمانات، ورفعنا أعلامنا ترفرف بعزتنا وقوميتنا.. وإن قالوا لنا (هاكم اشتراكية وتقدمية ) قلنا لهم: (لا نعبد ما تعبدون) وإن قالوا لنا (هاكم العولمة).. إذ لا فواصل بين البلدان والأسواق والمنتديات والأفكار.. قلنا لهم: هاكم ما هو أكمل وأنفع للعاملين، ومبارك لم يقل به ابن انثى قط.. وهو (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور).. وهي (العالمية) على الأرض وفي السماء على (القمر).. وإن جاءوا ليمنعوا عنا نحن الطعام والإدام.. وأصدروا قرارات بالتجويع، جلسنا حلقاً بمساجد (الثورات) و (بحري) و(البراري) و (أرض المعسكرات).. وختمنا كتاب الله في ليلة واحدة (سبعين) ألفاً.. ثم قذفنا به (المجلس الأفعي)، فتبكم (المجلس) عن قراره ذاك.. حتى (الساعة) اليوم..ثم رفعنا الآية العظمى..(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فأخرجت لنا الأرض (وقوداً) و(غازاً) و(أثينولاً) و(قمحاً) و(ذرة) و(سدوداً) و(ينابيع) و(غير ذلك يترى).. وصار طلب العلم فريضة على كل (مسلم) و(مسلمة)، وذهبنا (للصين)، لأن نبينا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) قال لنا:(أطلبوا العلم ولو بالصين)- البعيدة جداً- وفتحنا أبواب(الشورى) والحكم.. فلا يقعد عن خدمة قومة إلا من أبى.. ومن أبي حبا.. والحابي كسيح.. غير طموح، فيا أيها الطامحون كيف يتركونهم يمرحون في هواء الحرية الطلق.. ينظر إليكم القاصي والداني.. وأنتم تقولون(رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين)، وكذلك ترددون حديث النبي الأكرم(صلى الله عليه وسلم)(الدال على الخير كفاعله)، وبينكم حكمتكم القرآنية البليغة(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.) هذا لطائفتين أما حكم الطائفة والجماعة التي تخرج عن أمر(السلطان) خاصة وإن جاء(منقذاً) فانقذ البلاد من(الدونية) و(الضمور)، حتى نشر بين الناس والجماعات (الشورى) من كتاب الله المكرم.. والسنة العطرة.. وبين الناس التناصح والتحاور.. حتى إذا أعوج الحاكم.. قوتل بالسيف وباللسان.. إلا أن هذا لا يعجب دول الطغيان التي لا تقوم على كتاب أو برهان.. فكلما جاءوا بفرية منسوجة.. مما عملت أيديكم.. اتخذوها ذريعة لاستعمار وهيمنة جديدة.. وأنتم..(دولة) و(شعب) و(مياه) و(مدخرات) و(خيرات) بهذا الشموخ.. فكيف لا تخافكم الدنيا الأخرى.. وفيها دول البغي والعدوان.. فسيأتيكم (أوكامبو) الكذوب.. وهو موجه ومبرمج.. ويريد أن يفعل بكم كما فعل برئيس دولة(بنما)، وهو(نورييقا) كما ذكرت لكم يوماً- الذي قبضت عليه دولة جائرة.. وجاءت به، وعلم دولته يرفرف على سيارته المقبوضة- فعلت أناشيدكم أنتم وقلتم(رئيسنا ما نوريقا* رئيسنا السيف البقطع) وإن قالت لكم- يوماً- إن رئيسيكم (البشير) أتى بجرائم حرب.. فتعود اليوم وتقول.. إن رئيسكم(المنتخب) دستورياً.. قد مارس(إبادة جماعية). وكان أولى وأجدر أن يسألوا- إن حق لهم ذلك- أن يسألوا السلطان(جعفر) أمير ولاية غرب دارفور، ويسألوا (عثمان كبر) أمير ولاية شمال دارفور، ويسألوا (عبد الحميد كاشا) أمير ولاية جنوب دارفور، وهم ولاة منتخبون دستورياً.. وهؤلاء هم شهود الميدان الآن.. إما إن جنح الطغاة(للدبلجة) من المنظمات والأُجراء والعملاء.. فإن الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.. ولنردد حكمنا الشعبية الصادقة.. (السارح بيك ما بودرك)، و(المابريدك في الظلام يحدر ليك ويقول: إنت بتعاين لي شديد كده مالك؟).. أو يقول لك في عرض البحر (أنت بتكتحني بالتراب مالك؟) فإن رددت عليه قائلاً: (يا أخي ده بحر.. وين التراب البكتحك بيهو) يرد عليك قائلاً:(هو غير فصاحتكم دي.. البخلينا نأكلكم شنو)، كما قال الكديس للفار.. -والقصة معلومة- ولكن نقول نحن.. إن تركونا كأمة سودانية للدعة وقد تكاثرت خيراتنا.. اعترانا الخمول، وخمدت فينا الروح الوثابة والمروءة، وحقيقة(ماترك قوم الجهاد إلا ذلوا) وهانوا على غيرهم.. فيا أيها المثقفون والعارفون الوثابون وجمهورنا الهميم لا نامت أعين الجبناء.. فإننا لا نعتدي.. لكن نعد العدة لمن يريد أن يعتدي علينا، (...فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) آخذين ألق التوجيه الإلهي (.. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..) و(الجايات أكثر من الرايحات) فهل تسمعون ما أقول لكم.