لا أدري لماذا تتشبث الحكومة بإزكاء المشورة الشعبية وهي التي ذهبت في تقديري منذ الثامن من يوليو 2011م الموعد الذي كان محدداً لها أي قبل إعلان انفصال جنوب السودان بيوم واحد في التاسع من يوليو من العام المشار إليه فبإعلان قيام جمهورية جنوب السودان انتهت اتّفاقية السلام الشامل ومخرجاتها ومن مخرجاتها المشورة الشعبية والمعروف أن الاتفاقية أعطت الجنوب حق الاستفتاء على الانفصال أو الوحدة، وأعطت أبيي حق الاستفتاء للانضمام إلى الجنوب أو الشمال وأعطت جنوب كردفان المشورة الشعبية وكذا لولاية النيل الأزرق وهي لا تعطي حق الانفصال أو حق الانضمام بل تتطلب الإجابة على سؤال محدد وهو: هل لبّت اتفاقية السلام الشامل طموحات شعب الولايتين في الإدارة والسياسة والاقتصاد والدستور ثم السعي بعد ذلك في حل الشائك منها إذا كانت الإجابة بالنفي مع السلطة المركزية أما إذا كانت الإجابة بالإيجاب فتعتبر الاتفاقية شاملة وحلت مشاكل الولايتين وينتهي الأمر عند هذا الحد والمشورة الشعبية هي حسب قانونها مشورة برلمانية تقوم بها مفوضية يكونها مجلس التشريع في كل من ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان وتأخذ في الاعتبار استطلاعات الرأي العام في المنطقتين، ويقيني أن الاتفاقية لم تلب طموحات مواطني الولايتين على الرغم من أن كلمة «طموحات» لا سقف لها ولكن نقف عند تقسيم السلطة والثروة ونقول إن حظ الولايتين منها ضئيل جداً.. ماطلت الحركة الشعبية في تنفيذ إجراءات المشورة الشعبية في ولاية النيل الأزرق على وجه خاص لأن مخرجات استطلاع الرأي العام لم تكن على هواها الذي مال الى نظام الحكم الذاتي ثم عادت وطالبت بتمديد الفترة بعد السابع من يوليو كما سبقت الإشارة فاستجاب السيّد رئيس الجمهورية للطلب وأصدر قراره بمد فترة المشورة الشعبية الى ستة أشهر أخرى فعادت الحركة الشعبية واعترضت على قرار مد الفترة بحجة أن القرار لم يصدر من مؤسسة الرئاسة، ومؤسسة الرئاسة انفض سامرها فقد ذهب الفريق سلفا كير رئيساً لجمهورية جنوب السودان، وفي الشمال عاد السيد الأستاذ علي عثمان محمد طه الى موقعه الأصلي نائباً أولاً لرئيس الجمهورية، ولا موقع بعد التاسع من يوليو 2011 لسلفا كير في القصر الجمهوري بالخرطوم وبهذا نلحظ انتهاء صلاحية مؤسسة الرئاسة وهي من نتائج اتفاقية السلام الشامل، والاتفاقية ذاتها انتهت بإعلان جمهورية جنوب السودان فماذا يُبقي المشورة الشعبية على قيد الحياة وكذا نسمع عن قضايا عالقة بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان من الاتّفاقية، وتقديري أنه لا توجد قضايا عالقة بموجب اتفاقية السلام التي تطلبت وجود الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في السلطة فذهبت الحركة الشعبية وآلت الأمور الى المؤتمر الوطني وبهذا تصبح القضايا العالقة قضايا بين دولتين تُحل عبر القنوات الدبلوماسية وكفى بآليات اتّفاقية السلام الشامل التي جعلت رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق ثامبو أمبيكي من القضايا العالقة. في ولاية النيل الأزرق أشعل مهندس المشورة الشعبية مالك عقار الحرب وهو الوالي عليها ورئيس لجنة الأمن فيها فصدر القرار الرئاسي بإعفائه من منصبه، وفي جنوب كردفان يقود عبد العزيز الحلو الحرب ضد الدولة والثالث ياسر عرمان يهيم على وجهه، وحظرت الدولة نشاط الحركة الشعبية في البلاد فكيف إذن تقوم المشورة الشعبية؟! في مجلس تشريعي ولاية النيل الأزرق يُسيطر حزب المؤتمر الوطني بتسعة وعشرين مقعداً من جملة الثمانية وأربعين عدد مقاعد المجلس، وباقي المقاعد وعددها تسعة عشر لحزب الحركة الشعبية ولكن لا ندري إن كان أعضاء الحركة في المجلس التشريعي يمارسون عملهم وإن كانوا كذلك فبأي شريعة؟ وتدور الحرب في الولاية بسبب الحركة ويقتل جيشها الأبرياء والنساء والأطفال، وشردت الأسر وأتت للمرة الثانية بالنزوح واللجوء إلى دولة الجوار أثيوبيا وزرعت الألغام وعطّلت الزراعة بنشوب الحرب في موسم الخريف وبإشعالها انتهت مخرجات اتفاقية السلام الشامل والملحقات وبروتكولات جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق وأصبحت الأمور في يد طرف واحد «الحكومة» ومن ناحية أخرى فالولاية تحت قانون الطواريء والحديث عن أخذ رأي النخب فهل يتيح قانون الطواريء الفرصة للحديث بحرية؟ ثم نسأل: من هم النخب؟ هل حملة الشهادة السودانية بنجاح -أكمل المرحلة الثانوية- وبهذا نعود الى كلمة الخريجين في ثمانينيات القرن الماضي، أم حملة الدبلوم فوق الثانوي، أم حملة البكالريوس من أي جامعة معترف بها أم من يشغلون مناصب دستورية على الرغم من أنهم ليسوا الأعلى منها بل بعضهم وقف تعليمه عند المرحلة الأولية وربما المرحلة الوسطى حسب مسمياتها في ذلك الزمان ثم ماذا يفيد أخذ رأي النخب بعد أخذ رأي العامة؟ كان الأفضل أخذ رأي النخب أولاً لتسويقها لدى العامة أليس كذلك؟ نتفق على أن ولاية النيل الأزرق في حاجة ماسة الى تنمية والى توفيق أوضاع بعد أن تضع الحرب الحالية أوزارها ونعزي هذه الحالة الى الحركة الشعبية للأسباب التالية: - في العام 1986 أدخلت الحركة الشعبية الحرب في الولاية، وفي عام 1989 حرب أخرى وفي العام 1997 حرب ثالثة بعدها استقرت قوات الحركة الشعبية في المنطقة وبالطبع لا تنمية مع الحرب. في العام 2005 كانت اتفاقية السلام الشامل وملحقاتها وحكمت الحركة الشعبية الولاية بالتقاسم مع المؤتمر الوطني فكان الوالي أول الأمر من المؤتمر الوطني ونائبه من الحركة الشعبية ثم جاء الوالي من الحركة الشعبية ونائبه من المؤتمر الوطني ونظام الحكم هذا وضع الولاية في حكم رمادي تنازع فيه الشريكان وبعد انتخابات أبريل 2010 فازت الحركة الشعبية بمنصب الوالي ولكنه دخل في مشادات مع الحكومة المركزية أقعدت وحجبت تدفق الأموال منها الى الولاية بغرض التنمية، وأخيراً اشتعلت الحرب في الولاية فدمرت ما كان موجوداً، وما تم إنشاؤه، خلال فترة السنوات الستة التي عاشتها الولاية في سلام، فهذه هي الظروف التي عاشت فيها ولاية النيل الأزرق وامتدت الى خمسة وعشرين عاماً مما يجعلها أحوج الولايات الى عناية خاصة لنهضة تخرج بها من الجهل والفقر والمرض وتأخذ بيد بنيها من الفاقد التربوي ثم البنيات التحتية الأساسية بعد أن تعود محلية الكرمك بكاملها الى حضن الوطن في القريب العاجل بإذن الله ونراها في ركب السماء في الجمهورية الثانية إن شاء الله، ووداعاً للمشورة الشعبية.