الثقافة تقود الحياة.. حسناً.. حسناً غير أني يا صحابي اتحفظ إلا قليلاً ازاء هذه المقولة لأنني اتشكك أصلاً في أن الحياة التي نحياها.. هل هي حياة أم شيء غير ذلك؟.. الحياة في بلدي تتنفس بصعوبة تحت السماء.. لا هواء، ولا ماء، ولا غذاء، ولا دواء، فكيف تكون الحياه في بلدي حياة، وهي فاقدة الأهلية وحتى إذا تناولنا اقراص القناعة ثلاث مرات يومياً ولمدة ألف.. ألف شهر لا اعتقد أن يكون هناك شفاء من حمى الظن التي أصابتنا، وجففت زيت مفاصلنا وأقعدتنا عن المشيء في شوارع الحياة الموحشة.. لقد فقدنا كل شيء.. كل شيء تقريباً ولم يبق لنا غير الرهق والعنت والشعور الممل بالآدمية المنقوصة. يا الهي اي وجع هذا الذي أصبح يترهل حولي حتى فقدت الحواس الخمس في جسدي القدرة على الإحساس بالوجع، وهذه ليست محمدة وإنما هي مشأمة أن يفقد الإنسان الإحساس بالوجع، فالحياة بلا وجع هي حياة ناقصة.. كيف نمشي في شوارع الحياة الموحشة وظهورنا يابسة وفاقدة الإحساس.. تماماً.. تماماً كظهر سلحفاة في موسم التزاوج. أيها السادة .. إن الحياة التي نحياها ليست حياة وإنما هي مجرد زهرة صناعية لا روح فيها ولا حياة، ويقول قائلهم.. الثقافة تقود الحياة، والمضحك المبكي أن حصان الثقافة يقف ببلاهة خلف العربة فأنى للحصان أن يقود العربة وهو يقف ببلاهة خلفها والحوذي الغبي يلهب ظهر الحصان بسياط من لهيب في محاولة يائسة لارغام الحصان على أن يدفع العربة بأنفه ويقود الحياة. أيها السادة رغم كل شيء واي شيء اتوجه بالانحناءة كلها، والتحية كلها لذاك الفتى الحنطي الوشاح السموأل خلف الله القريش الذي حمل هموم الثقافة في بلدي، وهو يرفع شعار (الثقافة تقود الحياة)، وهذا مايحدث في كل جهات الدنيا الاربع إلا في بلدى، الذي كان يحمل اسم (أراضي المليون ميل مربع) وأصبح اليوم مثل جزيرة توتي التي تحمل اسم (أرض المليون متر مربع)، وللأسف الشديد تغير شكل حدودنا الجنوبية، وأصبح كاثداء معزة عجوز جف في أثدائها الحليب منذ الف ليلة وليلة قد تزيد أو تقصر، ولكن المهم أن الحليب فيها قد (تبدر) ويابختنا فإن (المعيز) في بلدي أصبحت بفضل التمويل الأصغر مصانع للألبان (الباودر). أيها السادة اتوجه بالانحناءة كلها والتحية كلها لذلك الفتى الحنطي الوشاح الذي استطاع في وقت وجيز أن يصنع من جهده (الفسيح) شربات.. انتبهوا لكلمة (الفسيح) فهي بدون نقطة فوق حرف الخاء.. أماسي البقعة.. مهرجان الموسيقى.. تقويم المسار بين السخافة والثقافة.. اشراك أهل الثقافة في الشأن الثقافي (الافندية يمتنعون) إرساء قواعد البنية التحتية للثقافة.. تطوير العلاقات الثقافية مع الخارج.. الحضور المكثف للثقافة في كل جهات السودان.. وأخيراً الكلمة المكتوبة التي طرقت بطابع الاستئذان ألف .. ألف باب، فكان معرض الكتاب الذي تجاوز فيه إنسان السودان محدودية رزق الملاليم واشترى الكتاب بالملايين، بل قيل والعهدة على القائلين إن عائدات معرض الكتاب لهذا العام بلغت ستة مليار جنيه والله أعلم. السموأل هذا الفتى القريشي القادم من تخوم فراديس النور والرضا (الدويم)، تلك المدينة التي غدت حدائق ابداع وأعناب في جنات تجرى من تحتها الأشعار، ويكفي هذه المدينة انها أعطتنا السموأل المثقف الأثير وليس الوزير، ويكفي الدويم أنها أعطتنا ديوان شعر ادمي وليس ورقي حبيبي وصديقى الشاعر الجميل التيجاني حاج موسى، الذي درج على بعث الروح في الكلمة، فتصبح كائناً حياً يمشي بين الناس، وهذه قمة الثقافة والابداع في بلدي. السموأل ياسادتي قدم الكثير ومعه أركان حربه الأماجد، وفي مقدمتهم كامل عبدالماجد، وبالمناسبة فإن (كامل) اسم على مسمى فهو شاعر (كامل الدسم) وبالحجم العائلي، أي أن الأب والأم والأبناء والبنات يصطفون على رصيف الدهشة والانبهار وهم يستقبلون موكب النور والجمال والابداع الذي ينطلق من السيارة الرئاسية لجمهورية الشعر التي تقل (الرئيس كامل)، الذي أثرى وجدان الشعب السوداني بل الأعراب والعجم، وعرفه الناس كل الناس في بلدي باسم (سيد الاسم). أطال الله عمرك يا (كامل) لتعيش فينا ولنا في حدائق الفيروز، والنور، والشعر، والمطر، والحديث الموشى بضوء القمر. أقول لكم ياسادتي: لولا أنني قد خصصت هذه السانحة للحديث عن الثقافة وهل هي تقود الحياة أم حصانها يقف خلف العربة لتحدثت طويلاً.. طويلاً عن عشقي وإدماني على قراءة كامل عبدالماجد شعراً ونثراً، وهو يستعصم بالقرب مني في صفحتي الرأي بعروستنا (آخر لحظة)، وهكذا أعود الى سانحة الحديث عن الثقافة والوزير ووزارتها التي تم إنشاؤها بموجب المرسوم الدستوري رقم (22) الذي قضى بانشاء وزارة اتحادية للثقافة، وبحمد الله تم الزواج بين الثقافة والحياة وقلنا مبروك وقلنا (بيت مال وعيال)، ولكن يبدو أن الدولة قد غيبت الشق الأول من الدعوة، واكتفت بالشق الثاني ولم توفر المال للوزارة الوليدة، وكأنما أتت الدولة بالسموأل وقد أحكمت وثاقه ورمته في البحر وقالت له: إياك.. إياك أن تبتل.. معنى ذلك أن الدولة قد قصدت بانشاء وزارة الثقافة أن تكون مجرد اكسسوار وواجهة ديكورية فقط لاغير، ومن ثم أدهشت وزيرها بألق الجمال وغيبت عنه المال وطبعاً من المحال أن يدوم هذا الحال رغم ذلك قدمت الوزارة ماقدمته من حراك ثقافي لا تخطئه العين إلا العيون التي (بطرفها حول)، وقد تعرضت الوزارة الى الانتقادات المجروحة في انها قد أهدرت المال العام فيما لا يجدي ولا يثمر، وقاد هذا الرأي الأستاذ عبدالرحمن جبر الذي يقود الصفحة الفنية بعروستنا (آخر لحظة) بكفاءه ومهنية عالية، فهو ناقد فني من الطراز الأول ويرقى الى مصاف الناقد الفني الراحل سليمان عبدالجليل، وعبدالرحمن ابراهيم الشهير ب (ود ابراهيم)، الذي يمتعنا كثيراً بزاويته المقروءة جداً (شيء من الفن) وعبدالرحمن الثاني أعني عبدالرحمن جبر وبما حباه الله من موهبة نقدية، لا أظن به الظنون أن بقلبه (شيء من نفس يعقوب)، فقد تنامى إليه قول بأن الوزارة قد صرفت مبلغ (80) الف جنيه لعازف الكمان عثمان محي الدين، غير أن الأستاذ كامل عبدالماجد وهو يشغل منصب مستشار وزارة الثقافة، قد أوضح في مقاله المنشور بعروستنا بتاريخ 17/10/2011م أن كل الذي تم تقديمه الى عازف الكمان عثمان محي الدين لا يعدو سوى عشرة آلاف جنيه فقط لاغير، وعليه لا أعتقد مطلقاً أن ذلك لا يفسد للود قضية بين الوزير والوزارة وكامل عبدالماجد وبين الأستاذ عبدالرحمن جبر.. فالإنحناءة والتحية لكل الأطراف فإن كل ماكتب في هذا الشأن وما أفرزه من تداعيات لا يمثل ذلك إلا ظاهرة صحية واجبة القبول للرأي والرأي الآخر، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح ويذهب الزبد جفاء.